الكثير من مناصري حزب العدالة والتنمية في المغرب يحبون تعداد أرباحهم السياسية، وفي نفس الوقت يصرون على تثمين الأداء السياسي الجيد للحزب من خلال أمينه العام (عبد الإله بنكيران)، معتبرين المقاومة الكبيرة التي عبر عنها الحزب، سواء قي مواجهة الأحزاب السياسية المعارضة، أو في مواجهة القصف المنظم لسائر الفاعلين السياسيين والاقتصاديين الرافضين له، انتصارا سياسيا كبيرا، وقدرة تنظيمية هائلة، مكنت الحزب من الخروج بأقل الأضرار الممكنة في معركة سياسية اختلط فيها الوضع الداخلي للحزب بالوضع السياسي والاقتصادي للمغرب، وبالمتغيرات العديددة التي طرأت على الوطن العربي والعالم بشكل عام. لم يكن حزب العدالة والتنمية يلتفت في تعاطيه السياسي إلى نتائج تدبيره الحكومي على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي، رغم دفاعه المستميث عنها، لأنه يعتبر نفسه شريكا فقط في اتخاذ هذه القرارات، مادام الأمر مرتبطا بالدولة في المرتبة الأولى والحلفاء السياسيين في مرتبة ثالية. ربما من هذا الجانب كان يتم التركيز على الأداء السياسي للحزب، الذي يعبر فيه عن رؤيته الخاصة للحكم، من خلال معارف سياسية متعددة كالإصلاح والتدرج فيه والتدافع والطاعة وحسن التخلص، بعيدا عن معارف أخرى لا تنتمي للحقل التداولي الذي يتحرك داخله الحزب، كالاستشراف والاستراتيجية والتكتيك مثلا، تاركين التركة الاقتصادية جانبا، على اعتبار أنها تحتمل تفسيرات وتأويلات وتخريجات أخرى مختلفة، متنوعة ومتعددة تنبع من خصوصية الحقل السياسي المغربي. من هذا الجانب كان المناصرون لحزب العدالة والتنمية يعتقدون أن الحزب توفق في إدارة صراعاته ومواجهاته السياسية، وسجل نقاطا حسنة في تاريخ إدارة الصراع الحزبي بين سائر الفاعلين السياسيين المغاربة، وفق النسق السياسي المغربي القائم، والذي يسلّم به بالكامل، رغم حداثة سن الحزب السياسية ورغم محدودية تجربته في إدارة التفاهمات والتحالفات والمواجهات، سواء مع السلطة أو مع الفرقاء السياسيين الآخرين. بناء عليه، يجد أنصار حزب العدالة والتنمية المتعة في تعداد أرباح حزبهم السياسية. الربح الأول: الحفاظ على رئاسة الحكومة يعتبر أبناء حزب العدالة والتنمية الحفاظ على وجودهم داخل المشهد السياسي المغربي إنجازا كبيرا، بل ويعتبرون قدرة الحزب على الخروج بأقل الخسائر الممكنة في مواجهة التحولات الجيوستراتيجية التي عرفتها المنطقة العربية بأسرها، وفي امتصاص التبعات السلبية للربيع العربي بمآلاته الوطنية والعربية، نجاحا باهرا يستحق الانتباه فضلا عن التثمين. في نفس الوقت، اعتبر حفاظ حزب العدالة والتنمية على رئاسة الحكومة انتصارا للتيار الإسلامي أمام حملات التشويه والإقصاء التي مارستها في حقه العديد من الجهات، حزبية كانت أم حركية أم اقتصادية. كما أن المحافظة على رئاسة الحكومة، كمكسب سياسي له الكثير من الأهمية والاعتبار، فسره الكثير من أنصار الحزب على أنه حنكة سياسية وبعد نظر استراتيجي حطم أفق انتظار الكثير من المتابعين للشأن السياسي المغربي الذين كانوا يعتقدون أن تجربة الإسلاميين في الحكم لم تنتج سوى الخراب. المحافظة على رئاسة الحكومة إذاً، اعتبر نقطة الربح المركزية في حساب الربح والخسارة في التقييم الداخلي لحزب العدالة والتنمية