يعدد الكثير من مناصري حزب العدالة والتنمية أرباحهم السياسية ويثمنون الأداء السياسي الجيد للحزب من خلال أمينه العام (عبد الإله بنكيران)،معتبرين المقاومة الكبيرة التي عبر عنها الحزب، سواء قي مواجهة الأحزاب السياسية المعارضة، أو في مواجهة القصف المنظم لسائر الفاعلين السياسيين والاقتصاديين الرافضين له، انتصارا سياسيا كبيرا، وقدرة تنظيمية هائلة مكنت الحزب من الخروج بأقل الأضرار الممكنة في معركة سياسية اختلط فيها الوضع الداخلي للحزب بالوضع السياسي والاقتصادي للوطن، وبالمتغيرات العديددة التي طرأت على الوطن العربي والعالم بشكل عام. الربح الأول: اعتبر أنصار العدالة والتنمية، إنجازا كبيرا، قدرة حزب العدالة والتنمية على الخروج بأقل الخسائر الممكنة في مواجهة التحولات الجيوستراتيجية التي تعرفها المنطقة، وفي امتصاص التبعات السلبية للربيع العربي بمآلاته الوطنية و العربية. حفاظ حزب العدالة والتنمية على رئاسة الحكومة اعتبر انتصارا للتيار الإسلامي أمام حملات التشويه و الإقصاء التي مارستها في حقه العديد من الجهات، حزبية كانت أم حركية أم اقتصادية. كما أن المحافظة على رئاسة الحكومة، كمكسب سياسي له الكثير من الأهمية، فسره الكثير من أنصار حزب العدالة والتنمية على أنه حنكة سياسية، وبعد نظر استراتيجي حطم أفق انتظار الكثير من المتابعين للشأن السياسي المغربي الذين كانو يعتقدون أن نهاية تجربة الإسلاميين في الحكم لم تنتج سوى الخراب، وبالتالي سقوط النموذج المصري بذلك الشكل المدوي، كان لزاما أن يتبعه سقوط للنموذج المغربي، وإن كان بسيناريوهات مختلفة تنسجم مع خصوصيات الدولة المغربية. المحافظة على رئاسة الحكومة إذاً، اعتبر نقطة الربح المركزية في حساب الربح والخسارة في التقييم الداخلي لحزب العدالة والتنمية للحكومة في نسختها الثانية. الربح الثاني: اعتبر الكثيرون من أنصار حزب العدالة والتنمية أن المفاوضات مع الأحرار، هو نتيجة حتمية للإكراهات السياسية التي واجهت الحزب بعد خروج حزب الاستقلال من الحكومة، كما اعتبروا أن منطق المقارنة بين اللاعبين الحزبيين في الساحة السياسية كان يقتضي الأخذ بعين الاعتبار نفطتين أساسيتين، الأولى عدد المقاعد التي يتوفر عليها الحزب المختار للتفاوض، النقطة الثانية رصيده السياسي في التدبير والتسيير الحكومي في تجارب سياسية سابقة، هذا المنهج جعل حزب الأحرار هو الأقرب إلى المشاركة في الحكومة انسجاما مع النقطتين السالفتي الذكر. أما الاختلاف السياسي بين الحزبين والمراشقات السياسية بينهما، مهما وصل مستوى التراشق، فهذا يدخل ضمن اللعبة السياسية، وأحد تمظهرات التدافع السياسي المعمول به في كل التجارب السياسية. البراغماتية السياسية، في هذا المجال، منطق سياسي معمول به في كل التجارب السياسية، أضف إليه انتماء كلا الحزبين لليمين السياسي تنظيميا، رغم اختلافهما في المرجعية الفكرية. كل هذا قرب من إمكانيات إعادة بناء الثقة بين الحزبين رغم طول أمد المفاوضات بينهما، مادامت النتيجة كانت لمصلحة الطرفين، بعيدا عن منطق من ربح أو خسر أكثر . الربح الثالث: اعتبر الكثير من أنصار حزب العدالة والتنمية التحالف مع حزب الأحرار أهون الضررين، إذا ما قورن حزب الأحرار بحزب الاستقلال