ملاحظات: حضرتُ يومي الجمعة والسبت فعاليات النسخة السادسة من المهرجان الدولي للقصة القصيرة جدا بالناظور، والذي احتفى هذا العام بالكاتب والناقد المغربي حميد لحميداني. ورغم الحفاوة التي لقيني بها منظمو المهرجان، والمحبة التي حفّني بها ضيوفه، وهو المهرجان الذي عرف بدايتي في الكتابة القصصية؛ فإن هذا لا يمنع، بل يستوجب، مِن باب أنّ مَن يحب شيئا أو أحدا ينتقِده، أن أُشير إلى بعض الهفوات التي شابت نسخة هذا العام. وليس في نفسي رغبة، من خلال هذه الإشارة لتسفيه مجهود القائمين على المهرجان، بل هي مساهمة مني في الرقي بهذه المهرجان الأدبي الذي ميز الناظور خاصة، والمغرب عامة في صنف القصة القصيرة جدا، من خلال الإشارة إلى ما شابَه من أخطاء وبالتالي؛ حثّ المنظمين على تفاديها في النسخ المقبلة. وألفت انتباه القارئ الكريم، أنني أسرد هنا ملاحظات التقطتها خلال حضوري للمهرجان ومشاركتي في فعالياته، دون القيام بتحليلها أو البحث عن أسبابها. وهي إذن، كالتالي: غياب معرض كتب مرافق للمهرجان: المهرجان الأدبي الذي استضاف عددا من المثقفين من داخل المملكة وخارجها، والذي أقيم في القاعة التابعة للمركب الثقافي في الناظور لم يواكبه معرض للكتب، ولا معرض للوحات الفنية.. والداخل إلى فضاء المركب الثقافي، لا يستقبله غير عدد من الحراس المكلفين بالأمن عند مدخل المبنى، بالإضافة إلى طاولة صغيرة (لا يجوز تسميتها معرضا !) محيطها كله لا يتجاوز مترا واحدا في مترين، عليها كتب هزيلة من حيث الكم والنوع. وأما الكمّ فهو مفهوم مِن مساحة الطاولة ذاتها، وأما النوع فتتأتى هزالته مِن أنّ الكتب المعروضة كانت كلها تصبّ في إطار النقد الأدبي، وتضم كتبا (لا تنسوا أن عددها قليل ) لنفس المؤلفين تقريبا، وكلّهم مِن المعاصرين، مع غياب تام لكُتب الرواد في الإبداع والنقد (تخيلوا اسم أي واحد من المشاهير في الإبداع والنقد ولن تجدوه هناك). وقد اشتكت صديقةٌ لي، وهي قاصة شابة من غياب مجموعتها القصصية التي صدرت حديثا رفقة مجموعة أخرى لقاصٍ شاب وكلاهما مِن أبناء المدينة التي تحتضن المهرجان. وهكذا فإن مهرجانا ذا إشعاع دولي، غاب عنه معرضٌ للكتب؛ فلا الجمهور الناظوري اليافع الذي حضر المهرجان تَوقاً للثقافة والأدب قد استفادَ بتعرّفه على أدباء مغاربة من طينة: محمد زفزاف، خناتة بنونة، شكري، محمد خير الدين، عبد الفتاح كليطو.. ولا الضيوف المثقفون الذين قدموا من بدان أخرى أو من مدن أخرى في المغرب تعرفوا على إصدار الشباب الناظوري، مع العلم أنّ بعضم اشتغل طوال العام، وسارع الوقت حتى تُعرَض كتبه في المهرجان. حضورٌ ضعيف للمهتمين بال ق قج: حضور عدد قليل جدا من كتاب القصة القصيرة جدا والمهتمين بها عموما، وهو عدد لا يرقى حتى إلى عدد كُتابها في المغرب، بله في البلدان الناطقة بالعربية أو غيرها، خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار صفة المهرجان "الدولية". ولا نعرف حقا، أسباب هذا الغياب، وهل يعود إلى عدم تلقي عدد من القصاصين في الصنف القصير جدا دعوة للحضور، أم أن وراء هذا الغياب أسبابا أخرى. أين مثقفو المدينة؟ غاب عدد كبير من مثقفي المدينة التي لا ينُظم فيها أكثر مِن مهرجانين أدبيين في العام والمهرجان الذي نحن بصدد الحديث عنه هو أحدها. إذ لم يحضر إلا عدد قليل منهم لا يغطي حتى الفئة التي تكتب في صنف الق ق ج ناهيكم عن المهتمين بالأدب عموما، وهذه الظاهرة في رأيي تستوجب دراسة، لمعرفة أسباب مقاطعة جلّ مثقفين المدينة (وهم كثر بالمناسبة، أكثر مما تستوعب قاعة المهرجان) لمهرجان الق ق ج. جلسات نقدية طويلة جدا: تخلّلت فعاليات مهرجان السرد القصير جدا جلسات نقدية ابتلعت باقي فقراته بسبب الحيز الزمني الطويل الذي امتدت عبره، بسبب إلقاء جلّ المتدخلين لمحاضرات تكاد تكون دراسات نقدية كاملة، يمكن للمهتم أن يقرأها في النت أو بين دفتي الكتب.. بينما طبيعة المهرجان، الذي شكّل حضور الإنسان المثقف فيه نسبة ضئيلة مقارنة مع نسبة ربات البيوت (اللواتي رافقن أبناءهن) والأطفال والمراهقين والشباب الصغار (البكالوريا فما أقل) تستدعي أن تكون المداخلات قليلة، قصيرة، بسيطة، مركزة، في متناول الجمهور الفتيّ، والذي كان يُغادر بالفعل بمجرد أن تبدأ هذه الجلسات الطويلة. أنا شخصيا لم أستطِع الاستماع إليها خاصة أنها امتدت إلى وقت متأخر من المساء. وكنت أفضّل لو أن إدارة المهرجان الممثلة في جمعية جسور، خصّصت لهذه الجلسات النقدية برنامجا ممتدا على طول العام، إذ يمكنها أن تُنظِّم ندواتٍ بشكل دوري، يحضرها المهتمون مِن أجل الاستفادة، ولا بأس حينها أن يقوم المتدخلون بقراءة الأوراق الطويلة المفصّلة. وهكذا يبقى المهرجان جامعا لمجموعة من الفقرات المتنوعة التي تناسب فسيفساء الحاضرين، ومستواهم المبتدئ. وهنا تجدر الإشارة إلى أن هناك قلة في الندوات النقدية التي يعرفها الناظور على طول العام. أخيرا، نرجو للنسخ المقبلة من مهرجان الق ق ج أن تتدارك الثغرات التي عرفَتها هذه الدورة والدورات الثلاث السابقة، حتى يتطور المهرجانويتقدم إلى الأمام؛ لأن مَن/ما لا يتقدم إلى الأمام لا بد أن يتقهقر إلى الخلف، كما يقول مثل كوري. [email protected]