هيئة المعلومات المالية تحقق في شبهات تبييض أموال بعقارات شمال المغرب    المغرب يخطط لإطلاق منتجات غذائية مبتكرة تحتوي على مستخلصات القنب الهندي: الشوكولاتة والدقيق والقهوة قريبًا في الأسواق    تشييع جثمان الفنان محمد الخلفي بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء    فريق الجيش يفوز على حسنية أكادير    شرطة بني مكادة توقف مروج مخدرات بحوزته 308 أقراص مهلوسة وكوكايين    حفيظ عبد الصادق: لاعبو الرجاء غاضبين بسبب سوء النتائج – فيديو-    دياز يساهم في تخطي الريال لإشبيلية    المغرب يحقق قفزة نوعية في تصنيف جودة الطرق.. ويرتقي للمرتبة 16 عالميًا    مقتل تسعة أشخاص في حادث تحطّم طائرة جنوب البرازيل    المغرب يوجه رسالة حاسمة لأطرف ليبية موالية للعالم الآخر.. موقفنا صارم ضد المشاريع الإقليمية المشبوهة    فرنسا تسحب التمور الجزائرية من أسواقها بسبب احتوائها على مواد كيميائية مسرطنة    وزارة الثقافة والتواصل والشباب تكشف عن حصيلة المعرض الدولي لكتاب الطفل    فاس.. تتويج الفيلم القصير "الأيام الرمادية" بالجائزة الكبرى لمهرجان أيام فاس للتواصل السينمائي    التقدم والاشتراكية يطالب الحكومة بالكشف عن مَبالغُ الدعم المباشر لتفادي انتظاراتٍ تنتهي بخيْباتِ الأمل    مسلمون ومسيحيون ويهود يلتئمون بالدر البيضاء للاحتفاء بقيم السلام والتعايش المشترك    الرجاء يطوي صفحة سابينتو والعامري يقفز من سفينة المغرب التطواني    العداء سفيان ‬البقالي ينافس في إسبانيا    جلالة الملك يستقبل الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني    بلينكن يشيد أمام مجلس الأمن بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    وقفة أمام البرلمان تحذر من تغلغل الصهاينة في المنظومة الصحية وتطالب بإسقاط التطبيع    الولايات المتحدة تعزز شراكتها العسكرية مع المغرب في صفقة بقيمة 170 مليون دولار!    الجزائر تسعى إلى عرقلة المصالحة الليبية بعد نجاح مشاورات بوزنيقة    انخفاض طفيف في أسعار الغازوال واستقرار البنزين بالمغرب    رسالة تهنئة من الملك محمد السادس إلى رئيس المجلس الرئاسي الليبي بمناسبة يوم الاستقلال: تأكيد على عمق العلاقات الأخوية بين المغرب وليبيا    مباراة نهضة الزمامرة والوداد بدون حضور جماهيري    رحيل الفنان محمد الخلفي بعد حياة فنية حافلة بالعطاء والغبن    لقاء مع القاص محمد اكويندي بكلية الآداب بن مسيك    لقاء بطنجة يستضيف الكاتب والناقد المسرحي رضوان احدادو    بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    غزة تباد: استشهاد 45259 فلسطينيا في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر 2023    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    أكادير: لقاء تحسيسي حول ترشيد استهلاك المياه لفائدة التلاميذ    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    "اليونيسكو" تستفسر عن تأخر مشروع "جاهزية التسونامي" في الجديدة    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وزير بدون حقيبة.. «هدية» المخزن لمكافأة خدّامه
منصب كان حاضرا في أغلب الحكومات منذ الاستقلال وشغلته أسماء سياسية وازنة
نشر في المساء يوم 06 - 05 - 2013

ينص الفصل 87 من دستور 2011، على أن تتكون الحكومة من رئيس ووزراء، ويمكن أن تضم كتابا للدولة، وأمام وضوح النص الدستوري يصبح الاجتهاد بدعة،
رغم ذلك، ظل منصب وزير الدولة بحقيبة أو بدونها حاضرا في المشهد السياسي منذ أول حكومة برئاسة امبارك البكاي، واستمر المنصب البروتوكولي بالرغم من تقلبات المناخ السياسي، إذ يلجأ إليه للترضية وجبر الخاطر السياسي. وتضم تشكيلة الوزراء الذين لا حقائب لهم أسماء وازنة في الحقل السياسي، لكنها قبلت بالعيش في ظل الاستوزار «الشكلي», على غرار محمد بلحسن الوزاني، وأحمد العلوي، وعبد الهادي بوطالب، وأحمد رضا كديرة، وامحمد باحنيني، والمعطي بوعبيد، ومحمد أرسلان الجديدي، وأحمد بوستة، والمحجوبي أحرضان، وعبد الرحيم بوعبيد، وأحمد عصمان، ومحمد اليازغي، وعباس الفاسي، وامحند العنصر، وصولا إلى عبد الله باها.
حينما كان المقر المركزي لحزب الاتحاد الاشتراكي بحي الرياض بالعاصمة الرباط يهتز احتجاجا على الحصيلة التي عاد بها محمد اليازغي، الكاتب الأول لحزب المهدي وعمر وقتها، من مفاوضاته مع عباس الفاسي، الذي كان يختار تشكيلة وزراء حكومته حينما منحته صناديق الاقتراع المرتبة الأولى، التي فرضت ما اصطلح عليه ب«المنهجية الديمقراطية»، لم يجد الغاضبون من اليازغي إلا أن يصفوا تلك الحقيبة الوزارية التي أسندت له ب«الساكادو»، في إشارة إلى أنها حقيبة فارغة، لأنها بدون مهام ولا مسؤولية.