للحكومة في نسختيها الأولى مع حزب الاستقلال والثانية مع حزب الأحرار، وكذلك في التعيين الملكي لحكومة ما بعد انتخابات 7 أكتوبر، سواء مع عبد الإله بنكيران أو مع سعد الدين العثماني. الربح الثاني: الحفاظ على المصلحة العليا للوطن. فما رآه الكثير من المراقبين على أنه تنازلات، اعتبره العديد من أنصار حزب العدالة والتنمية قراءة رشيدة، متأنية وعميقة لما فيه مصلحة الوطن، الاستقرار السياسي للمغرب كان هو الموجه الأساسي لحزب العدالة والتنمية، في وقت عرفت فيه المنطقة قلاقل سياسية خطيرة. أضف إلى ذلك عدم قدرة الدولة على تحمل فاتورة إنتخابات سياسية سابقة لأوانها إبان الأزمة بعد بروز إشكالية ( البلوكاج ) الحكومي، وتأزم الوضع بين عبد الإله بنكيران والفاعلين الأساسيين الماسكين بخيوط اللعب، دفع حزب العدالة والتنمية إلى التسليم بالواقع، ثم تغيير منهجية التعاطي مع مسببات البلوكاج الحكومي بفتح الباب على مصراعيه أمام إمكانيات تأليف حكومة جديدة برئاسة سعد الدين العثماني بعيدا عن رؤية واشتراطات وتوجسات عبد الإله بنكيران. اعتبر هذا الاختيار شجاعة منقطعة النظير للقائمين على الحزب، وحكمة كبيرة وبعد نظر، مادامت مصلحة الوطن من مصلحة الحزب، ومصلحة الوطن والحزب تقتضي تكوين حكومة بدون مطالب إصلاحية وبدون سقف سياسي مرتفع كما كان يأكد على ذلك رئيس الوزراء المعزول عبد الإله بنكيران. وتبعا لذلك، اتساع دائرة المخاطر المحيطة بالوطن، تبعه، ضرورة، التفكير في تضييق إمكانيات هذه المخاطرة بإعطاء الأزمة الحكومية بعدا آخر، والتفكير في مخارج لها مهما كان الثمن السياسي، وإن كانت نتيجته المساس بمصداقية الحزب السياسية والجماهيرية. الكثير من أنصار حزب العدالة والتنمية اعتبروا هذا نكرانا للذات الحزبية في مقابل المصلحة العليا للوطن، عملا بفقه الأولويات الذي يعتبر مصلحة الحزب من مصلحة الوطن. الربح الثالث: البراغماتية السياسية فسر الكثير من أنصار حزب العدالة والتنمية المرونة السياسية التي أبان عنها الحزب في تعامله مع الدولة على أنها حسن تصرف سياسي وتقدير للأمور حق قدرها. قلب الطاولة على الجميع بالخروج من الحكومة، إبان انسداد أفق تكوين حكومة جديدة بعد انصراف حزب الاستقلال، اعتبره هؤلاء المناصرون أسهل الحلول التي كان من الممكن أن تكون لها عواقب وخيمة، سواء من ناحية الدولة أو الحزب. تحميل الحزب أكثر من طاقته، ورفض أكل الثوم نيابة عن الآخرين، اعتبر هو الآخر قراءة سليمة للواقع والظروف السياسيين في المغرب ، وحسن تخلص وجيه للمؤثرات المحيطة بصانع القرار داخل حزب العدالة والتنمية. حزب العدالة والتنمية بناء على هذا، استحضر مصلحة الوطن أولا، ومن خلاله أصبحت مصلحة الحزب مضمونة بالمنطق السياسي الذي يحكم اللعبة السياسية في المغرب. أما الأصوات المعارضة من داخل الحزب والتي تنتقد أداءه السياسي في إدارة المفاوضات سواء مع السلطة أو مع حزب الأحرار، حينئذ، فهي علامة حياة وقوة داخل الحزب، هذه الآراء تعطي للحزب قيمته التنظيمية المثلى وتخرجه من ثقافة القطيع التي تميز الكثير من الأحزاب المغربية الأخرى. استقراء التجارب المحيطة، والاستفادة من دروس التاريخ القريب، خاصة فيما يتعلق بالنموذج المصري والتونسي، دفعت الحزب إلى التفكير بمنطق جماعي عوض التفكير