بعد سنوات من التجاور والتعايش الاضطراريين بين الباعة الجائلين وبين أصحاب المحلات التجارية وسط مدينة خريبكة، تخلّلته بين الفينة والأخرى أشكال احتجاجية معدودة، سطّر عدد من أصحاب المحلات التجارية، في الآونة الأخيرة، برنامجا تنديديا أسبوعيا، يقضي بتنظيم وقفات احتجاجية صباح كل اثنين، بحثا عن مخرج لما يسمونه الحصار المضروب على محلاتهم من لدن "الفرّاشة". وفي الوقت الذي نظّم فيه الباعة الجائلون، في مناسبات سابقة، عدّة وقفات احتجاجية بالساحات العمومية وأمام مقر عمالة خريبكة، من أجل المطالبة بتسريع وتيرة إخراج سوق نموذجي إلى حيّز الوجود، والتعامل بسرعة وفعالية مع التوجيهات الملكية الداعية إلى تحسين ظروف اشتغال الباعة الجائلين، أشار التجّار في أحد البيانات إلى أن "التجارة العشوائية في تزايد مستمر، أمام مرأى ومسمع السلطات المعنية التي تسعى إلى شرعنة الفوضى". عزيز أخواض، عضو بجمعية الأمل لتجار ومهنيي مدينة خريبكة، قال إن اتخاذ قرار الاحتجاج بشكل مستمر راجع إلى تزايد عدد "الفراشة" وسط المدينة، وتسببهم في إغلاق جميع المنافذ المحيطة بالمحلات التجارية؛ وهو ما انعكس سلبا على التجار الملزمين بأداء مجموعة من التكاليف، من ضمنها الضرائب والماء والكهرباء والقروض والكراء وغيرها. وأضاف المتحدث، في تصريح لهسبريس، أن أغلب السلع التي يبيعها التجار هي نفسها المعروضة من لدن الباعة الجائلين الذين يكتفون بهامش ربح بسيط، مقارنة مع ما يطمح إليه التاجر المكبّل بمجموعة من التكاليف المالية اليومية والشهرية؛ وهو ما يدفع بعض الزبائن إلى التعامل مع "الفرّاشة"، بحثا عن أثمنة رخيصة، فيما يعجز آخرون عن بلوغ المحلات التجارية، نظرا للحصار المضروب عليها من كل الاتجاهات، ويضطرون بدورهم إلى شراء حاجياتهم من الباعة الجائلين". وعن الحالة الاجتماعية الضعيفة التي دفعت أغلب الشباب إلى امتهان التجارة العشوائية، من أجل ضمان مورد رزق يعول به نفسه وأسرته، أشار أخواض إلى أن عددا كبيرا من "الفرّاشة" بإمكانهم شراء محل تجاري أو قيسارية بأكملها؛ لكنهم يفضّلون التجارة غير المهيكلة قصد التهرب من الضرائب، فيما يتّخذ آخرون مخازن بعيدة عن وسط المدينة، وتكليف الفرّاشة ببيعها مقابل أرباح يومية؛ وهو ما يُعدّ تبييضا للأموال". وأكّد المتحدث ذاته أن بعض الأسر تتكون من أب وأم وابن وابنة، ويتوفر كل واحد منهم على فرّاشة؛ وهو ما يمنحهم مدخولا يوميا يفوق 3000 درهم، دون أن يؤدّوا منها شيئا للخزينة العامة، في الوقت الذي يعيش فيه التجار أوضاعا مأساوية، عجزوا معها عن أداء القروض ومجاراة تكاليف الحياة اليومية، مشيرا إلى أن "عددا من المهنيين كانوا يودعون شيكات بدون رصيد، وأداء أقساطها الشهرية في تعاملاتهم التجارية، قبل أن تتراجع الأرباح والرواج التجاري، ويجدوا أنفسهم مهددين بالإفلاس أو السجن أو هما معا". وفي المقابل، قال مصطفى علاوي، رئيس تنسيقة الوحدة للباعة الجائلين بخريبكة، إن "التجار المحتجين يعانون في محلاتهم التجارية، و"الفرّاشة" يعانون بدورهم في الشارع العام"، مضيفا أن التجارة في الساحات العمومية والأزقة والشوارع تُعدّ لدى الباعة الجائلين المصدر الوحيد للرزق، من أجل إعالة أسر وعائلات مكونة من عدة أفراد". وأورد المتحدث ذاته، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن "الحل الوحيد لإخلاء الشارع العام من لدن الباعة الجائلين يتمثل في الانتهاء من إنشاء السوق النموذجي المحاذي للحي السكني النهضة، وفق التعليمات التي أصدرها ملك البلاد إلى وزارة الداخلية ووزارة التجارة والصناعة بخصوص تثبيت الباعة الجائلين بمختلف المدن المغربية". وأكّد علاوي أن "أحد منظمي الوقفة الاحتجاجية الأخيرة للتجار سبّ الباعة الجائلين؛ وهو ما دفع ذوي النوايا السيئة إلى تحريض الفراشة ضد التجار، ودعوتهم إلى تنظيم وقفات احتجاجية للرد على ما جاء على لسان التجار الغاضبين، غير أن الباعة الجائلين لن يلجؤوا إلى السب والشتم والأوصاف القبيحة، لأنهم ليسوا ضد التجار، وليسوا مع الفوضى، بل إن مطالبهم مقتصرة على سوق نموذجي في المستوى المطلوب، وفق مواصفات لائقة تحترم أنشطتهم التجارية". من جانبه، أوضح محمد عفيف، نائب رئيس المجلس البلدي لخريبكة، أن المدينة تتوفر على عدد من الأسواق النموذجية، آخرها ما تم إنجازه بالقرب من الحي السكني النهضة؛ غير أن الباعة الجائلين وضعوا مجموعة من الشروط من أجل الانتقال إلى ذلك السوق، بعضها موضوعي ومعقول وقابل للتطبيق، في حين تعتبر الشروط الأخرى تعجيزية أو يصعب تحقيقها، باعتبار البنية الأساسية والعامة للسوق تمت هيكلتها ووضعها في الآونة الأخيرة. وأضاف المتحدث، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن "السلطة المحلية والمجلس البلدي وغيرهما من المتدخلين، تحت الإشراف والقيادة الفعلية للسلطة الإقليمية ممثلة في عمالة إقليمخريبكة، يبذلون ما في وُسعهم لإنجاح المشروع الملكي الرامي إلى إعادة تثبيت الباعة الجائلين، بتنسيق مع بعض الجمعيات المعنية بالملف"، مشيرا إلى أن "الحوار لا يزال قائما بين مختلف الأطراف، من أجل إنجاح المشروع المذكور".