منتج سينمائي و فاعل جمعوي بمجرد الإعلان عن أولى النتائج التشريعية، فوجئ حزب العدالة والتنمية بسحقه لأغلب المقاعد داخل البرلمان حيث أن تنبآته لم تتوقع عدد 107 مقعد ، لقد توقع ، حقيقة، المرتبة الأولى بفارق قليل على ثانيه الذي لم يكن ينتظره أنه سيكون حزب الاستقلال وذلك استجابة للقاعدة التي تقر أن الحزب الحاكم عندما يقيم عطاؤه بالمتواضع جدا يأتي في المراتب المتواضعة. يبدو لي أن عاملين ساعدا حزب العدالة والتنمية في تحقيق هذه النتيجة المعبرة. أولا استياء الناخبين من أداء الحكومات المنصرمة حيث أن عدد لا ياستهان به من الناخبين رجح الكفة لحزب العدالة والتنمية "انتقاما" من الحكومة المنصرمة. ثانيا، وإن كانت نسبة المشاركة محمودة، 45,40 في المائة، فإن غالب العازفين عن التصويت غير راضين على حصيلة الحكومات السابقة وبالتالي فقدوا الثقة في الأحزاب التي ألفوها والتي لم تستطع استدراج المزيد من الناخبين، زد عل ذالك ضعف الجانب التواصلي لديها. أما أنصار الحزب، أي حزب العدالة والتنمية، فبقوا أوفياء له وأدلوا بأصواتهم بطريقة بديهية. وفي نظري أن هاتين الظاهرتين أتيتا لتعويض مقاطعة مشاركة العدل والإحسان في انتخابات 25 نوفمبر2011 وأوصلت الحزب إلى المرتبة الأولى بعدد متميز 107 مقعد من بين 395 داخل قبة البرلمان. إن وعود العدالة والتنمية خلال حملتها الانتخابية، يشكل بوضوح ما كان عجزا الحكومة السابقة المشكلة خصوصا من أحزاب الكتلة. فما هي إذا التحالفات الممكنة وما مدا انسجامها ؟ قبل التطرق لهذه النقطة، نلاحظ أن السيد عبد الإله بنكيران، الذي عوض سعد الدين العثماني في برلمان الحزب بمناسبة مؤتمره السادس، منكب الآن على التفكير في كيفية قيادة الحكومة. حقيقة، وإن كانت قيادة الحزب تلح على ضرورة تنصيب بنكيران رئيسا للحكومة، لكن ذلك يتوقف على جلالة الملك وديوانه، فللملك الصلاحية بحكم الدستور في تعيين من يراه ملائما لرئاسة حكومته من الحزب الذي حصل على الأغلبية دون تقييد سلطته باختيار أمينه العام. لذلك تبقى فرضية تنصيب سعد الدين العثماني وافرة ليصبح رئيسا للحكومة. شخصية الرجل وخصاله تجعله رجل التوافقات والقادر على قيادة الحكومة التي لا مناص ستكون ائتلافية. سعد الدين العثماني، من مواليد تيزنيت عام 1960، حاصل على شهادة الدكتوراه في الطب النفسي وكذلك على شهادة في العلوم الإسلامية متزوج وأب لثلاثة أبناء من دعاة الوسطية والاعتدال والبرغماتية داخل حزب العدالة والتنمية. عبد الإله بنكيران من مواليد 1954 بالرباط أستاذ لمادة الفيزياء، بالمدرسة العليا للأساتذة بعد حصوله على شهادة الإجازة في الفيزياء من كلية العلوم بالرباط ، التحق بالشبيبة الإسلامية في أواسط السبعينيات قبل أن يعتقل في بداية الثمانينيات بتهمة الانتماء إلى جماعة محظورة غير أن تجربة السجن كانت محفزا له لمراجعة التوجهات التي تتبناها الشبيبة الإسلامية بقيادة عبد الكريم مطيع. أسس بنكيران بمعية العثماني ويتيم وآخرين جمعية الجماعة الإسلامية التي تحولت إلى حركة الإصلاح والتجديد قبل أن تصبح حركة التوحيد والإصلاح ودخل قبة البرلمان منذ 1997 ليصبح ثانيا مداوما في ثلاث ولايات تشريعية. يجمع سعد الدين العثماني بين صورة الإسلامي المعتدل والسياسي البراغماتي، وفي ذلك يسير على خطى نظيره التركي أردوغان زعيم حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا. فهو كثيرا ما يشدد في حوارته وتصريحاته السياسية على أن حزبه يحاول المزاوجة بين الإسلام والحداثة ، غير أن هذا البحث المستمر عن الملائمة بين السياسة والدين يجعله عرضة لانتقادات خصومه حتى داخل حزبه خاصة من المنتمين للجناح الدعوي للحزب. تخلى سعد العثماني في نهاية السبعينيات عن أفكاره المتشددة قبل أن يشارك في سنة 1996 في تأسيس حزب العدالة والتنمية الذي أصبح أمينا عاما له في عام 2004. يدعو العثماني لمحاربة الفساد دون المس بالحريات الفردية، ويؤكد على أن حزبه يحترم الديمقراطية وأنه من دعاة ظهور إسلام معتدل ، محايد ووسطي. وحسب المتتبعين لحزب العدالة والتنمية ، يرون أن عبد الإله بنكيران الذي خلف سعد الدين العثماني على رأس الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية تمكن من ترتيب التفكير في أولويات الحزب السياسية، وكيف يستفيد من هامش المناورة من داخل البرلمان، لكن حركة 20 فبراير مهدت له الطريق ليصبح حزبا حكوميا، وهو الذي ظل حريصا على إيصال رسالة أن حزبه وطني ملكي يحرص على مصلحة الوطن وإمارة المؤمنين. يرى أيضا المتتبعون للقياديين أن كلاهما منبهرين بانجازات حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، ومن خلال الحزب التركي سوقا صورة حديثة لحزبهما بالداخل والخارج رغم خرجات بنكيران وفلتات لسانه، لذلك مهما كان رئيس الحكومة المقبل سواءا بنكيران أو العثماني فإن نمودج أردوغان التركي هو المثل الذي من خلاله سيسعى كل منهما تحقيق ما وعدوا به الناخبين في برامج الحزب أثناء الانتخاب والذي هو رهان صعب يتطلب كل التشجيع. فالمزيد من التوفيق والنجاح لكل الإرادات التي تصبو بالنهوض والتقدم بالبلاد تحت الرعاية السامية للملك محمد السادس.