بمنطق فردي، عملا بالمثل المغربي الأثير( اللي كيحسب بوحدو كيشيط ليه). نفس المنطق استحضره سعد الدين العثماني عندما كلّف بتكوين الحكومة، وعندما اعتقد مع الكثيرين من أنصار حزب العدالة والتنمية أن الظروف والمعطيات السياسية المتحركة والمتغيرة سواء في المغرب أو في العالم، تستدعي تدوير القراءة السياسية للواقع من طرف الحزب. أما الذين يرون في هذه القراءة تنازلات كبيرة وخطيرة فهم يتحدثون من خارج منظومة اتخاذ القرار التي تتحكم فيها إكراهات موضوعية عديدة. فقه الأولويات الذي يتخذه حزب العدالة والتنمية منهجا سياسيا، كان محددا رئيسيا في هذه الحالة، وبالتالي يجب تفسير التنازلات من خلال ماهو ممكن وكائن وليس من خلال ما يجب أن يكون. ولكن، هل منطق الربح هذا، وبعيدا عن منطق الخسارة، يمكن أن يكون مقنعا للرأي الآخر الذي يعتقد أنه كان من الممكن أن يكون أفضل مما كان؟ ألا يمكن اعتبار كمّ التنازلات مؤشرا على ضعف أو تراجع أو انهزام؟ أليس صحيحا أن حزب العدالة والتنمية، بهذا الإخراج الباهت للحكومة، يعيد اللعبة السياسية في المغرب إلى نقطة الصفر، بعد أن أعطت الدولة لهذه اللعبة زخما معنويا كبيرا يتجلى في الدستور الجديد و في القبول ببناء حكومة فيها الكثير من الاستقلالية السياسية التي طالب بها المغاربة؟ هل يمكن أن تكون مثل هذه الاختيارات، عاملا إضافيا في تآكل شعبية حزب العدالة والتنمية، ومسا بمصداقيته المرتبطة بالمفهوم الأخلاقي المبدئي في ممارسة السياسة، وليس المفهوم البراغماتي؟ أليس من الممكن أن تكون هذه الممارسات البراغماتية في التعاطي السياسي مقدمة لجعل حزب العدالة والتنمية كسائر الأحزاب الأخرى، وبالتالي سيفقد، حالا أو مآلا، تلك الخصوصية التي تجعله في عيون كثير من المغاربة، حزبا مختلفا ومتميزا؟ الكثير من المآخذات والانتقادات العديدة يمكن أن تكون صالحة في هذا المجال، ولكن، في نفس الوقت، الكثير من التبريرات الموضوعية التي يقدمها حزب العدالة والتنمية، يمكن أن تكون هي الأخرى منسجمة مع طرحها، ولها وجاهتها كاجتهاد سياسي له أجر واحد على الأقل عِوَض الأجرين معا. الجميع يعرف أن التجارب السياسية في المغرب، تؤكد أن منطق الربح والخسارة يجب ألا يخرج عن نطاق حسابات الدولة المغربية أولا، حزب العدالة والتنمية يمشي في هذا الاتجاه، ولكن ربما باندفاع كبير يجعله يقدم نفسه كنسخة نمطية للأحزاب الأخرى، أو نسخة حزبية منقحة تريد أن تعمل على تصريف الأعمال في أحسن الأحوال. هل ستكمل حكومة سعد الدين العثماني مدتها القانونية في تدبير الحكم؟ هل ينتهي حزب العدالة والتنمية، بعد خمس سنوات أخرى في الحكم، كما انتهى حزب الاتحاد الاشتراكي ذات حكومة، منهوكا من جراء التسيير الحكومي، معزولا من جراء اتساع دائرة الرافضين لمشروعه الأسلامي، منبوذا من جراء تراكمات نتائج سياسات الأمر الواقع؟ كيفما كان الحال، وبدون استباق للنتائج المأمولة لحكومة سعد الدين العثماني، وأمام الكثير من المؤشرات، سواء المرتبطة بالتحليل أو بالتفسير أو بالاستقراء، يظهر أن الحكومة العتيدة التي انتظرها المغاربة بدأت لهم في أول ظهور لها مترنحة. الكثير من المغاربة ينتظرون سقوط حكومة سعد الدين العثماني مع أول عثرة أو امتحان لسبب بسيط، ( لقد خرجت حكومته من الخيمة مائلة).