تشكلت حكومة بالمغرب في ال5 من أبريل 2017، ونسميها بادئ الأمر باليوم الذي ولدت فيه لكي لا تسمى كما يروج لدى وسائل الإعلام المخزنية "حكومة سعد الدين العثماني"؛ لأنها لم تتكون من الحزب الذي يمثله العثماني، لأن أتباع حزبه لا يتجاوز عددهم 11 من 39 مجموع من يسميهم الناس حكومة، أي أنه لا يرأس عمليا سوى أقل من ثلث أعضاء هذه الحكومة (الثلث هو 13). وإذا كان العثماني بهذه الأقلية لا يرأس سياسيا ما مجموعه 28 عضوا، فلا يعقل أيضا أن تسمى "حكومةPJD " ولا حكومة إسلامية، ويفرض ذلك أن نبحث لها عن اسم يلائمها، ونعرف ما هو تكوينها الحقيقي؟ ومن هنا، ينبغي التحفظ في استعمال اسم الحكومة ليبقى مرتبطا فقط بتاريخ ولادتها، ويثار سؤال حول ماذا يعني تخطيط سياسي مخزني وضع رئيس الحكومة مع أقلية بهذه النسبة البسيطة بعد تجميد طويل لتكوين الحكومة. لا شك في أن تأخير تشكيل هذه الحكومة لمدة ستة شهور، من 7 أكتوبر 2016 إلى 5 أبريل 2017، كان القصد منه هو تأخير ولادة الحكومة لكي لا ترتبط بنتائج الانتخابات البرلمانية، أي ما كان يظنه من اهتموا كثيرا بالانتخابات البرلمانية، وصرفوا عليها الأموال، وشاركوا فيها بحماس كبير، وبغباوة أحيانا ليستفيدوا من الأغلبية الانتخابية في تشكيل الحكومة، فكانت ظنونهم خاطئة. ولا يصلح أيضا تسميتها بحكومة "ائتلافية " بين الأحزاب الستة الذين تروج الدعايات بأنها تتكون منهم؛ لأن إدماج بعض من ينتمون إلى الأحزاب خضعوا لتأثيرات الانتماءات التي تتقارب مع بعض مستشاري الملك مثلا لإصرار على تعيين الحبيب المالكي كرئيس للبرلمان، قبل تشكيل الحكومة، ومشاركة الاتحاد الاشتراكي بصفة إلزامية تحت إصرار من كانت انتماءاتهم الحزبية معروفة قبل تعيينهم كمستشارين للملك مثل عبد اللطيف المنوني... وهكذا يثار سؤال آخر: ماذا يمثل هؤلاء الأعضاء جميعا؟ لا شك في أن دراسة أفراد الحكومة كأفراد باعتبار مسقط رأسهم، وانتمائهم العائلي، وعلاقتهم بمستشاري الملك، يظهر تأثير تمثيلية بعض مستشاري الملك على توزيع المقاعد الحكومية بينهم، وتأثير الجهات التاريخية المغربية، وكذلك تأثير بعض رؤساء الأمنيين، فكان حظ منطقة "جبالة" بارزا بالمنتمين إلى طنجة والقصر الكبير وتطوان، وتاونات، ووزان... وهي كمثال منطقة المستشار عمر عزيمان.. وكان حظ "العروبية"، بالمعنى المعروف في الدارجة المغربية، بارزا بالمقياس نفسه إلى منطقة الغرب وبن أحمد وعرباوة وأبي الجعد وأولاد سي بويحيى وبزو. كما كان الانتماء إلى بعض مناطق سوس بارزا أيضا بأسماء تنتمي إلى تافراوت وأيت باعمران وتكنة وإنزكان ودمنات وتارودانت، ومواليد الدارالبيضاء الذين هاجر آباؤهم إليها... ولا نحتاج إلى ذكر الأسماء لأنها معروفة بمراجعة ترجمة كل مستشار للملك وانتمائه الجهوي، وسوابقه الحزبية، وترجمة كل عضو أو عضوة في هذه الحكومة.. كما كان وجود الريفيين بارزا أيضا بالانتماء إلى مناطق الحسيمة وتافرسيت وتاركيست.. ويلاحظ هنا أن جمع وزارة العدل ووزارة الداخلية بيد وزيرين من قبائل اكزناية الريفية، والتابعة سابقا للحماية الفرنسية (تازة)، له علاقة بالحراك المشتعل بالريف بعد طحن محسن فكري، ليقودا إن اقتضى الحال استعمال القوة والسجون لفض الحراك، استعدادا لعواقب المستقبل.. وبالمنهجية نفسه يمكن ملاحظة عدم وجود أيّ عضو أو عضوة في هذه الحكومة مزداد بمدن كانت من قبل غالبة في المناصب الحكومية، مثل فاس ومكناس ومراكش وعائلة الفاسي الفهري، والعلويين من الأسرة الحاكمة، ولم يلاحظ سوى اسمين من العلميين المحسوبين أصلا على منطقة جبالة.. كما أن تافيلالت والأطلس المتوسط وأسفي والرباط ووجدة وكثير من المناطق تكاد تكون منعدمة في لائحة الأعضاء، سوى بعضو واحد على الأكثر.. كان الانتماء الجهوي والعائلي مقياسا موضوعيا يمكن تفصيله بكثير من الدقة، ويمثل تطورا مهما في تاريخ المخزن المغربي الذي أصبح يؤثر عليه المنحدرون من الجهات البعيدة عن المدن الكبرى، وندرجهم هنا كعنصر مؤثر على تشكيل الحكومة، وتفسير الحملة المخزنية الرامية إلى تفكيك حزب الاستقلال، الذي اشتهر في تاريخها التقليدي بتمثيل مقاعد فاس في الحكم منذ سنة 1912.. ولا ينفي ذلك عنصرا ثانيا بارزا في الأعضاء والعضوات وهو تمثيلية الشركات الكبرى المرتبطة بالمصالح المالية والتجارية للرأسمالية المخزنية، ويظهر في تعيين بعض الوجوه المعروفة مثل عزيز أخنوش ومحمد ساجد.. وقد سبقت، في مقالات سابقة، الإشارة إلى الحكومات التي شكلت بعد 20 فبراير 2011 إلى تركيب هذه الحكومات من عنصرين أساسيين: الأول هو المناهضون لحركة 20 فبراير 2011 من الأحزاب، ومنهم "البيجيدي" وحلفاؤه؛ والثاني هو ولاة وزارة الداخلية الذي سحقوا بالعنف تلك الحركة مثل بوسعيد وحصاد والفتيت وبوطيب.. وهؤلاء الولاة والعمال احتفظوا بترقيات من وظائف الولاة والعمال إلى مرتبة الوزراء، وأصبحوا يشكلون قوة سياسية يدين لها المخزن بإنقاذه من الثورات التي وقعت سنة 2011 في تونس وليبيا ومصر.. وهكذا، أصبحوا يقسمون المقاعد الحكومية مع الأطراف الأخرى، كالأمنيين والأثرياء والأحزاب السياسية واللوبيات العائلية..