قبل أيام نقلت وكالات الأنباء الدولية خبرا مفاده إعلان أربع جماعات "جهادية"، تنشط في منطقة الساحل الإفريقي، الاندماج في ما بينها تحت يافطة تنظيم إرهابي جديد يدعى "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين". التحالف يضم تنظيم "إمارة الصحراء" ليحيى أبو الهمام، و"جماعة أنصار الدين"، التي تتحرك في مالي بقيادة أغ غالي، و"المرابطون" لمختار بلمختار و"كتائب ماسينا"، التي أعلنت نشاطها في وسط مالي بزعامة بول أمادو كوفا. تحالف جغرافي-استراتيجي باستثناء الظروف الإقليمية التي أوجدت القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، كامتداد عابر للحدود، مبايعا لتنظيم القاعدة منذ النشأة، فإن باقي التنظيمات التي تفرعت عن التنظيم الأم في الساحل أو استلهمت الفكرة الجهادية على الأقل، تنشط في حدود جغرافية محلية بعضها يرتبط بأجندات المخابرات الجزائرية، وهو ما تأكد بعد تسريب تسجيل هاتفي لأحد المقاتلين مع مسؤول عسكري في حادثة "عين أميناس" في يناير 2013، اشتكى خلاله أحد عناصر كتيبة "الموقعون بالدم" من خذلان الجيش لاتفاق بالانسحاب من موقع الحادث ! كتيبة "المرابطون" تتحرك في منطقة غاو شمال مالي، وهي أكثر التنظيمات دموية، نفذت اختطاف دبلوماسيين وأجانب وهاجمت مواقع نفطية جزائرية في منشأة للغاز بولاية "اليزي" جنوبالجزائر في2013. بالمقابل، تتمركز جماعة "أنصار الدين" في منطقة شمال مالي بعد أن استولت على هذه المناطق مارس 2012، أما "كتائب ماسينا" فقد وجدت لها موقع قدم في منطقة "الفلان" وسط مالي، وأعلنت عن نفسها عقب إطلاق العملية العسكرية الفرنسية ضد الإرهاب في مالي. بينما تتخذ كتيبة "إمارة الصحراء" من تخوم الحدود بين كل من النيجرومالي مع الجزائروموريتانيا، مجالا لأنشطتها. خلفيات توحد أربع تنظيمات إرهابية في تنظيم وحيد، قاسمها المشترك أن نشاطها يتمركز في الساحل على الحدودية مع ماليوالجزائر تحديدا، يعكس الرغبة في مواجهة تمدد "تنظيم الدولة الإسلامية" الذي يتخذ من ليبيا قاعدة خلفية لنشاطاته. فقد سبق ل(أبو وليد الصحراوي) أحد قادة "المرابطون" أن أعلن الولاء ل"داعش" مجاراة لتمركزها في "درنة" الليبية، إلا أن (مختار بلمختار) سارع إلى نفي مبايعة التنظيم ل"الدولة الإسلامية" مجددا ارتباطه بالقاعدة، فكرا وتوجيها. على ضوء هذا المعطى يمكن قراءة خيار الاندماج، بما يكشف طبيعة الصراع الدائر بين قيادات هذه الحركات حول الولاء للقاعدة والبراء من "داعش"، ويمهد الطريق لصراعات خفية قد تندلع بين مولاة "القاعدة"، الذين ينشطون في منطقة الساحل الإفريقي وأنصار "تنظيم الدولة" الذين يتخذون من ساحل ليبيا في سرت مركزا لهم. وبموجب هذا التحالف تسعى التنظيمات الموالية للقاعدة إلى تقليص أي تمدد ل"تنظيم الدولة الإسلامية" بمنطقة الساحل الإفريقي، إذ تلعب فروع القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، وهي عبارة عن حركات "جهادية" نشأت وتطورت محليا وبايعت التنظيم الأم (القاعدة)، دورا في محاصرة نفوذ "تنظيم الدولة". أصل الإرهاب في الساحل الحرب على الإرهاب في المغرب بدأت مع تأسيس الجماعة المسلحة في الجزائر، الجناح المسلح لجبهة الإنقاذ الجزائرية، فقد سعت عناصر التنظيم في حربها ضد السلطات الجزائرية إلى جعل المغرب قاعدة خلفية ولوجيستيكية لأنشطتهم المسلحة. ووفق تقرير صادر عن فريق دولي للدراسات العابرة للأقاليم والأقاليم الصاعدة، مقره العاصمة اليابانية طوكيو، فإن أول مؤشر لتوسيع النشاط الإرهابي للتنظيم الجزائري نحو المغرب، سينكشف في الرابع عشر من 1993، بعد اعتقال خمسة جزائريين- من العرب أفغان- بمطار محمد الخامس بالدار البيضاء، وفي حوزتهم أجهزة اتصالات متطورة تضم آليات استقبال كانوا ينوون إيصالها إلى الجماعة الإسلامية المسلحة في الجزائر، بواسطة شخص مغربي يدعى (بوجمعة.