لقد قبل اليازغي، الكاتب الأول للاتحاد، أن يعين وزير دولة في حكومة عباس الفاسي، مما يعني أنه اقتنع بأن يكون وزيرا بدون حقيبة. لذلك سيكون مصيره هو الإبعاد من مهامه على رأس حزب القوات الشعبية، بعد أن دفع لتقديم استقالته، ليفسح المجال لعبد الواحد الراضي.
ويقرأ المتتبعون للشأن الحزبي في هذه الحقيبة، التي تسلمها محمد اليازغي، أو «الساكادو» كما سماها الاتحاديون أنفسهم، بداية للكثير من الانقسام والخلاف الذي وصلت تداعياته إلى محطة المؤتمر الوطني للحزب.
اليوم، حينما نعيد تركيب أهم المحطات السياسية للمغرب، منذ أول حكومة قادها امبارك البكاي، نكتشف كيف أن تجربة وزراء الدولة، أو وزراء بدون حقيبة، كانت حاضرة في جل الحكومات المغربية.
ولا غرابة أن هذه الصيغة ظلت توظف لاستقطاب زعيم سياسي لكسر شوكته، أو لإشراكه في تدبير الشأن العام والعمل على إخراجه من صفوف المعارضة.
ففي أول حكومة ما بعد الاستقلال، التي قادها امبارك البكاي، انتهت التوافقات لكي تضم أربعة وزراء دولة دفعة واحدة، وهم الزعيم الاتحادي عبد الرحيم بوعبيد، قبل أن يتولى في حكومة عبد الله ابراهيم بعد ذلك، حقيبة الاقتصاد والمالية، وإدريس المحمدي، ومحمد الشرقاوي، وأحمد رضا اكديرة.
ويبدو أنه مع كل وزير بدون حقيبة، نكتشف كيف أن حكومة البكاي، ومن خلفها أرادت أن تسكت صوتا.
فبوعبيد هو واحد ممن وقعوا على وثيقة المطالبة بالاستقلال، وأحد الذين ساهموا في المفاوضات التي انتهت إلى استقلال البلاد، بالإضافة إلى مسؤوليته الحزبية. لذلك كان ضروريا أن يكون ضمن التشكيلة الرسمية وإن كان بدون مهمة محددة.
أما أحمد رضا اكديرة، فقد كان صوت الأمير مولاي الحسن في الحكومة، وهو الذي سيتحول حينما تولى الحسن الثاني الملك، إلى الرجل الثاني في النظام.
لقد اختارت الحكومات المغربية، منذ الاستقلال، أن تجرب صيغة وزراء الدولة، بنفس الطريقة التي كان عليها الأمر في التجربة الفرنسية.
فمنذ القرن التاسع عشر، وبعودة الملكية إلى فرنسا، سيتم اللجوء إلى تعيين وزراء دولة ظلت مهامهم محددة في تسيير العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية.
لكن مع حكم نابليون الثالث، أصبح دور وزراء بدون حقيبة، هو التعبير عن إرادة السلطة الحاكمة. لذلك سيطلق عليهم لقب «وزراء الكلمة».
وفي مرحلة أخرى، أصبح وزراء الدولة يعينون بمراسيم تحدد مهامهم، على الرغم من أنهم لم يكونوا يحضرون مجالس الوزراء إلا إذا تلقوا بشأنها دعوة الحضور. بل إنهم أصبحوا بمثابة مستشارين للحكومة، ولهم مراتب متقدمة في البروتوكول الفرنسي.
أما لدى الإنجليز، فمهام وزير دولة محددة في التنسيق بين السلطة التنفيذية والتشريعية.
في التجربة المغربية، كان وزراء الدولة في جل الحكومات التي تعاقبت على تسيير الشأن العام، حاضرين في مجالس الحكومة أو مجالس الوزراء.
وكانوا دوما من المقربين للملك، الذي غالبا ما يكون وراء اختيارهم من الشخصيات التي لها تجربة، سواء أكانت سياسية أو تقنية. لذلك قد يتحولوا في بعض الأحيان إلى سفراء من درجة استثنائية ينقلون رسائل الملك إلى ملوك ورؤساء الدول، أو يشاركون في بعض التجمعات الإقليمية أو الدولية.
وعلى الرغم من كل هذه السلط الرمزية التي تعطى لوزير الدولة، إلا أنه يعيش بدون فريق عمل، ولا مقر للاشتغال، ولا ميزانية قارة توضع تحت تصرفه. لذلك كثيرا ما ظل تحت رحمة الوزير الأول في التجارب السابقة، واليوم هو تحت رحمة رئيس الوزراء، بالنظر إلى أن حكومة عبد الإله بنكيران، التي تم تعيينها، وفق ما جاء به الدستور الجديد، تضم هي الأخرى وزيرا بدون حقيبة، هو عبد الله باها، الذي يصفه الكثيرون بأنه هو العلبة السرية لرئيس الوزراء.
من أحمد رضا اكديرة، إلى مولاي أحمد العلوي، الذي بدأ وزيرا للإعلام قبل أن يصبح من أول الوزراء الذين يتم تعيينهم في كل تشكيلة حكومية، خصوصا على عهد الملك الراحل الحسن الثاني. ومن المحجوبي أحرضان إلى المعطي بوعبيد، قبل أن يعين وزيرا أول في بداية الثمانينيات. ومن امحمد بوستة، إلى امحند العنصر ثم عباس الفاسي ومحمد اليازغي. هذا مع التذكير بأن عددا من الوزراء حملوا هذه الصفة وإن شغلوا حقائب بعينها كما هو حال إدريس البصري، الذي كان وزير دولة في الداخلية وفي الإعلام أيضا، ومحمد بوستة، وزير الدولة الذي كان مكلفا بالشؤون الخارجية والتعاون، والمحجوبي أحرضان وزير الدولة الذي كان مكلفا بالبريد والمواصلات السلكية واللاسلكية، والحاج امحمد اباحنيني وزيرا للدولة، الذي كان مكلفا بالشؤون الثقافية، ومحمد بنهيمة وزيرا للدولة الذي كان مكلفا بالداخلية.
