الهدوء يعم المكان، والصمت يغلف أزقة حي السلام بمدينة سلا، فالساعة تشير إلى حوالي الواحدة بعد منتصف ليلة الخميس الجمعة، والأمطار لازالت تتهاطل بغزارة، إلا أن الأوضاع اختلفت عن حوالي أربع ساعات قبل وصول هسبريس إلى الحي الذي كان حينها أشبه بمسبح ضخم. ولم يتبق بعد كل تلك السيول المائية الهادرة سوى حصى متفاوتة الحجم جلبتها المياه معها، وطريق يملؤها وحل خلفتها الأمطار الكثيفة، فيما انتشرت هنا وهناك جرذان ميتة متوسطة الحجم لفظتها المجاري إبان وقت الفيضان. "ضيف ثقيل".. ساعات مرت كأنها أيام طويلة، صارع خلالها سكان هذا الحي على غرار الكثيرين من السلاويين، قوة المياه التي تسللت دون إذن مسبق إلى منازلهم، وخارجها غمرت سياراتهم حتى اختفى بعضها تحت المياه، ما تسبب في أعطاب لأغلبها"، بحسب ما صرح سكان الحي لهسبريس. كانت الساعة تُشير إلى حوالي الرابعة بعد الزوال لما تلقت كنزة لحرش وهي في مكتبها اتصالا من زوجها يُخبرها أن مياه الفيضان قد أغرقت منزلهما. في البداية لم تُصدق سماعة الهاتف، لكن سرعان ما ستفاجأ بالواقع الصادم بمجرد اقترابها من الزقاق حيث تقيم، فالمياه تغمر المكان كاملا، ولم تترك منزلا إلا دخلته. أما قنوات الصرف فقد ضخت مياها عادمة إلى تلك المتراكمة هُناك"، تحكي كنزة بعصبية شديدة. "كان الناس محاصرين بالمياه، إلى حد أن جارنا لم يستطع الوصول إلى حماته حتى يساعدها على الصعود نحو الطابق العلوي"، تقول الشابة محاولة إعادة رسم ما وقع، مضيفة: "منسوب المياه تجاوز خصري، مما شكل صعوبة كبيرة في أبواب المنازل التي كانت طوابقها الأرضية غارقة في المياه". مياه عادمة تقول محدثتنا وهي تشير بيديها اللتيْن لازالت عليهما آثار الوحل نحو المرحاض، "إنه خلال مداهمة مياه الأمطار المنزل، كانوا أمام ثلاثة تحديات كبرى، الأول إنقاذ ما يُمكن إنقاذه من أثاث ووثائق ومتاع. والتحدي الثاني يتعلق بإخراج المياه التي تدخل إلى الشقة من الخارج، أو على الأقل العمل على توقيف دخولها إلى المنزل، لكن التحدي الثالث كان هو الأصعب، تضيف كنزة، فكل المجاري الداخلية للمنزل كانت تضخ مياه عادمة كانت محملة بفضلات بشرية، مما زاد معاناة السكان". وعلى الرغم من قيام الأسرة على غرار الجيران بتجفيف المياه، إلا أن ضخ المجاري للمياه العادمة ترك رائحة كريهة في بعض أرجاء المنزل، كما تسبب الضغط الكبير في إتلاف المرافق الصحية، وجعلها أقل جودة بالمقارنة مع ما كانت عليه من قبل.. خسائر مهمة.. وبينما تنتقل كنزة من غرفة إلى أخرى مشيرة إلى أثاثها الذي أفسدته المياه، شرعت والدتها في تقدير القيمة المادية لما لم يعد صالحا للاستعمال، والتي قدرتها في أكثر من 120 ألف درهم، قبل أن تتدخل ابنتها وفي يديها مجموعة من الأوراق المبللة بالمياه. وصاحت المتحدثة قائلة: "الأثاث والكثير من الأشياء يمكن تعويضها، لكن كيف سأعوض دبلوماتي، والعديد من الوثائق الأخرى التي ضاعت"، مردفة "وثائق الدراجة النارية لزوجي كلها فسُدت، ولا نملك أية وثيقة تؤكد أنها لنا". "في رمشة عين أصبحنا بلا أثاث ولا ملابس"، تقول كنزة في حسرة، موردة أن "أسرتها الآن وُضعت أمام مصاريف مالية طارئة لم تكن بالحسبان"، قبل أن تؤكد أنها مصاريف إضافية ستثقل كاهلها وزوجها طيلة أشهر. وتلقي كنزة إلى جانب جيرانها باللائمة على المسؤولين المحليين والشركة المكلفة بتدبير قطاع الصرف الصحي، وقالت إنهم "اتصلوا بمصالح الديمومة بشكل متكرر منذ الرابعة زوالا، إلا أنه لم تتدخل أي مصلحة لفك العزلة التي كان يعيشها سكان الحي رغم وعود مسؤولين بالتدخل العاجل دون جدوى".