مؤامرات نظام تبون وشنقريحة... الشعب الجزائري الخاسر الأكبر    الاعلام الإيطالي يواكب بقوة قرار بنما تعليق علاقاتها مع البوليساريو: انتصار للدبلوماسية المغربية    الخطوط الملكية المغربية تستلم طائرتها العاشرة من طراز بوينغ 787-9 دريملاينر    مؤتمر الطب العام بطنجة: تعزيز دور الطبيب العام في إصلاح المنظومة الصحية بالمغرب    استقرار الدرهم أمام الأورو وتراجعه أمام الدولار مع تعزيز الاحتياطيات وضخ السيولة    السلطات البلجيكية ترحل عشرات المهاجرين إلى المغرب    الدفاع الحسني يهزم المحمدية برباعية    طنجة.. ندوة تناقش قضية الوحدة الترابية بعيون صحراوية    وفاة رجل أعمال بقطاع النسيج بطنجة في حادث مأساوي خلال رحلة صيد بإقليم شفشاون    أزمة ثقة أم قرار متسرع؟.. جدل حول تغيير حارس اتحاد طنجة ريان أزواغ    جماهري يكتب: الجزائر... تحتضن أعوانها في انفصال الريف المفصولين عن الريف.. ينتهي الاستعمار ولا تنتهي الخيانة    موتمر كوب29… المغرب يبصم على مشاركة متميزة    استفادة أزيد من 200 شخص من خدمات قافلة طبية متعددة التخصصات    حزب الله يطلق صواريخ ومسيّرات على إسرائيل وبوريل يدعو من لبنان لوقف النار    جرسيف.. الاستقلاليون يعقدون الدورة العادية للمجلس الإقليمي برئاسة عزيز هيلالي    دعوات لإحياء اليوم العالمي للتضامن مع الفلسطينيين بالمدارس والجامعات والتصدي للتطبيع التربوي    ابن الريف وأستاذ العلاقات الدولية "الصديقي" يعلق حول محاولة الجزائر أكل الثوم بفم الريفيين    توقيف شاب بالخميسات بتهمة السكر العلني وتهديد حياة المواطنين    بعد عودته من معسكر "الأسود".. أنشيلوتي: إبراهيم دياز في حالة غير عادية    مقتل حاخام إسرائيلي في الإمارات.. تل أبيب تندد وتصف العملية ب"الإرهابية"    الكويت: تكريم معهد محمد السادس للقراءات والدراسات القرآنية كأفضل جهة قرآنية بالعالم الإسلامي    هزة أرضية تضرب الحسيمة    ارتفاع حصيلة الحرب في قطاع غزة    المضامين الرئيسية لاتفاق "كوب 29"    مع تزايد قياسي في عدد السياح الروس.. فنادق أكادير وسوس ماسة تعلم موظفيها اللغة الروسية    شبكة مغربية موريتانية لمراكز الدراسات    ترامب الابن يشارك في تشكيل أكثر الحكومات الأمريكية إثارة للجدل    تنوع الألوان الموسيقية يزين ختام مهرجان "فيزا فور ميوزيك" بالرباط    خيي أحسن ممثل في مهرجان القاهرة    الصحة العالمية: جدري القردة لا يزال يمثل حالة طوارئ صحية عامة    مواقف زياش من القضية الفلسطينية تثير الجدل في هولندا    بعد الساكنة.. المغرب يطلق الإحصاء الشامل للماشية    توقعات أحوال الطقس لليوم الأحد        نادي عمل بلقصيري يفك ارتباطه بالمدرب عثمان الذهبي بالتراضي    مدرب كريستال بالاس يكشف مستجدات الحالة الصحية لشادي رياض    الدكتور محمد نوفل عامر يحصل على الدكتوراه في القانون بميزة مشرف جدا    فعاليات الملتقى العربي الثاني للتنمية السياحية    ما هو القاسم المشترك بيننا نحن المغاربة؟ هل هو الوطن أم الدين؟ طبعا المشترك بيننا هو الوطن..    ثلاثة من أبناء أشهر رجال الأعمال البارزين في المغرب قيد الاعتقال بتهمة العنف والاعتداء والاغتصاب    موسكو تورد 222 ألف طن من القمح إلى الأسواق المغربية        ⁠الفنان المغربي عادل شهير يطرح فيديو كليب "ياللوبانة"    أفاية ينتقد "تسطيح النقاش العمومي" وضعف "النقد الجدّي" بالمغرب    مظلات ومفاتيح وحيوانات.. شرطة طوكيو تتجند للعثور على المفقودات    الغش في زيت الزيتون يصل إلى البرلمان    المغرب يرفع حصته من سمك أبو سيف في شمال الأطلسي وسمك التونة    قوات الأمن الأردنية تعلن قتل شخص بعد إطلاقه النار في محيط السفارة الإسرائيلية    المخرج المغربي الإدريسي يعتلي منصة التتويج في اختتام مهرجان أجيال السينمائي    حفل يكرم الفنان الراحل حسن ميكري بالدار البيضاء    كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة    الطيب حمضي: الأنفلونزا الموسمية ليست مرضا مرعبا إلا أن الإصابة بها قد تكون خطيرة للغاية    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