مع وزراء بدون حقيبة، نحن أمام مسؤولين خاصين يؤثثون مشهد الحكومة، لكنهم بدون مهام محددة. لذلك عاد السؤال ليطرح بقوة اليوم مع ما جاء به الدستور الجديد من فصول وضوابط، هل يجد وزير الدولة اليوم له أي سند في دستور 2011؟
فمنطوق الفصل 87 من الدستور الحالي يتحدث على «أن الحكومة تتألف من رئيس الحكومة والوزراء، ويمكن أن تضم كتابا للدولة. ويحدد قانون تنظيمي، خاصة، القواعد المتعلقة بتنظيم وتسيير أشغال الحكومة والوضع القانوني لأعضائها».
إنها الهيكلة والتركيبة التي يجب أن تكون عليها الحكومة للقطع مع كل الممارسات السابقة التي كان من عناوينها وجود وزراء سيادة، ووزراء دولة بدون حقيبة، والوزراء المنتدبون. لذلك كان الفصل 87 واضحا في تحديد مكونات الحكومة، وهي ثلاثة عناصر، أولها، رئيس الحكومة، ثم الوزراء، كما يمكن أن تضم الحكومة كتابا للدولة.
ولأن التعريف القانوني للوزير في نفس الدستور الجديد هو كونه «الشخص المسؤول عن حقيبة وزارية، الملتزم بقاعدة ربط المسؤولية بالمحاسبة التي ينص عليها الدستور في فصله الأول»، فإن القاعدة لا يمكن أن تستقيم بدون وجود وزير يتحمل حقيبة وزارية، وهو ملزم قانونيا بتدبيرها، وهو ما يفيد استحالة محاسبة وزير بدون حقيبة، إذ لا يمكن محاسبة شخص عن مسؤولية لا يتحملها. فلو أراد المشرع أن تضم الحكومة وزير دولة أو نائب رئيس الحكومة، لكان قد تحدث عن ذلك بالنص، قياسا على تنصيصه على إمكانية ضم الحكومة لكتاب الدولة.
اليوم لا يخفي المعطلون، الذين سبق أن دخلوا مع حكومة بنكيران في «بوليميك» حول مرسوم تعيينهم، والذي قالت الحكومة وعموم المتتبعين للشأن السياسي في البلاد إنه لا دستوري ، أن تعيين عبد الله باها وزيرا للدولة يعتبر غير دستوري.
عبد الرحيم بوعبيد : وزير بدون حقيبة في أول حكومة
قبل أن يعين وزيرا للاقتصاد والمالية في حكومة عبد الله ابراهيم، التي تصنف على أنها أول حكومة وطنية بعيد الاستقلال، كان عبد الرحيم بوعبيد، أحد الذين وقعوا على وثيقة المطالبة بالاستقلال وأحد الذين فاوضوا من أجل أن ينال المغرب استقلاله، قد عين وزيرا دولة في حكومة البكاي في 1955.
لم يكن محمد الخامس، ومن خلف الستار ولي عهده الأمير مولاي الحسن، متحمسين ليشغل كبار حزب الاستقلال المناصب الحساسة في الدولة الخارجة للتو من الحجر والحماية. وظل الأمير يردد أن والده كاد يخسر عرشه حينما وضع يده في يد حزب الاستقلال، لذلك فحينما عاد محمد الخامس من منفاه، كان لا بد من تدبير المرحلة بالكثير من الدهاء.
والدهاء هو أن يعين عبد الرحيم بوعبيد، ورضا اكديرة، و ادريس المحمدي والشرقاوي وزراء دولة بدون حقيبة، فيما يشبه الإرضاء بالنظر للدور الذي لعبه عبد الرحيم بوعبيد، مثلا، في معركة المطالبة بالاستقلال.
لكن الزعيم الاستقلالي، الذي سيؤسس بعد ذلك الاتحاد الوطني، ظل يرفض أن تكون هذه الحقيبة الوزارية الفارغة هي كل ما سعى إليه بعد كل المعارك التي خاضها. ولذلك أيضا، لم يجد "السي عبد الرحيم"، كما يسميه الكثيرون، ذاته إلا مع حكومة عبد الله ابراهيم، والتي شغل فيها منصبا حساسا اسمه الاقتصاد والمالية.
ظل عبد الرحيم بوعبيد يرى أن الميثاق الوطني الذي جمع العرش والشعب، وأبرمت فيه اتفاقية رمزية بين المؤسسة الملكية وحركة التحرير قد احترم بالكامل في شقه المتعلق بتحرير البلاد. إلا أنه ظل في حاجة إلى تفعيل، وتنازلات في الشق المتعلق بدمقرطة المؤسسات.
لقد أراد عبد الرحيم بوعبيد أن يؤسس الميثاق الوطني لمشروع مجتمعي قوامه الديمقراطية. تلك الديمقراطية التي تحقق تنافسية سياسية وفكرية. في الوقت الذي لم ينتج عن هذا الوضع غير غياب الضوابط المؤسساتية، وتأجيج الصراع السياسي، وتحويله إلى حروب هامشية. لذلك كانت كل المعارك التي خاضها عبد الرحيم بوعبيد مع نظام الحكم، خصوصا على عهد الحسن الثاني، تعني هذا الشق. ولذلك سيعتبر تعيينه وزير دولة بدون حقيبة مجرد محطة فرضتها المرحلة، حيث كانت البلاد خارجة للتو من محنة الحماية، وهي في حاجة لجميع أبنائها لكي لا يفهم أن حزب الاستقلال دخل تسخينات المعارضة منذ أول أيام الاستقلال.
