لا يمكن فهم ما ماجرى في تشكيل حكومة 10اكتوبر 2013 بدون الرجوع إلى الواقع التاريخي العميق والموضوعي لحزب التجمع الوطني للأحرار، أسباب نزوله، والهدف السياسي من بقائه، وأخيرا الدور الذي يلعبه داخل الخريطة السياسية والمالية الحالية بالمغرب... ونبدأ دراسة موضوع هذا الحزب من إشكالية اسمه، الذي يتضمن خطأ متعمدا يرتكز على عدم مطابقة اسمه بالفرنسية مع كلمة "الأحرار" التي تعني في الحزب المغربيLES INDEPENDANTS أي الذين ليس لهم انتماء حزبي ولا ايديولوجي.. كانت في بداية تأسيس هذا الحزب كلمة "الأحرار" تعني غير المتحزبين، أي غير المنتمين للأحزاب المغربية الموجودة الى حدود سنة1978 ولا تعني الأحرار المشتقة من الحرية، وتعرف هذه الكلمة بالفرنسية عند تأسيس الحزب باختصارSAP التي تعني من ليست لهم هوية سياسيةLES SANS APPARTENANCE POLITIQUE ويعبر عنها عند الترشيح في الانتخابات المغربية التي جرت سنة1977 بالمحايدينLES NEUTRES وقد أسسه المخزن من المحايدين الذين استولوا على المقاعد البرلمانية والمحلية والغرف التجارية والصناعية، في أوج ازدهار علاقة أحمد عصمان بالقصر الملكي بسبب زواجه من احدى أخوات الحسن الثاني وهي الأميرة نزهة و لكونه من ضمن زملائه في الدراسة بالمعهد المولوي، وبكونه ينتمي الى المجموعة الجهوية لمسؤولي المخابرات السياسية المعروفة ب1CAB مثل العشعاشي وصاكة والطيب هابي...والجينيرال اوفقير الذين كان غالبهم منحدرين من منطقة وجدة وبني ايزناسن، وهو ابن لعسكري جزائري في الجيش الفرنسي استقدمته فرنسا الى وجدة...مثل فعلها مع جزائريين آخرين كالدكتور الخطيب وعبد الوهاب بن منصور والفقيه معمري، والمقري... وتأسس هذا الحزب سنة1978 بعد تأسيس التجمع من أجل الجمهورية RPR بفرنسا سنة1976 وكأنه يريد أن يكون هو التجمع من أجل المخزن، وفي جو ظهور حرب الصحراء ابتداء من سنة1975، وصراعات المخزن مع المعارضة الشعبية المغربية، التي أنتجت أحداثا خالدة في التاريخ شملت كل المدن والقرى والقبائل، مثل ثورة الريف الثانية سنة1959، وثورة عدي اوبيهي في تافيلالت، وثورة البشير في بني ملال، ومظاهرات 1965 بالدارالبيضاء وثورة فكيكFIGUIG،وثورة مولاي بوعزة سنة1973.. وثورة ايمي نتانوت، وتصاعد قوة الاتحاد الوطني لطلبة المغرب الذي كان يعبر عن سياسة الطلبة والتلاميذ والشباب الثوري، وبعد المحاولتين الانقلابيتين لسنتي 1971-1972 واستفحال شن الإضرابات، وتراكم نتائج انقسام حزب الاستقلال سنة 1959 الى مجموعات متعددة الاتجاهات يصعب التحكم فيها من طرف القصر واليمين الفرنسي بسبب استمرار الثورة الجزائرية ضد فرنسا ووجود جيوب لها بمنطقة الريف، ووجود مجال واسع بالصحراء الجنوبية والشرقية لاستمرار قواعد وخلايا جيش التحرير بقيادة الكولونيل بنحمو المسفيوي وآخرين..وتأثر بعض مكونات المجتمع السياسي المغربي بحركة البعثيين والناصريين بالشرق الأوسط ، وهم في الغالب غير ملكيين بل قاموا بالانقلابات العسكرية ضد ملكيات الشرق الأوسط في العراق واليمن وسوريا ومصر، وفي شمال إفريقيا بليبيا وأيضا بتأثر الطلبة والشباب المتعلم في فترة مابعد سنة1956 بأفكار الكتلة الشيوعية بالصين والاتحاد السوفييتي وكوبا وكوريا الشمالية وفيتنام..