انتخابات مجلس المستشارين.. «الخيانة» تخلط أوراق الأحزاب السياسية
سيناريو تحالف الكتلة الديمقراطية والعدالة والتنمية يبقى العنوان الأبرز للمرحلة المقبلة
نشر في المساء يوم 19 - 10 - 2015


محمد أحداد
لأول مرة في ظرف أكثر من عقد من الزمن السياسي المغربي، يقع الفرز السياسي بشكل يحترم الحد الأدنى من المنطق السياسي: أحزاب الكتلة الديمقراطية ممثلة في الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية والتقدم والاشتراكية وحزب الاستقلال إلى جانب حزب العدالة والتنمية تصطف في خندق واحد لتصوت على عبد الصمد قيوح، مرشح حزب الاستقلال لنيل منصب رئيس مجلس المستشارين. وإذا كان حزب الأصالة والمعاصرة الذي فاز مرشحه حكيم بنشماس قد استطاع أن يخلف زميله في الحزب الشيخ بيد الله على رأس المؤسسة البروتوكولية الرابعة في الدولة بشق الأنفس، فإن نتائج الانتخابات بينت أن عقد ما كان يسمى بأحزاب المعارضة قد انفرط بشكل واضح، وبين أيضا أن الأحزاب التي كانت تحمل سمة الإدارة صوتت لحزب الأصالة والمعاصرة. ما الذي حدث حتى تعاد «الضمسة» من جديد؟ وهل يمكن الحديث فعلا عن بروز تقاطبات حزبية متينة قد تغير ملامح الخريطة السياسية في أفق الانتخابات التشريعية المقبلة.
الذي حدث أنه لا أحد كان يتوقع أن يكتسح حزب العدالة والتنمية، بل حتى أن التحالف الرباعي لأحزاب المعارضة كانت تنسق قبل الانتخابات للتداول في حسم التحالفات داخل المدن الكبرى. هذا الفوز غير المتوقع لإخوان بنكيران جعل الفاعل السياسي يتحرك ويراجع أوراقه، وجعل خصوم الأمس يصيرون أصدقاء اليوم. بصيغة أخرى، أحدثت النتائج شرخا كبيرا داخل أحزاب المعارضة وصلت في لحظاته القصوى إلى إعلان حميد شباط، الأمين العام لحزب الاستقلال الطلاق البائن مع حزب الأصالة والمعاصرة الذي كان أحد أبرز أحزاب المعارضة، وفوق ذلك إعلان «المساندة النقدية» لعدوه اللدود عبد الإله بنكيران الذي خاض معه حرب استنزاف طويلة منذ أن وصل إلى زعامة حزب «علال».
تفاعلات نتائج الانتخابات الجماعية والجهوية، التي شهدت أيضا فوز حزب الأصالة والمعاصرة برئاسة 5 جهات كبرى بالمغرب، زرعت الكثير من بذور الشك في صفوف حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية إلى درجة أن إدريس لشكر قال بشكل صريح إن البام حاول لي ذراعه في انتخابات الجهات.
بطبيعة الحال، السذج وحدهم يصدقون أسطورة تماسك الأغلبية الحكومية، ويصدقون أيضا أن حزب العدالة والتنمية والأحرار خاضا معركة رئاسة مجلس النواب في مواجهة الرئيس السابق كريم غلاب في صف واحد وعلى قلب واحد، وأن هذه المعركة الحاسمة عضدت تلاحم الأغلبية الحكومية. كانت تلك لحظة من اللحظات السوريالية للمشهد السياسي المغربي سرعان ما تبددت خلال تشكيل مكاتب مجالس الجهات، ثم صارت أكثر وضوحا في انتخابات مجلس المستشارين.
الآن، نحن أمام قطبين كبيرين: الأول يتشكل من أحزاب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية والاستقلال والتقدم والاشتراكية والعدالة والتنمية، والثاني يتكون من أحزاب الأصالة والمعاصرة والتجمع الوطني للأحرار والاتحاد الدستوري وبعض الأحزاب الصغيرة. في الأحوال العادية كان بالإمكان أن تكون هذه التحالفات قائمة منذ الانتخابات التشريعية الماضية لكن الاتحاديين رفضوا الانضمام إلى الأغلبية الحكومية فيما انسحب الاستقلال في نصف الطريق، ولأن حالة المشهد السياسي المغربي مليئة بالمتناقضات فقد انضم الأحرار إلى التحالف الحكومي فيما اختار الاستقلاليون صف المعارضة.
الإسلاميون كانوا يقولون منذ البداية إن تحالفهم الطبيعي هو مع الكتلة الديمقراطية، لكن التحكم في الأحزاب، في اعتقادهم ضيع على المغاربة فرصة ذهبية للقيام بإصلاحات جوهرية تحت مظلة التوافق. الطرف الآخر من المعارضة يقول إن الاشتغال مع حزب العدالة والتنمية خط أحمر لأن غاياته تتجاوز منطق التدافع السياسي. وبين التيارين ضاع الكثير من الوقت الحكومي في مهاترات فارغة، واحتكم الطرفان إلى لغة ما تحت الحزام وصلت حد إطلاق اتهامات بالعمالة للموساد والولاء لداعش وتجارة الكوكايين.