عبد الرحيم بوعبيد، الوزير بدون حقيبة في أول حكومة بعد الاستقلال، ووزير الاقتصاد والمالية في أول حكومة وطنية قادها عبد الله ابراهيم، هو الذي سيعترف له الملك محمد الخامس في إحدى خطبه بأنه "الوزير الوفي".
ووفاء الرجل تمثل أساسا في إصلاح الحقل المالي والنقدي، عملا بالمقولة الشهيرة "البنك عصبة الحرب". وهو نفس الوفاء الذي سيقوده بعد ذلك لأكثر من مواجهة مع الحسن الثاني في محطات أحداث الدار البيضاء وما تلاها من إعلان حالة الاستثناء، ومخلفات الانقلابات التي تعرض لها الملك الراحل، لتنتهي بسجن "السي عبد الرحيم" في ميسور، لأنه قال لا للاستفتاء في الصحراء ضدا على قرار الحسن الثاني.
محمد اليازغي : وزير الساكادو
يعترف الاتحاديون في قرارات أنفسهم بأنهم خسروا القوات الشعبية حينما قبلوا بالمشاركة في حكومات إدريس جطو، التي لم تحترم المنهجية الديمقراطية حينما بوأت صناديق الاقتراع حزب المهدي وعمر الصف الأول، وهو خارج من تجربة التناوب الذي قادها كاتبهم الأول عبد الرحمان اليوسفي.
وخسروا أكثر حينما شاركوا في حكومة عباس الفاسي
لكن الخسارة الكبرى حدثت لأن الكاتب الأول للحزب وقتها محمد اليازغي، قبل أن يكون وزيرا بدون حقيبة. لذلك سيطلق عليها المتفكهون وزارة "الساكادو".
لم يكن اليازغي في حاجة لمنصب وزير لا يقوم بأي دور، على الرغم من أن البروتوكول يعتبره أقرب للوزير الأول. لذلك سيحدث هذا الوضع الذي دخله حزب القوات الشعبية اختلالا ومعارك وحروبا لم تضع أوزارها إلا حينما دفع اليازغي لتقديم استقالته من الكتابة الأولى، مما عبد الطريق لعبد الواحد الراضي، بعد معارك طاحنة لتولي عبد الواحد الراضي مهمة الكاتب الأول البديل.
ولم يكن المحرك الأساسي في هذه العملية غير ادريس لشكر، الكاتب الأول للاتحاد اليوم، الذي اعتبر نفسه ضحية مفاوضات اليازغي مع الوزير الأول المعين عباس الفاسي. ولم تكن الصيغة المثلى ليؤلب لشكر على رفيقه اليازغي غضب الاتحاديات والاتحاديين، غير حكاية الحقيبة الفارغة، أو "الساكادو".
سيجد اليازغي نفسه في حالة شرود وهو وزير دولة في حكومة عباس الفاسي. فخارج اجتماعات المجلس الوزاري، لم يكن مقر وزارة بدون حقيبة يسع شغب زعيم وقائد بحجم اليازغي، الذي كان وزيرا بكامل الصفة في أول حكومة تناوب قادها اليوسفي على الرغم من أنه كان من بين الوزراء الذين لم يكن الحسن الثاني متحمسا لاستوزارهم، ثم وزيرا في حكومة ادريس جطو. ومن البيئة وإعداد التراب الوطني، سيتحول اليازغي إلى سفير فوق العادة يمثل الملك في بعض اللقاءات، ويتحدث إلى وسائل الإعلام في قضية الصحراء وما الذي يجب القيام به.
لكنه كان بين إخوته في حزب القوات الشعبية، يعيش أصعب اللحظات لأنه لم يحسن تدبير المفاوضات مع عباس الفاسي، واختار تشكيلة من الوزراء الاتحاديين الذين لم يكونوا قد راكموا تجارب سياسية مقارنة مع آخرين. ولأنه قبل أساسا أن يكون مجرد وزير بدون حقيبة
عباس الفاسي : مولا نوبة
لم تحترم المنهجية الديمقراطية في 2002، حيث كان يجب أن يقود الاتحاد الاشتراكي الحكومة بعد أن انتهت مهمة حكومة التناوب بما لها وما عليها.
وكان لا بد أن يضع الاتحاد يده في يد رفيقه في الكتلة حزب الاستقلال.
ولأن المفاوضات انتهت إلى الباب المسدود، بعد أن طالب حزب الميزان بحقه في قيادة الحكومة فيما عرف في الاصطلاح السياسي وقتها ب"مولا نوبة"، فقد عين الملك إدريس جطو وزيرا أول.
لم يكن أمام عباس الفاسي الغاضب، غير أن يعين هو الآخر وزير دولة، أي وزير بدون حقيبة. والحصيلة هي أنه سيكون بدون ميزانية ولا فريق عمل. ظل يحضر مجالس الحكومة والوزراء. وكان بين الفينة والأخرى يقوم ببعض المهام ذات الصبغة الدبلوماسية هنا وهناك.
لكن عباس الفاسي لم يكن فقط وزيرا بدون حقيبة في مشواره السياسي.
سيعين وزيرا أول. وقبل ذلك كان وزيرا للشغل. بل وتسبب خلال مهامه في هذه الوزارة في فضيحة ما عرف بالنجاة، والتي لا تزال تداعياتها مستمرة إلى اليوم.
وحينما جاء عبد الإله بنكيران إلى رئاسة الحكومة بعد الانتخابات التي منحت حزب العدالة والتنمية الصف الأول، تردد أن عباس الفاسي مستعد ليعود لنفس الحقيبة الفارغة، ويعين وزيرا للدولة مع هذه الحكومة الجديدة، باعتباره وقتها أمينا عاما لحزب الاستقلال.
