لم يتمالك عبد الإله بنكيران نفسه بمجرد الإعلان عن أولى النتائج التشريعية. انتشى رفقة إخوانه في الحزب بنصر غير منتظر... لكن أعين الرجل كلها منصبة الآن على قيادة الحكومة بعد أن عوض سعد الدين العثماني في برلمان الحزب بمناسبة مؤتمره السادس. مهوس بمنصب وزير منذ الإنتخابات السابقة، ولذلك لم يتوانى حينها بالقول أنه مستعد للمشاركة في تحالف حكومي، ووصف عدم مشاركة المصباح في الحكومة آنذاك بالخطأ. وإن خاب أمله في الإستوزار بعد تشريعيات سنة 2002 فإن ضمن مقعدا له داخل الحكومة التي سيعين الملك رئيسا لها بحكم صلاحياته الدستور من الحزب الذي سيفوز بالصناديق.
عبد الإله بنكيران الذي خلف سعد الدين العثماني على رأس الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية عرف كيف يعيد التفكير في أولويات الحزب السياسية، وكيف يستفيد من هامش المناورة الذي يجعله يتحرك داخل البرلمان، لكن حركة 20 فبراير مهدت له الطريق ليصبح حزبا حكوميا.، وهو الذي ظل حريصا على إيصال رسائل لأن حزبه مغربي وطني ملكي يحرص على مصلحة الوطن وإمارة المؤمنين.
عبد الإله بنكيران من مواليد 1954 بالرباط اشتغل بتدريس مادة الفيزياء، بالمدرسة العليا للأساتذة بعد حصوله على شهادة في الفيزياء من كلية العلوم بالرباط.، والتحق بالشبيبة الإسلامية في أواسط السبعينيات قبل أن يعتقل في بداية الثمانينيات بتهمة الإنتماء إلى جماعة محظورة غير أن تجربة السجن كانت محفزا له لمراجعة التوجهات التي تتبناها الشبيبة الإسلامية بقيادة عبد الكريم مطيع.
أسس بنكيران بمعية العثماني ويتيم واخرين جمعية الجماعة الإسلامية التي تحولت إلى حركة الإصلاح والتجديد قبل أن تصبح حركة التوحيد والإصلاح ودخل قبة البرلمان منذ 1997 ليصبح ثانيا مداوما في ثلاث ولايات تشريعية. وإن كانت قيادات الحزب قد ألحت على ضرورة تنصيب بنكيران رئيسا للحكومة، لكن ذلك يتوقف على الملك وديوانه، فللملك الصلاحية بحكم الدستور في تعيين من يراه أهلا لرئاسة حكومته من الحزب الأغلبي دون تقييد سلطته باختيار أمينه العام. لذلك تبقى الحظوظ وافرة لسعد الدين العثماني ليصبح رئيسا للحكومة. شخصية الرجل وخصاله تجعله رجل التوافقات والقادر على قيادة سفينة الحكومة التي لا مناص ستكون ائتلافية سعد الدين العثماني، 52 سنة، من مواليد تيزنيت، حاصل على شهادة الدكتوراه في الطب النفسي وكذلك على شهادة في العلوم الإسلامية متزوج وأب لثلاثة أبناء من دعاة الوسطية والاعتدال والبرغماتية داخل حزب العدالة والتنمية، وبهاته الصفة يقود حرب مواقع مع تيار متشدد، وهو يلقى دعم ومساندة الطبقة الوسطى داخل الحزب وحاول منذ عدة سنوات مسح صورة سلبية عن «الملتحين».
يجمع سعد الدين العثماني بين صورة الإسلامي المعتدل والسياسي البراغماتي، وفي ذلك يسير على خطى نظيره التركي أردوغان زعيم حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا. فهو كثيرا ما يشدد في حوارته وتصريحاته السياسية على أن حزبه يحاول المزاوجة بين الإسلام والحداثة ، يأتي الحديث عن الإسلام في الدرجة الثانية، غير أن هذا البحث المستمر عن الملاءمة بين السياسة والدين يجعله عرضة لانتقادات خصومه حتى داخل حزبه خاصة من المنتمين للجناح الدعوي للحزب.
تخلى سعد العثماني في نهاية السبعينيات عن أفكاره المتشددة قبل أن يشارك في سنة 1996 في تأسيس حزب العدالة والتنمية الذي أصبح أمينا عاما له في 2004. هو يدعو لمحاربة الفساد دون المس بالحريات الفردية، وهو لا يريد إجبار النساء على استعمال الحجاب لأنه أصبح مقتنعا بأن المغاربة لا يصوتون على الحزب من أجل تحقيق ذلك، ولذلك يؤكد غير ما مرة أن حزبه يحترم الديمقراطية وأنه من دعاة ظهور إسلام معتدل ، محايد ووسطي.
كلا القياديين منبهرين بانجازات حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، ومن خلال الحزب التركي سوقا صورة حديثة لحزبهما بالداخل والخارج رغم خرجات بنكيران وفلتات لسانه، لذلك مهما كان رئيس الحكومة المقبل سواءا بنكيران أو العثماني فإن نمودج أردوغان التركي هو المثل الأعلى ومن خلاله سيسعى كل منهما تحقيق ما وعدوا به الناخبين في برامج الحزب الإنتخابي.