فقط من باب الموضوعية، وبعيدا عن خطابات البروباغندا والبروباغندا المضادة، فإن ما هو واضح الآن أن البوليساريو قررت المجازفة بشن حرب على المغرب. حينما كتبت في مقالات سابقة على صفحات هذا الموقع عن ضرورة الإسراع في إيجاد حل يرضي كل الأطراف فإن ذلك كان تفاديا للوصول إلى الحالة التي وصلنا إليها اليوم. أما الآن فلم يبق سوى انتظار المستجدات، على اعتبار أن كل الآراء مهما كان صوابها فهي غير مجدية، ما دام القرار في يد قلة قليلة لها الحل والعقد في مصير شعوبها. وهذه القلة لها حسابات تختلف نهائيا عن تلك التي يمكن أن تخدم المصالح العليا لبلدانها. لا يهم، فما ينعت بالعالم العربي من محيطه إلى خليجه قد عودنا على السبل الجذرية التي تهدف إلى إقصاء "العدو" وتدميره عوض البحث عن حلول وسطى تجنب الشعوب الدمار والتقتيل الذي تفرزه كل الحروب كيفما كان نوعها ومهما كانت نتائجها. في السياسة الدولية كل شيء مقبول ويمكن فهمه ماعدا السذاجة. المغرب واع بأن البوليساريو لم تكن لتبدأ الصراع الحالي لولا ضوء أخضر من الجزائر. هذه الأخيرة ضالعة في هذا النزاع حتى النخاع، وإن استمرت في إنكار ذلك: الدلائل أكبر من أن تنفى بتصريحات رسمية جوفاء لا معنى لها من باب الدفاع عن تقرير المصير الشعوب وتاريخ الثورة... الخ من التعبيرات الطفولية. لا يوجد أي شخص في المحافل الدولية لا يعرف نوعية العلاقة "الحميمية" بين البوليساريو والجارة الشرقية للمغرب. وبدون إدخال الجزائر في الصورة، فلن يمكن فهم نزاع الصحراء، وبالتالي لن يمكن إيجاد حل له. هذا لا يعني أبدا أنه لا يوجد دعاة لاستقلال الصحراء ومؤمنون بضرورة قيام دولة في المنطقة المتنازع عليها، ولكن عالم المبادئ شيء والواقعية السياسية شيء آخر. وإذا كان من أمر يميز البوليساريو فهو انعدام أي حس سياسي فعال، يبدأ من أهم نقطة، وهي الاستقلال في القرار. الانطباع بأن الجبهة هي مجرد أداة ضغط في يد الجزائر لم يلعب في صالح إيجاد صيغة للخروج بالمنطقة من هذا المستنقع الذي طال أكثر من أربعين سنة. وما تقوم به الجبهة اليوم من استفزازات يدخل كله في هذا الإطار؛ فما تعتبره انتصارا على المغرب يتم استقراؤه من طرف المتتبعين المحايدين على أنه تصرف أخرق يدل على نفاد الحيلة.. إنه دليل ضعف وليس دليل قوة. هذا الرد اليائس ناتج عن فهم متأخر لقواعد اللعبة التي تغيرت ظروف بيادقها: المغرب الذي استطاع البقاء فوق الأرض متحالفاً مع عامل الوقت وإستراتيجية إفريقية ناجعة في السنوات الأخيرة، والجزائر وأزمتها السياسية الحادة، والتي، وإن كانت قوة إقليمية وازنة، فإن نفوذها قد تقلص دوليا؛ ثم البوليساريو التي لم تعد لها سوى جلجلة السلاح لإسماع صوتها. في هذا المناخ تتحرك المنطقة اليوم. كل المؤشرات تبرز تغيرا طفيفا في موازين القوى لصالح المغرب. ومع ذلك، وفي سياق "لي غلب يعف"، آن للرباط أن تبني تصورا لصيغة تفاوضية مع المنادين باستقلال الصحراء، يسمح بصيانة مصالح الوطن دون تهميش العنصر المحلي أو إقصائه، مع ترك الأبواب مفتوحة لكل الإمكانيات. بالطبع هامش النقاش يجب أن يبقى مفتوحا كلما استطاعت البوليساريو والجزائر ضبط النفس. أي تهور من الطرفين سيعني إدخال المنطقة في متاهة، وسيرغم المغرب على الدفاع عن هيبته كدولة. هذا السيناريو الأسوأ لا يستطيع أي كان التكهن بنهايته، ولكنه سيكون في كل الأحوال وبالا على كل بلدان المنطقة التي ستؤدي ثمنه غاليا.. "الله يحفظ". *إعلامي مغربي مقيم بإيطاليا