لكن بنكيران لم يكن متحمسا للأمر. وأراد أن تضم حكومته وزير دولة واحد هو رفيقه في الدرب عبد الله باها.
امحند العنصر : وزير لكل الطوارئ
لم يجرب امحند العنصر، وزير الداخلية في حكومة عبد الإله بنكيران اليوم، الحقيبة الفارغة إلا مرة واحدة حينما اختير في تعديل حكومي على عهد حكومة عباس الفاسي.
ولم يكن اختيار الأمين العام للحركة الشعبية إلا من أجل إخراج الحركة من صفوف المعارضة، وإشراكها في تدبير الشأن العام ولو بمناصب رمزية.
ولا غرابة أن امحند العنصر، ومعه الحركة الشعبية، ظل يعتبر نفسه رجل سياسة مستعد للمشاركة في تدبير الشأن العام كلما تلقى الدعوة لذلك.
لا تهمه الإيديولوجيات ولا الحسابات السياسية. إنه زعيم حزب ينصف نفسه في الوسط. لكنه يمكن أن ينتقل بدون حرج إلى صف اليمين، أو إلى صف اليسار. ولذلك شارك في أكثر من حكومة، لأنه ظل يقول إنه لا يمكن أن يجد نفسه في المعارضة بأي شكل من الأشكال.
عاش العنصر تجربة وزير دولة في نفس الظروف التي عاشها الآخرون. لا مقر وزاري، ولا ميزانية ولا فريق عمل. وكل ما في الأمر أن الأمين العام لحزب الحركة الشعبية وزير ضمن وزراء حكومة عباس الفاسي، التي يجب أن يدافع عن اختياراتها.
لكنه عاد اليوم ليكون واحدا من دعامات حكومة بنكيران، التي يشغل بها منصب وزير الداخلية.
ولا غرابة أن العنصر ظل يقول دائما إن حزب الحركة الشعبية الذي تحمل باسمه أكثر من حقيبة وزارية منذ الثمانينيات، مستعد ليضع يده في يد من دعاه. لقد شكل قبيل آخر استحقاقات تجمع ما عرف ب" جي 8" الذي رسم خطوطه العريضة حزب الأصالة والمعاصرة. لكنه حينما سطع سهم حزب العدالة والتنمية، الخصم اللذوذ للبام، ارتمى في حضنه وأبدى استعداده ليكون ضلعا من أضلع حكومته. لذلك تعرف عن العنصر مقولة شهيرة في العمل السياسي مفادها "أنه ليس مع أحد، وليس بالتالي ضد أحد".
محمد بلحسن الوزاني: وزير في حقيبته نزاع مع الاستقلاليين
لم يدفئ محمد بلحسن الوزاني كرسي منصب وزير الدولة بدون حقيبة في سابع حكومة مغربية برئاسة الملك الراحل الحسن الثاني، إذ أعفي من مهامه في تعديل حكومي، بسبب تباين ثقافته وتصوراته مع علال الفاسي، إذ كان بلحسن مقلا في تحركاته بعيدا عن الأضواء، في ما يشبه الزهد السياسي، بل إن الملك كان يقدر حجم الخلاف بين الغريمين الفاسي، زعيم حزب الاستقلال، والوزاني، زعيم حزب الشورى والاستقلال، إذ أصر الملك لحظة الكشف عن التشكيلة الحكومية على أن يجلس علال الفاسي على اليمين ويسلمه وزارة الأوقاف وبلحسن الوزاني على اليسار ويسلمه وزارة الدولة بدون حقيبة، بالرغم من المجرى المذهبي الفاصل بين الرجلين، فالأول خريج جامع القرويين، متبحر في علوم الدين، ناظم للشعر، والثاني له تكوين قانوني متشبع بقيم الثقافة الغربية، فكان من المنطقي أن يحصل الصدام السياسي بين الزعيمين. وخلال فترة محمد بلحسن الوزاني بفرنسا، انعقد المؤتمر الوطني الأول لكتلة العمل الوطني سنة 1936 بشكل علني، وتم انتخاب علال الفاسي زعيما للحزب، وعند عودة الوزاني من فرنسا لم يقتنع بالتشكيلة التي أفرزتها نتائج المؤتمر أثناء غيابه، فغادر الكتلة بشكل نهائي وأسس سنة 1937 حزبا جديدا أسماه الحركة القومية، وتلك الشرارة الأولى لخلاف ساهم في نشر ثقافة العنف السياسي، بعد أن تعرض التنظيم لأبشع جريمة سياسية في ما بات يعرف بأحداث سوق أربعاء الغرب.
تميز الوزاني بمواقفه "المزعجة" لحزب الاستقلال، وطالب في اجتماعات مجلس الحكومة بإرساء أسس النظام الديمقراطي، مؤكدا الرغبة في عدم مواجهة المؤسسة الملكية أو معارضتها من حيث المبدأ، والعمل على ترسيخ رؤية سياسية جديدة، ذات مقاربة حقوقية في تدبير الشأن السياسي بالبلاد، مما فتح جبهة ضده عجلت بمسحه من تشكيلة الحكومة بعد أن تحول الملك الراحل إلى "إطفائي" يقضي ساعات الاجتماع في تذويب جليد الخلاف بين وزير نصب نفسه وصيا على حقوق الإنسان حتى يملأ جرابه السياسي، لكنه فتح جبهات مع أتباع علال الفاسي وعبد الخالق الطريس قبل أن يغادر الحكومة.
