بدأت النقاشات حول اللجوء الإنساني تأخذ منحى ثقافيا وفنيا يبتعد عن المقاربة السياسية والاقتصادية ومدى استفادة البلدان المستقبلة للاجئين والمهاجرين إليها طوعا أو بحثا عن الملاذ الآمن. وتبرز الإنتاجات السينمائية والأفلام الوثائقية كإحدى وسائل التعبير عن الرأي وإظهار الجانب الإنساني بلغة فنية وبتصوير إبداعي لظلمات المغامرة نحو العالم الآخر. فمن وحي الواقع انتشرت أفلام وثائقية في النرويج، وغيرها من بلدان أوروبا، تتحدث عن اللاجئين والهجرة والمعاناة التي يلاقيها هؤلاء العابرون للقارات من أجل الوصول إلى ما يعتبرونه الفردوس. وسبق لمهرجانات عديدة في بلدان أوروبية أن اختارت تيمة الهجرة واللجوء كموضوع رئيسي لأفلام تعرض لأول مرة، بغية إثارة نقاش حقيقي من وجهة نظر سينمائية تنظر بعين فنية إلى واقع يبدو كأنه مشهد درامي يصلح لنقله سينمائيا وتوثيقيا. إنها اللغة السينمائية والتوثيقية السمعية البصرية التي تنسجم مع التعبير الدرامي لأحداث وقعت في القارة الأوروبية وخارجها. ومن ضمن الأعمال الفنية التي خرجت إلى الوجود خلال السنوات الأخيرة فيلم "ذا كروسينغ" (العبور)، للمخرج جورج كوريان، حيث يسرد قصة قيام عدد من اللاجئين السوريين برحلة محفوفة المخاطر عابرة لحدود بعض البلدان لكي يصلوا إلى القارة العجوز. ولا يشد جورج كوريان عن القاعدة التي ترسخت مؤخرا من خلال اختيار سوريا كموطئ قدم ومنطلق لتصوير أفلام وثائقية، حيث يفرض الواقع ذاته بفعل الأحداث المتسارعة والحرب التي دفعت ملايين السوريين للفرار من جحيم المعارك والاقتتال، ليصل أغلبهم في موجة هجرة جماعية، لا مثيل لها في تاريخ البلاد والمنطقة، إلى القارة الأوروبية، وممن ضمنها فيلم "قصة حب سورية" المنجز من قبل المخرج البريطاني شين ماك أليستر. إياد أبو روك الإعلامي، المقيم في النرويج، جعل من السينما والأفلام الوثائقية وسيلة للتعبير وطرح الإشكالية على نطاق واسع، لاسيما من خلال فيلمه الجديد الذي يحمل عنوان "مراكب الموت". ويتطرق الفيلم الوثائقي إلى معاناة المهاجرين عبر البحار والصعوبات التي يتعرضون لها خلال رحلة البحث عن مكان آمن، ونقطة انطلاق لحياة جديدة. وقال أبو روك، إن الفيلم يهدف إلى تسليط الضوء على الهجرة عبر المتوسط، والتي يضيع ضحيتها آلاف من الأبرياء غرقا في البحر بسبب المراكب المتهالكة. ومن أجل إظهار هذه المعاناة تم تسجيل شهادات لعدد من المهاجرين في بلدان أوروبية، خاصة في بلجيكا واليونان وألمانيا وإيطاليا، يحكون فيها ظروف مجيئهم إلى القارة وفرارهم من الأوضاع المأساوية التي كانوا يعيشونها، ضمن قصص حية وموثقة "مؤلمة جدا". واعتبر المخرج النرويجي، ذو الأصول الفلسطينية، أن العديد من المتتبعين لا يدركون حجم المغامرة عبر البحر، مبرزا أن الفيلم يوضح الجوانب الإنسانية والثقافية التي جعلت ركوب الصعاب ليس بالأمر الهين بالنسبة لهؤلاء المهاجرين. ولهذا، يقول أبو روك، تم استقاء نماذج عاشت التجربة بكل تفاصيلها سواء كشهود عيان أو كموضوع المغامرة التي كادت أن تودي بحياتهم، بغية جعل الفيلم وثيقة حية تحث على تحمل الجميع مسؤوليته تجاه الأبرياء الذين يخوضون تجربة عبور البحر نحو ضفة أكثر أمنا. واعتبرت امتثال النجار، رئيسة الاتحاد العربي النسائي بالنرويج، من جانبها، أنه من الأهمية بمكان توثيق وسائل الإعلام والفنانين السينمائيين لمعاناة المهاجرين بأسلوب مغاير لكتابة الصحافة الورقية. وشددت النجار، في تصريح مماثل، على أن موضوع اللاجئين والهجرة القسرية، التي حدثت مؤخرا، جاءت نتيجة للظروف السياسية والفوضى، مما جعل الملايين يفرون من أوطانهم إلى البلدان الأوروبية أو تلك المجاورة لهم طلبا للأمن والحماية. وبعدما أكدت أن الهجرة الحالية تعد الأكبر منذ القرن العشرين بعد هجرة الشعب الفلسطيني سنة 1948، أبرزت النجار أنه وصل عدد غير متوقع من اللاجئين إلى أوروبا التي لم تكن على استعداد لاستقبالهم، لكنها بذلت مجهودا كبيرا لاستيعابهم. وأضافت أن قضية اللاجئين تعتبر جد معقدة من حيث التغيرات الثقافية والاندماج التدريجي في البلد المضيف، ومن هنا "تأتي أهمية تسليط وسائل الإعلام المختلفة الضوء على هذه القضية الراهنة". من جهة أخرى، كشف إياد أبو روك، الذي سبق له إنتاج وإخراج فيلم "ما زلت حيا" (2015)، عن رغبته في اطلاع الجمهور المغربي على هذه القضية الكبيرة من خلال عرض الفيلم في أحد مهرجانات المملكة باعتبارها من الدول المهتمة بشكل كبير بالإنتاجات السينمائية والوثائقية. *و.م.ع