مهما كانت التحليلات، فإن لحظة انتخاب رئيس جديد لمجلس المستشارين، ستعيد تشكيل التحالفات السياسية، وستبسط خارطة سياسية جديدة مدموغة بتفكك أحزاب المعارضة وتقارب الاستقلال والاتحاد والإسلاميين. نبيل بن عبد الله، الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية قال في حوار سابق مع «المساء» إن حزبه وجد صيغة وسطى للاشتغال مع حزب العدالة والتنمية قوامها المعقول والثقة والالتزام، فهل ستقتنع هذه الأحزاب بالوصفة التي قدمها زعيم «الشيوعيين المغاربة» في تبديد جليد الخلاف السياسي والإيديولوجي بين هذه الأحزاب.
من جهة أخرى، ينبغي التأكيد على أن فوز حزب الأصالة والمعاصرة برئاسة مجلس المستشارين سيغذي كثيرا العداوة «الثابتة» بينه وبين حزب العدالة والتنمية بل إن التحليلات التي كانت تذهب باتجاه تبلور قطبية حزبية محورها الإسلاميون والحداثيون، ستكون أكثر صوابا مع تدشين الدخول السياسي. لقد أظهر حزب العدالة والتنمية أنه مستعد لفعل كل شيء من أجل إسقاط حزب الأصالة والمعاصرة حتى ولو تعلق الأمر بالتصويت على مرشح لحزب حاربه طويلا في العمر القصير للحكومة، بينما سيبحث حزب الأصالة والمعاصرة عن تقاطبات أكثر تماسكا وقوة لمواجهة الإسلاميين والمتحالفين معهم.
يإيجاز شديد، فإن تفاعلات انتخابات مجلس المستشارين ليست حدثا عاديا، بل لحظة أعادت إلى الواجهة من جديد خطاب «التحكم»، وأظهرت أيضا هشاشة الأغلبية الحكومية، وهشاشة المعارضة، وتآكل بعض البنيات الحزبية لكنها في المجمل أكدت أن لعبة الاحتمالات الخاصة بالانتخابات التشريعية المقبلة ستكون أكثر تعقيدا وضراوة..لننتظر.
احرزير: «الأغلبية أصحبت محكومة بالنفاق بعد فشلها في تدبير التحالفات»
مصطفى الحجري
من جديد عرت انتخابات رئاسة مجلس المستشارين عن حجم الخيانات المكشوفة التي تمت داخل تحالف حكومي أصبح رهينا بأغلبية تدين بعض مكوناتها بولاء ودعم سياسي مفضوح للمعارضة.
عدد من المتتبعين يؤكدون أن تصويت الحركة الشعبية من داخل الأغلبية لفائدة مرشح حزب المعارضة، حكيم بنشماش، كان متوقعا في ظل تاريخ الحزب، وسوابقه في تدبير التحالفات والتعاطي مع المناصب، وأيضا في ظل ما عرفته انتخابات الجهات والجماعات من انقلاب لحزبي الحركة الشعبية والأحرار على الأغلبية، التي أصبحت مجبرة على التعايش في ظل حالة نفاق ستستمر إلى حين إجراء الانتخابات التشريعية وفق احرزير عبد المالك، أستاذ العلوم السياسية بجامعة المولى إسماعيل بمكناس.
واقع الأغلبية الحالي يجسده المثل المغربي من «الخيمة خرج مايل»، بحكم الملابسات والظروف التي أحاطت بتشكيل حكومة بنكيران، سواء في نسختها الأولى أو الثانية، مع انسحاب حزب الاستقلال، وفي هذا السياق يقول احرزير إن الأغلبية لم تكن مرتبطة منذ البداية بتحالف أخلاقي بشكل يسعف على ترجمة الحقائق السياسية التي أفرزتها صناديق الاقتراع بعد الانتخابات الجماعية الأخيرة، بحكم أن العدالة والتنمية ربح رهان هذه الاستحقاقات، وكان المنطق السياسي يفرض على الأحرار والحركة مساندته، غير أنهما اختارا العكس.
هذا الموقف، قال احرزير إن دوافعه تبقى مقرونة بعلامات استفهام كثيرة حول دور بعض الأحزاب، والجهة التي تتحكم في توجيه دفة الاختيارات داخلها، ومن يصنع قراراتها الاستراتيجية، في ظل الحديث عن تعليمات تصدر وتتم ترجمتها من قبل هذه الأحزاب من خلال مواقف تتناقض تماما مع التحالف.
كما أن هذه المواقف تتناقض مع وجودها ضمن أغلبية حكومية سطرت، من بين أهدافها المعلنة، السير بشكل جماعي، وفق تعهد شفوي تنكرت له كل من الحركة الشعبية والتجمع الوطني للأحرار حسب احرزير، فيما بقي حزب التقدم والاشتراكية محافظا على موقفه.
