بعد ستة أشهر من البلوكاج الحكومي، استطاع حزب العدالة والتنمية أخيرا، تشكيل حكومة يرأسها سعد الدين العثماني؛ إلا أن نصيب الحزب من الوزارات اقتصر على القطاعات الاجتماعية، مثل التشغيل أو التنمية المستدامة والتضامن والنقل وغيرها. هذه القطاعات الاجتماعية، التي تولاها الحزب القائد للائتلاف الحكومي، تعرف بتوالي الإضرابات والاحتجاجات ضدها؛ وهو ما يؤشر على ولاية حكومية يتعرض فيها العدالة والتنمية لأكبر نصيب من الانتقادات من قبل الشعب. وفي المقابل، تنأى باقي الأحزاب الأخرى التي يضمها التحالف الحكومي الذي يقوده حزب "المصباح" بنفسها عن حملة الاحتجاجات. أكبر مستفيد من التعيينات الحكومية كان هو حزب التجمع الوطني للأحرار؛ فهذا الأخير، وعلى الرغم من أنه لم يحصل على نسبة مهمة من الأصوات خلال الانتخابات التشريعية الأخيرة، استطاع أن يحصل لنفسه على أهم القطاعات التي توصف بالإستراتيجية وتغيب عنها الاحتجاجات والإضرابات؛ من قبيل المالية والاقتصاد والفلاحة والصيد البحري وغيرها. عبد الحميد بنخطاب، أستاذ العلوم السياسية، يرى أن أسباب حصول حزب العدالة والتنمية على تسيير القطاعات الاجتماعية راجعة إلى كونه "لا يملك قدرة تفاوضية كبرى"، لافتا إلى أن "قدرته التفاوضية كانت محدودة جدا وتتمثل في شخص عبد الإله بنكيران، إذ بمجرد ما انسحب هذا الأخير اكتشفنا أن الحزب لم يعد له أي فيتو". ويرى بنخطاب أن حزب العدالة والتنمية كانت له أيضا رغبة في الخروج مما كان يسمى ب"مأزق البلوكاج بأي ثمن؛ وهو ما وقع بالفعل"، مؤكدا أن "الرابح الأكبر هو حزب التجمع الوطني للأحرار، الذي استطاع أن يتفاوض وأن يفرض شروطه كلها في حين خرج "البيجيدي" خاسرا". ويؤكد أستاذ العلوم السياسية، في تصريح لهسبريس، أن من أسباب حصول العدالة والتنمية على تسيير القطاعات الاجتماعية، أيضا، كونه "حزب جماهيري يتوفر على قاعدة انتخابية"؛ وهو ما "يفترض أنه الحزب الذي يملك أكبر مشروعية في تدبير هذه القطاعات، باعتبار أن له قاعدة انتخابية جماهيرية تفتقدها باقي الأحزاب.. وإذا ما تدخلوا في هذه القطاعات التي يمكن القول إنه إشكالية وبها احتجاجات لن تكون لهم القدرة على تدبيرها بنوع من المصداقية مثل البيجيدي"، على حد تعبير المتحدث. ويفيد بنخطاب أن هناك نوعين من الأحزاب في التشكيلة الحكومية الحالية: "أحزاب الأطر أو النخبة التي حصلت على الحقائب التقنية" إضافة إلى "الحزب الجماهيري إن صح التعبير الذي حصل على القطاعات الاجتماعية". ويتابع المتحدث قائلا: "للأسف، القطاعات الاجتماعية هي قطاعات فقيرة جدا في الهندسة الحكومية، وتبقى رهينة بالقطاعات الإستراتيجية مثل المالية والداخلية"، قبل أن يعلق قائلا: "في نهاية المطاف، الخاسر الأكبر من الهندسة الحكومية الجديدة هو حزب العدالة التنمية ربح المعركة رمزيا؛ لكنه خسرها سياسيا". ويؤكد أستاذ العلوم السياسية أن العدالة والتنمية "رهن مصيره بالتحالفات مع الأحزاب الحالية وصمودها"، معتبرا أن "التحالفات الحالية هي هشة جدا وأشك في أنها ستصمد مع مرور الوقت إلا إذا تم الاتفاق على أرضية مشتركة وقبل العدالة والتنمية وقواعده بذلك"، يضيف المتحدث ذاته. ويذكر بنخطاب أن النمط الاقتراعي النسبي يمنح ل"الأحزاب الصغرى القدرة على تحقيق مكاسب كبرى في التشكيلات الحكومية"، مؤكدا أن "الأحزاب الصغيرة تأخذ فيها وزنا أكبر من وزنها الانتخابي".