بزعامة أمينه الجديد ( حميد شباط ). مواجهة ابتزاز حزب الاستقلال، أو بالأحرى (حميد شباط)، كان اختيارا أخلاقيا موفقا من طرف عبد الإله بنكيران، بعد استنفاذ كل أساليب الإقناع والاحتضان، وبعد تحمل كبير لنزقية التصريحات الغير بريئة للكثير من الزعماء الاستقلاليين الجدد. تعنث (حميد شباط) والرفع من سقف مطالبه الحكومية بموازات مع رفع وتيرة انتقاداته للحكومة التي يعد مكونا رئيسيا لها، اعتبره حزب العدالة والتنمية ( أكل للغلة وسب للملة) فكان لابد من مواجهة الابتزاز بالعناد والتعنث الذي يتقنه عبد الإله بنكيران، لذلك اعتبر نجاح المفاوضات مع حزب الأحرار، رغم تنازلات حزب العدالة والتنمية، تقزيما لحزب الاستقلال ومن خلاله (حميد شباط). لهذا اعتبر بعض أنصار حزب العدالة والتنمية عدم التنازل لحزب الاستقلال، انتصارا معنويا كبيرا يستحق التضحية، حزب الاستقلال الذي دخل من الباب الكبير إبان حكومة العدالة والتنمية الأولى، رمى به (عبد الإله بنكيران) من النافذة في حكومته الثانية بجرأة كبيرة وبلعب سياسي من النوع الرفيع. الربح الرابع: الحفاظ على المصلحة العليا للوطن، فما رآه العديد من المراقبين على أنه تنازلات، اعتبره الكثير من أنصار حزب العدالة والتنمية على أنه قراءة رشيدة، متأنية وعميقة لما فيه مصلحة الوطن، الاستقرار السياسي للمغرب كان هو الموجه الأساسي لحزب العدالة و التنمية، في وقت تعرف فيه المنطقة قلاقل سياسية خطيرة، أضف إلى ذلك عدم قدرة الدولة على تحمل فاتورة إنتخابات سياسية سابقة لأوانها، كما أن رفع سقف المطالب السياسية في المفاوضات، سواء مع الدولة أو مع حزب الأحرار، كان من الممكن أن يدخل المغرب في دوامة أزمة سياسية مختلفة جذريا عن أزمة تأخر إنجاز الحكومة. وتبعا لذلك اتساع دائرة المخاطر، تبعه، ضرورة، التفكير في تضييق إمكانيات المخاطرة بإعطاء الأزمة الحكومية بعدا آخر، ربما يأخذ منعطفا آخر يشمل الحكم في المغرب بدل الحكومة. الكثير من أنصار العدالة والتنمية اعتبروا هذا نكرانا للذات الحزبية في مقابل المصلحة العليا للوطن، عملا بفقه الأولويات الذي يعتبر أن مصلحة الحزب من مصلحة الوطن. الربح الخامس: فسر الكثير من أنصار حزب العدالة والتنمية المرونة السياسية التي أبان عنها الحزب في تعامله مع الدولة على أنها حسن تصرف سياسي وتقدير للأمور حق قدرها، قلب الطاولة و الخروج من الحكومة اعتبره هؤلاء المناصرون أسهل الحلول التي كان من الممكن أن تكون لها عواقب وخيمة، سواء من ناحية الدولة أو الحزب، تحميل الحزب أكثر من طاقته، ورفض أكل الثوم نيابة عن الآخرين، اعتبر هو الآخر قراءة سليمة للواقع والظروف السياسيين في المغرب ، وحسن تخلص وجيه للمؤثرات المحيطة بصانع القرار داخل حزب العدالة والتنمية. حزب العدالة والتنمية بناء على هذا، استحضر مصلحة الوطن أولا ومن خلاله أصبحت مصلحة الحزب مضمونة بالمنطق السياسي الذي يحكم اللعبة السياسية في المغرب. أما الأصوات المعارضة من داخل الحزب والتي تنتقد أداءه السياسي في المفاوضات، فهي علامة حياة وقوة داخل الحزب، هذه الآراء تعطي للحزب قيمته التنظيمية المثلى وتخرجه من ثقافة القطيع التي تميز الكثير من الأحزاب المغربية الأخرى. استقراء التجارب