احرزير اعتبر أن الإسراف في تحليل موقف حزبي الحركة الشعبية والأحرار في تدبير التحالفات، وانخراطها في لعبة الانقلاب على الأغلبية، يعد إهدارا للوقت بالنظر إلى تاريخ الحزبين الذي يعطي دليلا واضحا حول المواقف المتذبذبة، ولعبة القفز حول الحبال التي كانت الأساس في تدبير العلاقات مع باقي المكونات، وقال إن ما حدث ليس مفاجأة، ويحيل من جديد على مصطلح «أحزاب الإدارة»، الذي كان يستعمل من طرف قوى اليسار، وقال احرزير إن الإدارة «ربما تخلت عن هذه الأحزاب لكن هذه الأخيرة لم تستطع التخلي عن سلوكها».
غير أن الاستناد إلى تاريخ الأحزاب الإدارية لتبرير الحالة الشاذة التي أصبحت عليها الأغلبية، لا يعفي حزب العدالة والتنمية من المسؤولية السياسية، بحكم تعاميه عن سوابق هذه الأحزاب ومرجعيتها، وارتمائه في حضن تحالف يعلم مسبقا أنه يجمع مكونات غير متجانسة، وهي مسؤولية قلل احرزير من ثقلها بحكم أن حزب بنكيران لم يكن يملك البديل، بعد أن أدار حزب الاتحاد الاشتراكي وجهه مباشرة بعد الكشف عن نتائج الانتخابات التشريعية التي منحت لحزب العدالة والتنمية الصدارة، ليكون الحل في جمع أغلبية من أطراف تتغير وتتلون حسب المناخ السياسي، وحسب الأهواء والمصالح، وتتحكم فيها براغماتية غير مضبوطة.
وقال احرزير إنه في معظم دول العالم لا يوجد حزب يمكنه الاكتساح وتحقيق الأغلبية المطلقة، وبالتالي فإن التحالفات تبقى ضرورة ملحة، لكن السعي إليها يجب أن ينبني على الأخلاق وعلى الأسس والقواعد.
هذه الأخيرة ليس بالضرورة أن تكون مذهبية، بل يمكن أن تتشكل وفق قواعد برنامجية كما هو الحال في الدول التي تحترم نفسها، لكن -يضيف احرزير- «للأسف نحن وجدنا أنفسنا أمام مجموعة من المكونات الحزبية التي توزعت المقاعد بينها، ليجد رئيس الحكومة نفسه أمام إكراه جمع شتات الأغلبية مع هامش جد ضيق للمناورة، الأمر الذي جعله يصاحب حزبي الحركة الشعبية والتجمع الوطني للأحرار رغم خلفيتهما السياسية، وبالتالي فالتحالف لم يكن مرتبطا أساسا بالبرنامج، أو بمدى وجود التزام سيتم العمل عليه بشكل مشترك».
حالة النفاق التي ستتحكم في تعامل الأطراف المكونة للأغلبية بعد كل ما حصل من فشل صارخ في تدبير التحالفات، ستكون تداعياتها محدودة على سير العمل الحكومي، إلا أن أعراضها الجانبية قد تمتد إلى الانتخابات التشريعية المقررة سنة 2016، وفي هذا السياق قال احرزير إن حالة النفاق ستستمر وستبقى الحكومة رهينة لها، غير أن الخاسر الأكبر فيها قد يكون هو حزب العدالة والتنمية إذا ما فضل الدخول في أوراش لها حساسية كبرى بالنسبة للمجتمع، مثل المقاصة والتقاعد رغم طابعهما الاستعجالي، لأنه قد يتحمل وحده كلفة ذلك في ظل الاصطفاف السابق لأوانه لحزبي الحركة الشعبية والأحرار في تحالف مغاير بدأت معالمه تظهر منذ الآن، وقال احرزير إن كلفة الدخول في هذه الإصلاحات قد يتحملها حزب العدالة والتنمية في الاستحقاقات التشريعية، رغم النتائج التي حققها في الانتخابات الجماعية والجهوية.
وحول الخلل الموجود في تدبير التحالفات من طرف الأحزاب المغربية، قال احرزير إن التحالف السياسي يتطلب نوعا من نكران الذات من طرف الأحزاب، لكن الواقع المغربي عكس ذلك، خاصة إذا عدنا للوراء ووقفنا عند ملابسات خروج سعد الدين العثماني من التشكيلة الحكومية بضغط من الأحرار، بعد أن رضخ بنكيران لابتزاز واضح رافق الولادة القيصرية للنسخة الثانية للحكومة، تحت طائلة الذهاب لانتخابات مبكرة.
هذه الملابسات، حسب احرزير، تكشف بشكل واضح الطريقة التي تدار بها المفاوضات، وبالتالي فإن التحالفات البعدية لن تختلف عنها كثيرا، بعد أن خرجت من رحم مشوه لتجمع بين اليمين واليسار.