قال الحسن الثاني للوزاني قبيل تعيينه: "يمكنك أن تشافهني أو تكتب إلي في موضوع يتعلق بعقد قمة عربية، أو موضوع دولي مطروح على منظمة الأمم المتحدة، أو متعلق بحرب وشيكة الوقوع، أو مشكلة اقتصادية معقدة تتطلب الحل، كما يمكنك أن تتحدث إلي عن عواقب ارتفاع سعر اللحم أو سعر النعناع أو ما شابه ذلك. فوزير الدولة لا اختصاص له، بل له جميع الاختصاصات".. لكن الوزاني لم يبتلع أقراص الملك المهدئة، وقبل منصب وزير دولة على مضض، ثم غادره لأنه لم يكن يريد منصب وزير دولة، بل كان يفضل مهمة وزير خارجية.
فقد الوزاني ذراعه الأيمن في انقلاب الصخيرات، لكنه تعلم الكتابة باليد اليسرى التي حرر بها مذكراته وافتتاحياته الصحفية، وفي التاسع من شتنبر 1978، مات الرجل، بعد أربع سنوات على رحيل غريمه علال الفاسي، وتم إحداث مؤسسة بلحسن الوزاني لصيانة تراثه الفكري، تحت إشراف ابنته حورية المقيمة بالديار السويسرية
أحمد رضا كديرة: وزير لكل الحقائب
تقلد أحمد رضا كديرة عدة مناصب وزارية، لكنه ظل صديقا للملك الراحل الحسن الثاني. وعاش معه تفاصيل انقلاب الصخيرات وكثيرا من الأحداث المفرحة والمحزنة، حتى وهو بدون حقيبة، فقد ظل في ذهن بقية الوزراء مستشارا خاصا للملك، منذ أول حكومة بعد الاستقلال، بقيادة البكاي بن مبارك لهبيل، وظل الرجل لاعبا أساسيا في التشكيلات الوزارية، كان أقرب الوزراء إلى الملك الحسن الثاني، فشبهه المتتبعون للشأن السياسي بهمة زمانه، لاسيما وأن علاقة كديرة بالملك الراحل تجاوزت حدود الحقائب الوزارية، حين أصبح مدير ديوان الملك ومستشاره الأقرب، بعد أن عركته التنقلات بين الوزارات ومسك الحقائب المملوءة والفارغة، فقد كان وزيرا لكل الوزارات، بدءا من الديوان الملكي إلى الأمانة العامة لحزب سياسي من أحزاب أنابيب السلطة، مرورا بوزارة الداخلية والخارجية والفلاحة والصناعة، ثم مديرا عاما للمكتب الشريف للفوسفاط، بل إن الرجل امتلك القدرة على تأسيس حزب أسماه الحزب الاشتراكي الديمقراطي، الذي عاش ليوم واحد فقط. بل عرفت عنه جرأته في إبداء آرائه في حضرة الملك الحسن الثاني، الذي قال عنه يوما: "كديرة يخطئ أحيانا وينسى أنني ملك البلاد ولم أعد وليا للعهد".
كان محمد رضا يملك قدرة على تطويع المشهد السياسي، بل إنه أعلن في عز الاحتقان السياسي يوم 20 مارس 1963، عن تأسيس جبهة المحافظة على المؤسسات الدستورية، أو ما يعرف ب"الفديك"، من موقعه كمدير عام للديوان الملكي ووزير الداخلية والفلاحة، وقال في ندوة صحفية بفندق المنصور بالدار البيضاء إن الغاية من تأسيس الجبهة هي "تجنيد جميع قوى البلاد وراء الملك وصيانة الدستور وإحداث ديمقراطية حقيقة وحماية القيم والمثل العليا التي أقرها الشعب من خلال الدستور". يستطيع أحمد رضا أن يصنع في مختبره حزبا ويحوله إلى جبهة ثم إلى حركة، لإيمانه بأن في كل حركة سياسية بركة. لم يعبأ الرجل برد الفعل القوي للاتحاد الاشتراكي، الذي انتقد وصفة كديرة الرامية إلى انتشال المغرب من التعفن، والساعية إلى ترسيخ قدميه كناطق رسمي باسم الوطنية والاستقامة.
لقد كان كديرة وزيرا بدون حقيبة، لكنه ظل يتحكم في أزرار السلطة، ففي جمع الفديك، حضر الوزراء والعمال وكبار موظفي الدولة، وكأنهم يبايعون الزعيم، ليس على زعامته الحزبية، بل لقربه من الملك.
في سنة 2006 مات اكديرة، دون أن تموت نواياه، التي تجددت مع حركة لكل الديمقراطيين التي أصبحت نواة لحزب الأصالة والعاصرة
أحمد العلوي وزير الدولة ودولة الوزير
تصف كتابات التاريخ السياسي الحديث أحمد العلوي، بالوزير الدائم، فحين لا يجد له الملك قطاعا على مقاسه، يضعه في خانة وزراء الدولة الذين لا حقائب لهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون، لقد ظل الرجل اسما مرعبا للوزراء والعمال، بعد أن استمد سلطته من قرابته العائلية للأسرة الملكية، إذ كان مساعدا للملك الراحل محمد الخامس، وحين خلفه ولي عهده، ظل العلوي محافظا على نفس الموقع ولم يتأثر بانتقال السلطة، إذ رسخ مكانته مع الحسن الثاني بقفشاته خلال جلساته الخاصة والعامة، لكن في مقابل القفشات يملك "مولاي أحمد" قناعا آخر بتقاسيم السلطة والقسوة والجبروت.
نادرا ما كان الملك الراحل يكلف العلوي بمهام رسمية خارجية، فقد كان يخشى أن يسيء الزعماء فهم خروجه عن النص، لذا، حين يتحمل صفة وزير دولة بدون حقيبة، يمارس كل الاختصاصات دون اعتبار للحدود بين القطاعات. قال عنه ادريس البصري: " لم يكن أحمد العلوي رجل العمل الميداني بقدر ما كان رجل الفكر والتأمل، إذ كان يبدي آراءه في مختلف المشاريع ويدلي بدلوه في مختلف القضايا".
