بعد غياب امتد لأكثر من سنة* أطل الشيخ ياسين على أتباعه، وعلى عموم المتابعين للشأن السياسي المغربي، من خلال فيديو قصير مدته 9 دقائق. تداولته أغلب المواقع الالكترونية، يحمل أكثر من إشارة ورسالة وتأتي أهمية هذا الفيديو من أمرين: -أولها: طبيعة الظرفية التي يعيشها المغرب والعالم العربي عموما، فمنذ بداية الحراك في المغرب لم يصدر عن الشيخ ياسين باعتباره رمز المعارضة الأول أي موقف يبرز وجهة نظره الشخصية في هذا الحراك. - ثانيها: المكانة الرمزية والتربوية للأستاذ عبد السلام ياسين داخل الجماعة وعند الأتباع، إذ تعتبر توجيهاته هي الفيصل، فرغم أن الموقف الرسمي لجماعة العدل والإحسان تم التعبير عنه من خلال بيانات مؤسساتها، ومن خلال تصريحات الناطق الرسمي باسمها ذ فتح الله أرسلان، وحوارات القيادية القوية داخل الجماعة ذ نادية ياسين، لكن كلمة مباشرة للشيخ في هذا الحراك، تظل خطوة حاسمة عند من لا تربطهم روابط تنظيمية بالجماعة، وإنما لهم روابط روحية بالشيخ ياسين مباشرة. وقبل الخوض في المضامين والرسائل والإشارات التي تحملها هذه الإطلالة الإعلامية، لابد من التوقف قليلا عند الشكل، فالمبنى لا ينفصل عن المعنى كما يقال، فأقل ما يقال عن هذا الفيديو أنه "فيديو منزلي" غير احترافي ودون المستوى المهني المحترم، الذي اعتدناه من الجماعة في إنتاجات سابقة، خاصة الصادرة عن ما يسمى بمكتب الإعلام، حيث يمكن تسجيل مجموعة من الملاحظات على مستوى جودة التصوير وثبات الصورة والصوت والمونتاج والمعالجة التقنية والإخراج. وقد يفسر هذا التراجع بأن الزيارة أو التسجيل غير مخطط له سلفا أولم يكن مبرمجا ومرتبا، وهذا ما قد يبرر أيضا تحلق أعضاء مجلس الإرشاد حول الشيخ على "كراسي بلاستيكية" -وإن كان يحمل ذلك إشارات البساطة والتواضع منهم، وأنهم في جلسة غير رسمية لا تأبه بالشكليات- غير أن فيديو يسوق لمواقف جماعة –بحجم العدل والإحسان- وصورتها في الخارج، ينبغي أن يكون بشكل أحسن شكلا ومضمونا وأكثر حرفية، وأن يحترم المشاهد والمتابع لأخبار الجماعة. أما بخصوص الإشارات و الرسائل فالفيديو استهدف بعث مجموعة من الرسائل إلى داخل الجماعة وخارجها نجملها فيما يلي: 1- الشيخ عبد السلام ياسين في صحة جيدة، فالفيديو يظهر الأستاذ عبد السلام ياسين في صحة جيدة جدا بالنظر إلى سنه، وينفي كل الإشاعات التي تسربت عن تدهور خطير في صحته، أو ما ذهب إليه البعض من ترويج خبر الوفاة على صفحات الفيس بوك. 2- أن موقف الجماعة موحد من حراك 20 فبراير، ومن التطورات السياسية في المغرب، وأنه لا توجد انشقاقات بسب ذلك، بعد تسرب أنباء عن عدم رضا الشيخ عن أداء الجماعة في هذا الحراك وعن العلاقة مع حركة 20فبراير. 3- بعث رسالة طمأنة وتتبيث لأعضاء العدل والإحسان بعد الحملة الشرسة التي تعرضت لها الجماعة على مدار ستة أشهر الماضية. 4- التأكيد على الموقف السياسي والموقف من الملكية بشكل قاطع، بعد تسرب إشاعات حول وجود تسوية أو صفقة قريبة بين المخزن والجماعة، يتم بموجبها الاعتراف القانوني بالجماعة والسماح لها بتأسيس حزب مقابل إقرارها بملكية برلمانية.فالأستاذ ياسين يوضح أن المشكل ،أكبر من مشكل مع شخص، بل المشكل مع مبدإ متخلف بميزان الدين والديمقراطية:" الملك العاض التوريثي تخلف بميزان الدنيا وبميزان الديمقراطية، وتخلف عن ما يريده الله سبحانه وتعالى في هذه الأمة من فضل على سائر الأمم... نحن لا نعارض المَلِكَ، نعارض المُلْكَ العاض أصلا". 5- التأكيد على توابث الجماعة التربوية والتحذير من الانجرار وراء السياسة ونسيان الآخرة ، باعتبار الشأن السياسي أحد مجالات الاهتمام وليس هو كل الاهتمام، فطلب الآخرة في أدبيات الجماعة أولى من المناصب الدنيوية "في الوقت الذي نقول فيه حنا ضد العنف ونريد الخير، لأننا بغينا آخرتنا تكون مزيانة مع الله سبحانه وتعالى بينما الآخرين يطلبون الرئاسة، وهذا سفه وكل ما في الدنيا هوس في هوس، الدنيا هوس في هوس". 6- إشارة قوية إلى استمرار الحراك، ونزول أعضاء الجماعة إلى الشارع بعد الإشادة القوية بهم من طرف "المرشد" :"كنشكر الإخوان والأخوات اللي صمدوا في الميدان رغم أسباب الهزيمة المحيطة بالكثير من الناس، صبروا وصابروا، الله تعالى يتبثهم ويتبثكم، أخوات وإخوان جماعة العدل والإحسان حمروا الوجه الحمد لله". 7- رسالة طمأنة إلى السياسيين بقبول الجماعة للديمقراطية وآلياتها السلمية كوسيلة للتداول على السلطة "هم أرقى منا في الدنيا لأنهم عرفوا القضية ديال الحكم كيف يديروا ليها، ما كيورتوهاش التوريث اللي دمّو النبي صلى الله عليه وسلم ولكن لقاو ليها شي حاجة كتسمى الديمقراطية". *إذا ما استثنينا كلمته التأبينية للأستاذ أحمد الملاخ رحمه الله. [email protected]