كما أن هذا الواقع يكشف أيضا وبشكل ملموس حجم الاستخفاف الذي تتعامل به الأحزاب مع العمل السياسي والعمل الحكومي، حسب احرزير الذي قال إن «الانتماء السياسي يختفي بشكل مطلق في ظل التهافت المحموم على المناصب والحقائب، علما أن هذا الأمر كان من بين الأخطاء القاتلة التي ارتكبها حزب الاتحاد الاشتراكي».
هل تتحالف أحزاب الحركة الوطنية مع «البيجيدي» لمواجهة الأحزاب الإدارية؟
خديجة عليموسى
برزت صورة جديدة خلال انتخاب رئيس مجلس المستشارين عن المشهد السياسي بالمغرب، تمثلت في التقاء كل من حزب الاستقلال وحزب العدالة والتنمية والتقدم والاشتراكية والاتحاد الاشتراكي بعد التصويت لصالح مرشح المعارضة عبد الصمد قيوح، الذي خسر معركة الرئاسة بفارق صوت واحد.
التصويت لصالح مرشح حزب الاستقلال، بعد انسحاب مرشح الأغلبية عبد اللطيف أعمو من التباري بسبب عدم قدرة امحند العنصر، الأمين العام لحزب الحركة الشعبية، على إلزام مستشاريه بالتصويت لصالح أعمو، (التصويت) حمل عددا من الرسائل وفق المتتبعين وتصريحات السياسيين مفادها أنه يمكن الرهان خلال استحقاقات 2016 على تشكيل تحالف يضم كلا من حزب العدالة والتنمية وحزب الاستقلال وحزب التقدم والاشتراكية والاتحاد الاشتراكي، وذلك مقابل بروز تحالف آخر يضم ما يصطلح عليه بالأحزاب الإدارية، والمتمثلة في كل من حزب الأصالة والمعاصرة وحزب التجمع الوطني للأحرار وحزب الحركة الشعبية وحزب الاتحاد الدستوري.
التحالفات التي عرفتها مرحلة ما بعد التناوب الحكومي أظهرت أنها هشة ولم تعمر طويلا، ولا أدل على ذلك ما شهدته الحكومة الحالية من انسحاب حزب الاستقلال إضافة إلى أن المعارضة لم تكن معارضة واحدة بل كانت هناك معارضات متعددة، وفق ما أكده إدريس لكريني، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاضي عياض بمراكش، والذي أشار، في تصريح ل«المساء» إلى أن المرحلة الحالية شكلت فرصة للكثير من الفاعلين السياسيين لإعادة النظر في تموقعاتهم وتحالفاتهم السابقة من قبيل التحالف الثماني «جي8»، أو التحالف الحالي، والذي كان في فترة يعتبر بمثابة نوع من التسابق مع تطورات الحراك العربي ولوجود ضغوطات داخلية وإقليمية وهو ما أثر على متانة التحالفات.
وقد أبانت الانتخابات الجهوية والمحلية عن تماسك تحالف كل من حزب العدالة والتنمية وحزب التقدم والاشتراكية، إذ لم يخرج هذان الحزبان عن الاتفاق الذي كان قائما بين أحزاب الأغلبية، في الوقت الذي انقلب فيه حزب التجمع الوطني للأحرار على التحالف فصوت لصالح مرشحي المعارضة في عدد من الجماعات والجهات أبرزها جهة طنجة تطوان الحسيمة كما صوت أعضاء الحركة الشعبية.
هذه التغييرات التي شهدتها الانتخابات المحلية والتي انتهت بانتخاب مجلس المستشارين أدت إلى بروز تيارين الأول يتمثل في ما يمكن أن يطلق عليه بتحالف الأحزاب الوطنية والديمقراطية، والتي تتمثل في كل من حزب العدالة والتنمية وحزب الاستقلال وحزب الاتحاد الاشتراكي وحزب التقدم والاشتراكية، وتحالف آخر يضم الأحزاب الذي يمكن أن توصف بأنها أحزاب التحكم والأحزاب الإدارية، وفق ما يراه عدد من المتتبعين والمحللين السياسيين، في حين هناك من يرى عكس ذلك ومنهم لكريني، الذي أكد في هذا السياق، في تصريح ل«المساء»، أن ما وقع خلال هذه المرحلة سواء تعلق الأمر بالانتخابات المحلية أو الانتخابات الجهوية أو انتخابات مجلس المستشارين، أبان عن وجود تكتلين أساسيين واضحي المعالم الأول يهم انضمام الاستقلال إلى العدالة والتنمية لكون لهما من العناصر المشتركة أكثر مما يفرقهما على اعتبار أن لهما نفس المرجعية والإيديولوجية إلى جانب كونهما حزبين قويين، بينما يوجد تكتل آخر يمكن أن يكون قويا وهو تكتل اليسار لذلك، حسب أستاذ العلوم السياسية، فإن حزب التقدم والاشتراكية عليه أن يعيد لحمة اليسار وبعض الدينامية خلال الانتخابات المقبلة وذلك لأن التجربة أبانت، وفق رأيه، عن هشاشة التحالفات الفوقية، وهو ما يجعل هناك تموقع جديد لليسار من أجل القيام بتحالفات استراتيجية بعيدة عن التحالفات المرحلية خصوصا وأن هناك الكثير من المستجدات الدستورية ورهان الجهوية والكثير من القضايا التي تفرض تحالفات في مستوى المرحلة لاسيما أن الثنائية أثبتت في الكثير من الدول نجاعتها في إعطاء دينامية للمشهد السياسي.