المحيطة، والاستفادة من دروس التاريخ القريب، خاصة فيما يتعلق بالنموذج المصري، دفعت الحزب إلى التفكير بمنطق جماعي عوض التفكير بمنطق فردي، عملا بالمثل المغربي الأثير( اللي كيحسب بوحدو كيشيط ليه). بمنطق الربح والخسارة، يعتقد الكثيرون من أنصار حزب العدالة والتنمية، أن الظروف والمعطيات السياسية المتحركة والمتغيرة سواء في المغرب أو في العالم، استدعت تدوير القراءة السياسية للواقع من طرف الحزب، وأن الذين يروا في هذه القراءة تنازلات كبيرة وخطيرة يتحدثون من خارج منظومة اتخاذ القرار التي تتحكم فيها إكراهات موضوعية عديدة. فقه الأولويات الذي ينتهجه حزب العدالة والتنمية منهجا سياسيا، كان محددا رئيسيا في هذه الحالة، وبالتالي يجب تفسير التنازلات من خلال ماهو ممكن وكائن وليس من خلال ما يجب أن يكون. ولكن، هل منطق الربح هذا، وبعيدا عن منطق الخسارة، يمكن أن يكون مقنعا للرأي الآخر الذي يعتقد أنه كان من الممكن أن يكون أفضل مما كان؟ ألا يمكن اعتبار كمّ التنازلات مؤشرا على ضعف أو تراجع أو انهزام؟ أليس صحيحا أن حزب العدالة والتنمية، بهذا الإخراج للحكومة، يعيد اللعبة السياسية في المغرب إلى نقطة الصفر، بعد أن أعطت الدولة لهذه اللعبة زخما معنويا كبيرا يتجلى في الدستور الجديد و في القبول ببناء حكومة فيها الكثير من المكاسب السياسية التي طالب بها المغاربة؟ ألا يعتبر التفريط في الكثير من الوزارات الحيوية، لفائدة التكنوقراط، تراجعا أو ردة سياسية يمكن أن تحد من المكاسب السياسية التي استفاد منها اللعب السياسي المغربي؟ هل يمكن أن تكون مثل هذه الاختيارات، عاملا إضافيا في تآكل شعبية حزب العدالة والتنمية، ومسا بمصداقيته المرتبطة بالمفهوم الأخلاقي المبدئي في ممارسة السياسة، وليس المفهوم البراغماتي؟ أليس من الممكن أن تكون هذه الممارسات البراغماتية في التعاطي السياسي مقدمة لجعل حزب العدالة والتنمية كسائر الأحزاب الأخرى، وبالتالي افتقاده لتلك الخصوصية التي تجعله في عيون كثير من المغاربة، حزبا مختلفا ومتميزا؟ هل هامش المناورة الضيق الذي تحرك فيه حزب العدالة والتنمية، يمكن أن يكون مبررا موضوعيا للقبول ب39 وزيرا في مرحلة أزمة اقتصادية خانقة؟ هل تسليم 6 مزارات وازنة دفعة واحدة للتكنوقراط، يحتمل قراءة أخرى مختلفة عن تلك التي يسوقها الحزب؟ هل التبرير المقدم من طرف الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، فيما يتعلق بالتضحية بوزير الخارجية ( سعد الدين العثماني ) يمكن أن يكون مقنعا للكثيرين من أنصار حزب العدالة والتنمية، فضلا عن الكثيرين من المغاربة، لما يمثله الرجل من ثقل معرفي وأخلاقي كبير؟ الكثير من المآخذات والانتقادات التقنية العديدة يمكن أن تكون صالحة في هذا المجال، ولكن، كذلك الكثير من التبريرات الوضوعية التي يقدمها حزب العدالة والتنمية، يمكن أن تكون هي الأخرى منسجمة مع طرحها، ولها وجاهتها كاجتهاد سياسي له أجر واحد على الأقل. التجارب السياسية في المغرب، تؤكد أن منطق الربح والخسارة يجب ألا يخرج عن نطاق حسابات الدولة المغربية أولا، حزب العدالة والتنمية يمشي في هذا الاتجاه، ولكن ربما باندفاع كبير تجعله يقدم نفسه كنسخة نمطية للأحزاب الأخرى، يصرف الأعمال في أحسن الأحوال.