عايش العلوي الملوك الثلاثة، ذهب إلى فرنسا لدراسة الطب، لكن السياسة استهوته منذ أن كان مراسلا لجريدة "العلم" من باريس، بعد أن حجز لنفسه مكانة في وسط الجالية المغاربية لعلاقته العائلية مع الأسرة الملكية، وحين عاد إلى المغرب تقلد العديد من المناصب الوزارية في مختلف الحكومات المتعاقبة، حتى تحول إلى مهاجم أساسي في التشكيلة الحكومية، فضلا عن منصبه كوزير دولة من بدون حقيبة، منذ سنة 1960، كما تجول في مختلف الوزارات وخبر تضاريسها، إذ عين وزيرا للأنباء والسياحة وأضيفت لاختصاصاته الفنون الجميلة، وظل وزيرا للدولة من غشت 1983 إلى غاية تسعينيات القرن الماضي، ضمن الحكومة الثالثة والعشرين، ثلاث سنوات من "الشوماج" الوزاري المؤدى عنه.
ابتلي بحب الصحافة، وكان يعشق منصب وزير للإعلام قبل أن يصبح كاتب عمود في جريدة الصحراء، بل إنه تحول إلى ناطق "غير رسمي" للقصر، ويردد المقربون منه حكاية طريفة تعود لشهر ماي 1960، حين كان العلوي مكلفا بعرض أسماء الوزراء المرشحين لدخول الحكومة، ولما اكتشف أن اسمه غير موجود ضمن اللائحة، لم يتردد في إضافة اسمه إلى قائمة الاستوزار كوزير للإعلام.
مات أحمد العلوي في السابع من دجنبر 2003، بعد معاناة مع مرض أقعده وحوله إلى وزير بلا جقيبة لكن بكرسي متحرك،

عبد الهادي بوطالب: وزير دولة ساعي بريد
يروي بوطالب حكاية تعيينه وزيرا للدولة بدون حقيبة، ويستحضر حواره مع الملك الحسن الثاني وهو يشحنه بالنصح
- يا أستاذ عبد الهادي بوطالب، بالنسبة لوزارة الدولة لعلك ستكون غير مطمئن إليها وتعتبر أنها وزارة بدون محتوى.
-لا، جلالتكم أمرتم بذلك ولا يسعني إلا أن أَقبل.
-في الحكومة الأولى التي أسستُها عقب استلامي مقاليد العرش، عينت وزراء من مختلف الأحزاب وسميت زعيمكم السابق محمد بن الحسن الوزاني وزير دولة، وقلت له ماذا يعني عندي منصب وزير الدولة، إنه وزير في أعلى درجات الوزراء بدون حقيبة وزارية، لا يقضي يومه في حل مشاكل الإدارة والموظفين، لكنه ينقطع للاشتغال بالتصورات الكبرى لسير الدولة والتخطيط لسياستها العليا. ويستطيع أن يبعث لي كل يوم عشر مذكرات، تتضمن تصوراته عن الدولة وشؤون الحكم.
حين عين عبد الهادي في هذا المنصب، وكان محمد بنهيمة وزيرا أول، تلقى الثناء من الملك، وقال إن اختياره هو صعود في درجات الاستوزار، وتتويج لمسار سابق على رأس مجموعة من الوزارات، بينما دعاه الوزير الأول إلى الاهتمام بالقضايا الاقتصادية، ووعده برئاسة بعض اجتماعات مجلس الوزراء بالنيابة عنه. ظل بوطالب الرجل الثاني في تراتبية الوزراء، لكن بنهيمة سرعان ما سينتبه إلى وجود شخص يدير بشكل أفضل اجتماعات مجلس الحكومة أثناء غيابه فتسللت إلى علاقات الرجلين بوادر الخلاف.
عانى وزير الدولة من غياب وجود ميزانية خاصة لوزارته التي لا يعرف مقرها وموظفيها، وكان عليه انتظار الإفراج عن ميزانية استثنائية لتدبير الوضع، وحين وصلت الشكوى إلى الملك الحسن الثاني قرر اقتطاع ميزانية وزير الدولة من ميزانية الوزير الأول. مما رفع درجة الاستنفار عند الحدود السياسية بين بنهيمة وبوطالب وصلت إلى حد الجفاء. بينما ظل الملك الراحل يرسله في مهام خارجية حاملا رسائل إلى كثير من الزعماء العرب كالملك فيصل، والرئيس جمال عبد الناصر وغيرهما من رؤساء دول العالم العربي والإسلامي. كما ساهم في التحضير لمؤتمر القمة الإسلامي الذي انعقد عام 1969 في الرباط والقمة العربية، وهو ما جعل بعض خصومه السياسيين يلقبونه بساعي بريد الحسن الثاني.

أرسلان الجديدي: وزير الدولة النقابي
دخل أرسلان الجديدي الحكومة من بوابة النقابة، فقد كان زعيما نقابيا قادرا على تعطيل سكة الفوسفاط بخطبة نارية، لكن دخوله لم يكن لمهمة تتعلق بالطاقة والمناجم، كما اعتقد وهو يقف في طابور بالقصر الملكي في انتظار التنصيب الرسمي، بل عهد إليه بالإشراف على وزارة الشغل والشؤون الاجتماعية والشبيبة والرياضة، في عهد حكومة الوزير الأول محمد كريم العمراني الانتقالية، التي لم يتجاوز عمرها سنة واحدة، وهي الحكومة التي دخلها كثير من معارضي النظام السياسيين والنقابيين، لكن أرسلان الجديدي سيغادر الوزارة في الحكومة الثانية لأحمد عصمان، وسيخلفه محمد العربي الخطابي في فترة ظهرت فيها طلائع إدريس البصري، رئيس قسم الولاة الذي انتقل إلى منصب كاتب دولة في الداخلية. عاد أرسلان من جديد لنفس منصبه القديم كوزير لقطاع التشغيل في حكومة الوزير الأول المعطي بوعبيد، لكن صفته السياسية كقيادي في المكتب التنفيذي للتجمع الوطني للأحرار هي التي قادته إلى الوزارة.