السليمي: سنكون أمام ائتلاف سياسي هجين من مكونات المعارضة والأغلبية
عادل نجدي
كشفت انتخابات رئاسة مجلس المستشارين الثلاثاء الفائت، عن تحول جديد في خريطة التحالفات الحزبية، على بعد سنة من محطة الانتخابات التشريعية لسنة 2016، بعد أن اختار حزبا الحركة الشعبية والتجمع الوطني للأحرار، الانقلاب على تحالفاتهما الحكومية والإطاحة بمرشح الأغلبية قبل بدء النزال الانتخابي، والتصويت لصالح مرشح حزب الأصالة والمعاصرة، المصطف في صف المعارضة.
وإذا كانت استحقاقات 4 شتنبر 2015 وما تلاها من انتخابات رؤساء الجهات وانتخاب رئيس أول غرفة ثانية في ظل دستور المملكة الجديد، قد أظهرت بالملموس أن تحالفات الأحزاب المغربية بالغة الهشاشة ومرشحة لانفراط عقدها في أي لحظة وحين، فإن السؤال الذي يطرحه المراقبون في ظل انقلاب الحركيين والأحرار، عن سبق إصرار وترصد، على تحالف الأغلبية هو: هل نحن أمام محاولة لبعث الروح من جديد في تحالف ومشروع «جي 8 «بقيادة «البام» قبل سنة من محطة 2016؟
في صباح الأربعاء 5 أكتوبر 2011 سيعلن عن ميلاد «التحالف من أجل الديمقراطية»، بمشاركة كل من حزب التجمع الوطني للأحرار والأصالة والمعاصرة والحركة الشعبية والاتحاد الدستوري والحزب العمالي والحزب الاشتراكي واليسار الأخضر وحزب النهضة والفضيلة، كتحالف يسعى إلى بناء «المشروع الحداثي الديمقراطي». ولم يتطلب ميلاد التحالف كثيرا من الجهد، فبعد أن بدأت فكرة التحالف بأربعة أحزاب، التجمع الوطني للأحرار والاتحاد الدستوري والحركة الشعبية والأصالة والمعاصرة، تم الانتقال إلى تحالف ثماني، باستقطاب الحزب العمالي والنهضة والفضيلة واليسار الأخضر والحزب الاشتراكي.
صحيح أن إعلان التحالف من أجل الديمقراطية، شكل منعطفا جديدا في طبيعة التحالفات السياسية التي طبعت الحياة الحزبية منذ الاستقلال، إذ أنهت فكرة التحالف بين اليسار واليمين والإسلاميين، خصوصية التحالفات التي ظلت تستند إلى الهوية السياسية أو الانتماء الإيديولوجي، بيد أن نتائج محطة 25 نونبر 2011 أطاحت بحلم تشكيل الأغلبية وقيادة حكومة ما بعد الربيع العربي، بل وكشفت أن مكونات التحالف لم تستطع الاستمرار فيه رغم اعتباره استراتيجيا منذ الإعلان عن ميلاده، انسجاما مع ميثاقه التأسيسي الذي يلزم الموقعين عليه بالاشتغال في الحكومة مجتمعين، أو الانتقال إلى المعارضة بشكل جماعي. وبدا واضحا أمام اكتساح الإسلاميين لصناديق الاقتراع، أن عقد «جي 8» قد انفرط، بعد أن لم تجد بعض مكونات التحالف، حزب الحركة الشعبية، غير التملص منه والانتقال إلى تحالف الأغلبية.
ولم يمنع فشل النسخة الأولى التي كان يقودها صلاح الدين مزوار، رئيس التجمع الوطني للأحرار، الواقفين وراء فكرة التحالف، من تكرار التجربة ومحاولة نسج تحالف جديد يتكون من ضلعين أساسيين: ضلع يضم أحزاب المعارضة (الاستقلال والاتحاد الاشتراكي والأصالة والمعاصرة والاتحاد الدستوري)، فيما يتكون الضلع الثاني من المعارضة الاجتماعية ويضم أربع نقابات (الاتحاد العام للشغالين بالمغرب والاتحاد المغربي للشغل والكونفدرالية الديمقراطية للشغل والفدرالية الديمقراطية للشغل). غير أن هذه النسخة كان مصيرها الفشل كذلك، بعد أن أفسدت انتخابات 4 شتنبر وما تلاها من انتخابات رؤساء الجهات ورئاسة مجلس المستشارين الود بين الاستقلال و«البام» على وجه الخصوص.