وكذلك تأثرا لشباب العمالي داخل الحركة النقابية المغربية بالميول اليسارية للحركة النقابية بفرنسا وبعلاقاتها مع النقابات المنتمية للبلدان الشيوعية، وظهور بوادر نشوء أحزاب وتنظيمات الإخوان المسلمين بواسطة بعض السلفيين المغاربة مثل الشيخ مطيع مؤسس منظمة الشبيبة الإسلامية بالدارالبيضاء، وتقي الدين الهلالي بمكناس، وبن الصديق بطنجة ..وعبد السلام يس بمراكش، والدكتور الخطيب بالرباط.. وباعتبار التكوين السياسي لمتخرجي المعهد المولوي الذي كان مزدوجا بين المخزنية التقليدية المغربية وسياسة اليمين الفرنسي حيث لعب أحمد عصمان وفريقه دور الهمة، والطيب الفاسي وشكيب بنموسى في ملكية محمد السادس، كان لابد لهم من تغطية ممارستهم للسياسة بحزب يشبه عدم الحزب، ويقبل الانتماء وعدم الانتماء، ولا ينحدر مؤسسوه من حزب الاستقلال مثل الاتحاد الدستوري الذي أسسه المعطي بوعبيد ينتمي اليه نموذج عزيز أخنوش الذي ترشح بدائرة تيزنيت بلون التجمع الوطني للأحرار، وعند فرز نتائج الانتخابات انضم الى حكومة 2011 بدون حزب، ومثله الولاة محمد حصاد ومحمد بوسعيد اللذين كانا من أطر وزارة الداخلية الى يوم تشكيل حكومة 10أكتوبر2013 ليصبحوا من الوزراء.... وهنا نتساءل، هل كان مزوار يتفاوض مع بنكيران حول منح الوزارات لولاة وزارة الداخلية؟ ومحمد الوفا الذي كان قياديا في حزب الاستقلال الى يوم تشكيل الحكومة المذكورة ليصبح وزيرا يمكن صباغة لونه الحزبي بلون المحايدين، الذي هو قابل للاستعمال بالنسبة للتجمعRNI،ونعني ب "الحزب الذي يشبه عدم الحزب" فقدان وجود برنامج سياسي وإيديولوجية قارة ،يمكن على أساسهما محاسبة الوزراء؟؟ إن حاجة النخب المخزنية لنوعية هذا الحزب مرتبطة بضرورة وجود التبييض LE BLANCHIMENT للسياسة والمال، وتكريس عدم المحاسبة عن أخطاء الحكام ، وفي هذا الصدد يمكن فهم انضمام رشيد بلمختار الى حكومة10أكتوبر2013 في الوقت الذي نلاحظ أن عملية تبييض السياسة والمال لدى شخصيات الحزب بالمقارنة بين دورهم في المؤسسات المالية والشركات التي يستثمرون فيها أموالهم وعلاقاتهم العائلية هي نسها التي كانت على عهد المستشار الاقتصادي السابق للملك محمد القباج وشكيب بن موسى السفير المغربي حاليا بباريس الذي ينسق السياسة الداخلية مع فرنسا بالمغرب الحالي، وهذا ما يفسر عزل محند العنصر وسعد الدين العثماني من وزارتي الداخلية والخارجية وإغلاق نوافذ الدبلوماسية والمالية وملفات أسرار وزارة الداخلية على أعين العدالة والتنمية وحركة التوحيد والإصلاح وحزب التقدم والاشتراكية... ومن هذه المنطلقات يمكن حذف مايسميه البعض بمفاوضات بنكيران مع التجمع الوطني للأحرار من لغة السياسة المغربية، وما يسمى بالوزراء التكنوكراط، ووزراء السيادة لتصبح المفاوضات قد جرت بينه وبين الشبكة العائلية لوالي الدارالبيضاء السابق محمد القباج شخصية الظل حاليا، وربما حتى أقوياء الجمع بين السلطة والمال مثل إدريس جطو، ونادي مهندسي القناطر الذي عاصر إدريس البصري، ومحمد مزيان بلفقيه الذي كان بعض الملاحظين يطلق عليه لقب "بوتفليقة المغرب".. وباختصار هي مفاوضات مع الأمنيين وبعض الولاة...