م)، سبق له أن تلقى تكوينا في أفغانستان. وقد وجدت التنظيمات الإرهابية قاعدة خلفية لها بالقرب من المعابر الجنوب غربية للجزائر مع المغرب وفي منطقة دول الساحل والصحراء، فاستغلت ضعف التنسيق الأمني وأثر الخلافات السياسية بين المغرب والجزائر تحديدا. حقيقة الأصل الجزائري للنشاط الإرهابي في المنطقة المغاربية، وثق لها التقرير الصادر عن الفريق الدولي للدراسات العابرة للأقاليم والأقاليم الصاعدة، كشف أن بصمات الجماعة المسلحة في الجزائر كانت دائمة حاضرة في الخلايا الإرهابية التي اكتشفتها السلطات المغربية. في غشت 1994 سوف يتوج النشاط الإرهابي بتنفيذ هجمات على فندق بمراكش. وقائع الحادث تعود إلى يوليوز من تلك السنة، حين تسللت إلى المغرب مجموعات مسلحة مدربة وموجهة من قبل أطر في الشبيبة الإسلامية تقيم في فرنسا لتنفيذ عمليات إرهابية. ووفق خطة الأدوار تَوزع المنفذون إلى أربع مجموعات في مدن مراكش وفاس والدار البيضاء وطنجة، والقاسم المشترك أن كل المجموعات التي توزعت على هذه المواقع كانت تضم في عضويتها مقاتلين من جنسيات جزائرية. كانت هذه أول اختبار حقيقي لتحول الإرهاب من تنظيمات محلية جزائرية إلى تنظيم مغاربي. من المحلية إلى المغاربية إن توصيف "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" يفيد أن هذا التنظيم الذي خرج من رحم الجماعة الإسلامية المسلحة في الجزائر، يريد الانسلاخ عن هويته الجزائرية/المحلية ليتخذ صفة تنظيم إقليمي، ولأن تحقيق هذا الشرط مرتبط بما يحققه التنظيم الإرهابي من اختراق لبلدان الجوار الجزائري مستفيدا من شساعة المناطق الحدودية داخل هذا المربع الجغرافي المغاربي، من جهة، ومن وجود دول شبه فاشلة في ليبيا ومالي، من جهة ثانية. ووفق تقرير ل"مؤسسة كارنيغي" الأمريكية، صدر في أكتوبر من سنة 2009، بعنوان "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، فإنه حينما تولى الجزائري عبد المالك درودكال، قيادة الجماعة السلفية للدعوة والقتال، سوف يطلق على نفسه اسما حركيا جديدا هو أبو مصعب عبد الودود، وبدأ في التعاون مع شبكة أبي مصعب الزرقاوي في العراق، وفي تجنيد وتوجيه المتطوعين من شمال إفريقيا إلى بؤر التوتر التي يقاتل فيها تنظيم القاعدة. بعد ثماني سنوات من بناء الثقة بين الجماعة الجزائرية والتنظيم العالمي للقاعدة، ووفق التقرير الأمريكي "سوف يسعى درودكال إلى تجديد منظمته عن طريق ربطها بالدائرة العالمية. وقام أيمن الظواهري، خليفة أسامة ابن لادن حينها، بتكليف أبي مصعب الزرقاوي والفرع العراقي للتنظيم بإدارة هذا النوع من التفاعل المتنامي مع الجماعة السلفية للدعوة والقتال في الجزائر. وكان مهر هذا الاتفاق الجهادي بدماء اثنين من الدبلوماسيين الجزائريين اختطفهما تنظيم القاعدة في العراق في يوليوز 2005، وأعدما بدعم علني من الجماعة السلفية للدعوة والقتال الجزائرية"، ليبدأ بعدها نشاط الجماعة في المنطقة وتتبنى استراتيجية توسعية حاولت من خلالها تشكيل خلايا إرهابية داخل المغرب، والاتجاه إلى موريتانيا ثم تونس، بالإضافة إلى تنشيط شبكة إقليمية في منطقة الساحل والصحراء، مهمتها جني الأموال عبر التهريب وتجارة الأسلحة واختطاف الأجانب للمطالبة بالفدية. في شتنبر 2006 سوف تعلن الجماعة السلفية للدعوة والقتال عن ولائها الرسمي لتنظيم القاعدة في شتنبر 2006، لتصبح بذلك "تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، لتبدأ بعدها في تفريخ روافد محلية. *باحث في العلوم الأمنية