وبالنسبة لعبد الرحيم منار السليمي، أستاذ العلوم السياسية، ورئيس المركز المغاربي للدراسات الأمنية وتحليل السياسات، فإن من التطورات الجديدة التي يعرفها الحقل السياسي ظهور ملامح حرب مستقبلية بين حزب العدالة والتنمية ومجموعة جديدة تضم «البام» والتجمع والحركة الشعبية والاتحاد الدستوري، وقال في تصريحات ل«المساء»: «هي رباعية إلى حد الساعة، لكنها قد تتوسع في المستقبل، ويبدو أنه خطأ جديد سيصطاده حزب العدالة والتنمية لتوظيفه في الانتخابات النيابية في سنة 2016»، مشيرا إلى أن المواجهة بين حزب بنكيران والمجموعة ستبدأ من داخل مكونات الحكومة هذه السنة، فالوضع غير عادي لأن الحكومة باتت مشتتة بين المعارضة والأغلبية وستكون أمامها سنة صعبة.
وحسب السليمي، فإنه من المتوقع أن تؤثر التداعيات التي انطلقت منذ انتخابات مجالس الجهات والجماعات على عمل الأحزاب المكونة للحكومة، التي انتقلت من تحالف حكومي إلى مجرد ائتلاف حاكم مضطر للحفاظ على حد أدنى من التعايش إلى حدود الانتخابات النيابية المقبلة. وسيظهر هذا التأثير في إمكانية نشوء صراع بين المكونات الوزارية لحكومة عبد الإله بنكيران، فالكل يتذكر الصراع الذي نشأ في آخر سنة من عمر حكومة عباس الفاسي بين الوزير الأول ووزير المالية السابق صلاح الدين مزوار، وقد نكون أمام نفس المشهد بين رئيس الحكومة ووزراء من أحزاب الائتلاف الحكومي، لأن التوجه الآن سيكون نحو انتخابات سنة 2016.
ويرى رئيس المركز المغاربي للدراسات الأمنية وتحليل السياسات، أننا سنكون مع ال«جي 4» التي تضم «البام» والتجمع والحركة الشعبية والاتحاد الدستوري أمام ائتلاف سياسي هجين من مكونات المعارضة والأغلبية، لافتا إلى أن حزب العدالة والتنمية بدأ يشم رائحة مجموعة الثمانية التي قد تعود، ولكن بحجم أصغر أو مكونات جديدة، لافتا إلى أن الأخطاء السياسية ستكون كثيرة قبل انتخابات 2016 ولن يصل أي حزب إلى الانتخابات المقبلة على شكله الحالي، فالتغير الحزبي حدث في الرابع من شتنبر ولن يتوقف إلا في نهاية انتخابات 2016 وتشكيل الحكومة المقبلة.
وفي انتظار أن تتكشف، خلال الأسابيع القادمة، الخطوات التي سيقدم عليها الساعون إلى إحياء مجموعة «جي 8» لحصد انتصار انتخابي يقودهم لقيادة الحكومة القادمة بدل الإسلاميين، تواجه الأحزاب الموصوفة بالوطنية والديمقراطية امتحان قدرتها على التحالف في مواجهة ما تعتبره أحزاب التحكم والإدارة؟
بنخطاب: التحالفات المتمخضة عن انتخابات مجلس المستشارين ظرفية وأحزاب الإدارة ولدت لتكون في الحكومة
تنبأ بتشكل قطبية حزبية بين البيجيدي وفيدرالية اليسار
يرى عبد الحميد بنخطاب، أستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط، أن الحديث عن وجود تقاطبات حزبية متمخضة عن انتخابات مجلس المستشارين الأخيرة لا يستند على أي شرعية سياسية أو إيديولوجية. ولذلك، يرفض بنخطاب الحديث عن بروز تحالفات جديدة في الساحة السياسية المغربية. بالمقابل يتنبأ بتشكل قطبية ثنائية بين حزبي العدالة والتنمية وفيدرالية اليسار، لأنهما يمتلكان مشروعين متناقضين.
حاوره – محمد أحداد
- أعلنت نتائج انتخابات مجلس المستشارين عن تفكك المعارضة والأغلبية، ما قراءتك لهذه النتائج؟
أعتقد أن كلا من تحالف المعارضة والأغلبية كانا هشين منذ البداية، وكان هذا التفكك الصارخ واضحا جدا خلال انتخابات مجلس المستشارين. الذي أود قوله في هذا الصدد أن الانتخابات بينت أننا أمام قطبية سياسية ظرفية مرتبطة بلحظة سياسية عابرة، بمعنى آخر ليس هناك سند واحد للقول إن الانتخابات الأخيرة أفرزت تحالفات جديدة في الساحة السياسية. أعتقد أن القطبية التي يمكن أن تنشأ في المستقبل، هي قطبية ذات محورين: العدالة والتنمية وفيدرالية اليسار، لأنهما يمتلكان مشروعين متناقضين، الأول محافظ والثاني تقدمي حداثي، وبنكيران كان ذكيا جدا حينما قال إن فيدرالية اليسار ستحصل في الانتخابات المقبلة على أصوات أكثر. لكن هذا القطب اليساري لا يمكن أن يتحقق إذا لم تكن هناك رغبة حقيقية لتوحيد أحزاب اليسار المؤمنة بالمشروع الحداثي. ما حدث خلال انتخابات مجلس المستشارين من تصويت غريب، أفضى إلى إبراز قطبين كبيرين هما أحزاب الكتلة الديمقراطية بالإضافة إلى حزب العدالة والتنمية في مقابل الأحزاب التي توصف بالإدارية، كان ظرفيا ويمكن أن يتغير في أي لحظة حسب المزاج السياسي.