ولا يبعد أن ينطبق هذا الأسلوب على النساء الستة اللائي وقع تعيينهن ضمن الحكومة إذا اعتبرنا أصولهن وشبكاتهن العائلية ومصاهراتهن.. اقتبس حزبRNI كلمة التجمع RASSEMBLEMENT لأول مرة في التاريخ السياسي للمغرب من اليمين الفرنسي الذي أسس التجمع من أجل الجمهورية RPR ليجسد سياسة اليمين المنتسب لجمهورية الجينيرال دوكول بقيادة جاك شيراك المعروف بحرصه على كون المغرب لازال من حظ فرنسا. ومن مهام المجموعة الحالية المستولية على وزارة الداخلية والمالية والخارجية والمعادن والثروات الطبيعية وسفارة المغرب بفرنسا والأمن الديني أن تعيد الدرجة الأولى لفرنسا كمورد للبضائع الى المغرب بالرغم من كون حزب التجمع حزبا باهتا فقد مطابع الميثاق الوطني التي كانت من أكبر مطابع المغرب، ولم تعد لديه مجموعة إعلامية بارزة ولاشبيبة ولاطبقة عمالية متميزة، وفقد حتى دور وجود أطره الحزبية المعبرة عن نوع من الوضوح السياسي مثل محمد اوجار ومصطفى المنصوري مما يجعل الذين يراهنون عليه يبنون قصورا من الرمال، وربما يصبح من مهامه الحالية نزع امتنان حزب العدالة والتنمية على كل الحكم المخزني بدوره في إجهاض حركة 20فبراير2011 بإبراز دور الولاة والعمال والأمنيين الذين سحقوا تلك الحركة في المدن الكبرى . وقد كانت مفاجأة دخول الأمنيين الى حكومة 2011بتعيين الشرقي الضر يس الذي كان مديرا للأمن الوطني في وزارة الداخلية،فمن الذي تفاوض مع بنكيران حينذاك وحاليا على وضع اسم الشرقي الضر يس ضمن قائمة الوزراء المعروضين على أنظار الملك ،وأين هي شفافية خطب بنكيران وصراحته مع حزبه ومع المغاربة في شأن مقاعد الضحاك،ولودي في الحكومة؟ومن تفاوض معه باسم محمد الوفا في حكومة اكتوبر2013؟يظهر من هذه التساؤلات أن تشكيل الحكومة من متحزبين وأشباه المحايدين ،وأجهزة أمنية يشكل معضلة مخيفة ومثيرة للشكوك في سياسة المغرب الذي توجد فيه قوانين تمنع الأمنيين من ممارسة السياسة ،فهؤلاء الولاة لم يقدموا استقالتهم أثناء إعداد بنكيران لقائمة الوزراء لتصبح مناصب الوزارات بالنسبة إليهم مجرد ترقيات إدارية ،وكان من الضروري إذا كانت مناصب الولاة تقبل ترقيتهم الى وزراء أن يفتح الترشيح حولها بين أطر الأمنيين لكي لايقال بأنها عملية انقلابية...ولكي يعرف الشعب من يقترح الوزراء؟ ويمكن بهذا المفهوم تصنيف أحمد توفيق ضمن المكلفين بالأمن في جانبه الديني ، وهو لايفتأ يردد مصطلح" الأمن الديني" منذ التحاقه بالوزارة، وهل معنى هذا أن رئيس الحكومة محروم حتى من حق اقتراح الوزراء؟ومن هنا أيضا تظهر مراجعة مصطلح وزراء السيادة لتسميتهم بوزراء الأمنيين، أو وزراء الجهات الضاغطة... ويجد ربنا لفهم ماجرى حول ظروف قلب حكومة 2011واجراء مفاوضات مريرة طيلة أربعة أشهر من أجل الخروج بحكومة أخرى تتضمن مزيدا من الأمنيين ،أن هؤلاء يحكمون قبضتهم على زمام الحكم ، وحذفهم لمادة حقوق الإنسان من وزارة العدل بعد أن استهدفتهم عملية توقيف حفيظ بنهاشم في قضية العفو على دانيال كالفان،ونفي وزير الداخلية محند العنصر لمسؤولية وزارة الداخلية عن تعذيب المتظاهرين المحتجين على العفو،وتهديدهم بتكوين لجان التحقيق حول التعذيب وقمع المتظاهرين التي كانت لو استمرت سوف تتجه الى العمال والولاة ،وعلى وزارة المالية ليتواجهوا مباشرة مع حملة الشهادات المعطلين والنقابات العمالية والحركات الاحتجاجية الذين يطاردونهم في الشوارع حول التوظيف وتنفيذ التزامات الحكومة بوعود التشغيل وسلا ليم الأجور والزيادة في الأسعار..