لم يستسغ أرسلان خروجه من حكومة يرأسها أحمد عصمان، الرجل الذي يقتسم معه الانتماء إلى حزب التجمع الوطني للأحرار، وحين غادر الوزير الأول منصبه للمعطي بوعبيد، برز تيار بقيادة أرسلان الجديدي يدعو إلى انتزاع الحزب من هيمنة البورجوازية التي أهملت البادية. قبل أن يتحقق الانفصال عن التجمع وظهور حزب جديد ساهم البصري في صناعته "المحلية" إلى جانب عبد الحميد القاسمي، رئيس فريق التجمع في البرلمان، والطاهر الجوطي، وزير الشبيبة والرياضة، وموسى السعدي، وزير الطاقة والمعادن، وعبد القادر بن سليمان، المدير العام للبنك الوطني للإنماء الاقتصادي، والنائب عبد الله القادري، إضافة إلى الدكتورين محمد جلال السعيد وأحمد بلحاج. وقد لعب خلي هنا ولد الرشيد بدوره مهمة حاسمة في ترجيح كفة الأحداث التي أدت لاحقا إلى انفصال أعداد من النواب عن تجمع الأحرار وتشكيل الحزب الوطني الديمقراطي، الذي بدا أنه يحظى بدعم من جهات نافذة في تلك الفترة.
تموقع النقابي على نحو جيد في حكومة تزامنت مع تطبيق سياسة التقويم الهيكلي، وأصبح أرسلان الجديدي وزيرا للشغل وزعيما لحزب سياسي تمكن من انتزاع مقاعد في حكومة المعطي بوعبيد، لكن آخر منصب سياسي سيناله الزعيم الدكالي، هو وزارة الدولة إلى جانب زعماء الأحزاب السياسية، في سياق شبه حكومة وحدة وطنية للسهر على "نزاهة الانتخابات". غير أن الحزب الوطني الديمقراطي، الذي اعتمد منهجية الاستقطاب في البوادي والمراكز الحضرية الصغيرة، سيتراجع دوره أكثر بعد تأسيس الاتحاد الدستوري، فغضب أرسلان من بعض قيادييه، الذين اختاروا حزب المعطي بوعبيد. مات أرسلان الجديدي واختير عبد الله القادري لخلافته على رأس "حزب العروبية"، ونال حقيبة وزارية لمدة لا تزيد عن بضعة شهور.
عبد الله باها: ثاني اثنين إذ هما في غار الحكومة
اضطر الوزير الأول عبد الإله بنكيران إلى تدبير منصب لرفيق دربه عبد الله باها ، فاقترحه على الملك في منصب وزير دولة بدون حقيبة، وحين امتد إليه لسان عامل سيدي بنور أعفاه من مهامه، كان عبد بنكيران يود لو أن باها عين نائبا له، لكن فقهاء القانون في القصر رفضوا الصيغة ونصحوه بصيغة قديمة عفا عنها الدستور. رغم أن البعض اقترح على بنكيران تعيين عبد الله كاتبا للدولة مادام الدستور ينص على إمكانية أن تضم الحكومة كتابا للدولة، إلا أن الإشكال يكمن في أن كاتب الدولة لا يحضر المجالس الوزارية. ولم يتردد رئيس الحكومة في الكشف عن صعوبات تعيين تشكيلته الحكومية، إذ قال في حق الأمين العام للحكومة، إنه الرجل الذي لم يعينه أحد ولم يعترض عنه أحد. وإذا كان الملك الراحل الحسن الثاني غالبا ما يسند للوزراء الذين تم استقطابهم من المعارضة مناصب وزراء دولة بدون حقائب، فإن بنكيران داس على هذا العرف وبحث عن وزير بلا حقيبة من محيطه الحزبي.
يعتبر عبد الله باها وزيرا بدون حقيبة، لكنه المستشار الأول لرئيس الوزراء، استنادا إلى قدرته على تدبير الاختلاف، بل إنه يشكل في تصورات حزب المصباح رجل التوازنات بتقدير جيد جدا، بل إنه رجل ثقة بنكيران الذي عايشه لفترة تتجاوز الثلاثة عقود من الزمن.
ومن النوادر المرتبطة بعلاقة الرجلين، أن باها وصل متأخرا لاجتماع كان يعقده رئيس الحكومة مع بعض الصحافيين، فوصف بنكيران علاقته بباها قائلا "إننا بمثابة ثاني اثنين"، في إشارة إلى قصة أبي بكر الصديق مع الرسول الكريم في غار حراء، لكن باها رد على بنكيران بالقول: " ثاني اثنين إذ هما في الغار، أم في الحكومة؟"، فانفجر الحاضرون ضحكا، وتبين لهم أن صمت الرجل يخفي قفشات لا تقل سخرية عن رفيق دربه بنكيران، الذي يفضل انتدابه في مفاوضات حوار اجتماعي أو في لقاءات أثناء غيابه، بل بعثه إلى موريطانيا في مهمة رسمية في عز الخلاف بين البلدين.
ويجمع الكثير من المتتبعين السياسيين أنه كان من باب أولى إسناد حقيبة وزارية للرجل، بدل مهمة خليفة رئيس الوزراء، لاسيما وأن تكوينه في مجال التكنولوجيا الغذائية يغذي هذا المقترح.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.