- لكن التقارب بين الأحزاب المشكلة للكتلة الديمقراطية والعدالة والتنمية بدا واضحا جدا، إلى درجة أن حزبي الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية والاستقلال أعلنا عن نهاية تحالفها مع الأصالة والمعاصرة..هل يمكن أن يستمر هذا التحالف؟
قلت لك إنه تحالف مرحلي، لأنه ليس مبنيا على قناعات سياسية أو إيديولوجية صلبة، وقد يتفكك في أي لحظة كما تفككت الأغلبية والمعارضة خلال الانتخابات الأخيرة. أرى أن هذا التحالف قائم بالأساس على المناورة السياسية لجس نبض الفاعلين السياسيين في مختلف المراكز، ثم ستعود الأمور إلى مجراها الطبيعي، ليستمر المشهد بقطبين هما البيجيدي والأصالة والمعاصرة في المدى القريب على الأقل. على هذا الأساس، أتصور أن فيدرالية اليسار تتوفر على جميع المقومات الهوياتية والإيديولوجية لتشكل قطبا بديلا للمشروع المحافظ لحزب العدالة والتنمية.
- بيد أن فيدرالية اليسار حصلت على نتائج ضعيفة في الانتخابات الماضية..
ينبغي أن ندرك أن تصويت المغاربة في الانتخابات الأخيرة لم يكن لا تصويتا سياسيا ولا عقابيا ولا تصويتا على برامج سياسية، بل كان تصويتا يقوم على ثنائية الخير والشر، أي أن الناس صوتوا للحزب الذي يرونه يدافع عن الخير ويحارب الفساد، ولو كانت فيدرالية اليسار قوية بما يكفي كانت ستنال أصواتا أكثر. إنه تصويت «أخلاقي» إذا أردنا الدقة أكثر، حيث وظف كثيرا مصطلح «نظيف اليد» خلال الانتخابات الجهوية والجماعية الأخيرة.
- لماذا لا يمكن أن تستمر التحالفات المتمخضة عن انتخابات مجلس المستشارين؟
أنا أعتبرها ائتلافات سياسية مرتهنة بلحظة تاريخية معينة ولا يمكن أبدا أن تستمر في المستقبل، لأنه ليس هناك أي تجانس بين الأحزاب التي صوتت، سواء على حكيم بنشماس أو عبد الصمد قيوح. انتخابات الغرفة الثانية كانت عبارة عن تصويت على الأشخاص وليس على البرامج السياسية. كيف يمكن أن نفهم أن حزب العدالة والتنمية والاستقلال كانا عدوين حقيقيين طيلة السنوات الماضية ثم يقرر الحزب أن يصوت عليه في انتخابات المجلس، فقط لأن المرشح المنافس للاستقلال ينتمي إلى الأصالة والمعاصرة. إنه نوع من السلوك السياسي، أكثر منه تصويت مرتكز على قناعات، وكان بالإمكان أن يبقى أوعمو في سباق الترشح لتظهر تحالفات أخرى. هذه الاصطفافات الظرفية القائمة على قدرة الأشخاص على جمع أكبر عدد من الأصوات، لا تعطي أي بوادر أو مؤشرات جدية بأننا سنكون أمام تقاطب سياسي جديد في الساحة السياسية المغربية. والذين يتحدثون عن هذا التقاطب لا يقولون إن الأحزاب الإدارية ولدت كي تكون في الحكم، ولا يمكن إطلاقا أن تكون خارج الحكومة، لأنها بذلك تفقد أسباب بقائها وتفقد وهجها أيضا، فكل ما يهمها في الأخير الاستمرار في الاشتغال من داخل الحكومة. بصيغة أكثر وضوحا، لا يمكن لهذه الأحزاب أن تشكل تقاطبا حقيقيا لأنها في الأخير ستضطر للتحالف مع الجميع، وقد رأينا كيف أن حزب التجمع الوطني للأحرار دخل إلى الحكومة بعد خروج حزب الاستقلال منها.
- تقصد أن الأحزاب التي توسم بالإدارية لا تتوفر على مقومات التقاطب السياسي؟
هذا بالتحديد ما قصدته، إذ بمقدورها أن تتحالف مع جميع الأحزاب بدون استثناء، فقد تجدها مع العدالة والتنمية مرة وقد تجدها مع الأصالة والمعاصرة مرات أخرى، وقد تجدها أيضا مع اليساريين. لم يكن التجانس السياسي والإيديولوجي هما يشغل هذه الأحزاب ولن يكون يوما. وإذا حدث العكس، فإن هذه الأحزاب ستموت وستفقد بشكل تدريجي زبناءها السياسيين. لذلك، لا أتصور قطبية في المغرب بوجود مثل هذه الأحزاب في الوقت الراهن على الأقل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.