وضع المكتب الإقليمي للجمعية الوطنية للدفاع عن حقوق الإنسان بمراكش، شكاية مباشرة لدى الوكيل العام بمحكمة الاستئناف لجهة مراكش أسفي، من أجل فتح تحقيق قضائي في شأن ما أسماهّ "تبديد أموال عامة من طرف محمد العربي بلقايد، رئيس المجلس الجماعي، ونائبه يونس بن سليمان، عبر عقد صفقات تفاوضية خارج القانون، كلفت خزينة المجلس الجماعي لمراكش حوالي 28 مليار سنتيم". واتهمت الشكاية كذلك محمد العربي بلقايد، بصفته آمرا بالصرف، بما وصفته ب"خرق قانون الصفقات العمومية عبر إلغاء بعضها، وحرمان عدد من المقاولات من حقها في الحصول عليها بعد مشاركتها فيها وفق القانون"، وزادت: "قبل أن يدخل نائبه الأول يونس بنسليمان في تفاوض أحادي مع شركة بعينها ويمنحها عددا من الصفقات، فاقت قيمتها مليارين ونصف المليار سنتيم". وأوضحت الهيئة الحقوقية نفسها أنها حصلت على معلومات ومعطيات ووثائق تؤكد أن هذه الصفقات لم تحترم مقتضيات قانون الصفقات العمومية، إذ تم تمريرها بشكل تفاوضي مباشر مع عدد من المقاولات، بدعوى طابعها الاستعجالي، بالنظر إلى أن مدينة مراكش كانت تستعد لاحتضان التظاهرة الدولية المتمثلة في قمة التغييرات المناخية "كوب22"؛ وبالتالي فإن المجلس الجماعي انخرط في المساهمة في إنجاحها عبر إنجاز مجموعة من الأشغال الخاصة بالإنارة العمومية، التزفيت، الصباغة وتهيئة العديد من شوارع المدينة. وأكدت الشكاية المذكورة أن "التدقيق في أرقام بعض من هذه الصفقات يوضح أن تم تضخيم أرقامها؛ فيما لم ير النور جزء آخر منها، أو أنها لازالت عبارة عن أوراش مفتوحة حتى بعد مضي حوالي ثلاثة أشهر عن قمة التغييرات المناخية، التي تذرع مسؤولو المجلس الجماعي بها لتمرير هذه الصفقات بشكل تفاوضي مباشر مع مقاولات بعينها خارج قانون الصفقات العمومية". وزادت الجمعية الحقوقية نفسها، مقدمة نماذج مما أسمته "الخروقات"، موردة: "للتأكيد على ما سلف، فقد سبق للمجلس الجماعي لمراكش أن أعلن عبر الصحافة الوطنية صفقة عمومية خاصة بالإنارة العمومية، شهر مارس الماضي 2016، تحت رقم 2016-15 س.ج، من أجل تجديد الشبكة الكهربائية لشارع الحسن الأول، وحدد تاريخ 21 أبريل 2016 موعدا لفتح الأغلفة بالنسبة للمقاولات المعنية، والتي تتوفر فيها الشروط المعلن عنها في دفتر التحملات". وكان أطر القسم التقني للمجلس الجماعي لمراكش قد قاموا بدراسة للاحتياجات الخاصة بإعادة تجديد الشبكة الكهربائية للشارع المذكور، كما درسوا الغلاف التقديري للصفقة وحددوه في مبلغ 357 مليون سنتيم. وتقدمت خمس مقاولات بملفاتها للمشاركة في هذه الصفقة، ليتم استبعاد شركتين لعدم استيفاء الشروط المسجلة في إعلان الصفقة، وتحتفظ اللجنة المشرفة على الصفقة على ثلاث مقاولات، تم أخبار مسؤوليها بأن رئيس المجلس الجماعي سيستدعي المقاولة الفائزة بالصفقة قصد استكمال الإجراءات الإدارية للشروع في عملها. هذا، وفوجئت تلك المقاولات، بتاريخ 12 يوليوز 2016، بإعلان رئيس المجلس الجماعي إلغاء الصفقة بشكل نهائي؛ لأن "المعطيات الاقتصادية والتقنية للخدمات موضوع الصفقة قد تغير بشكل جذري"، حسب ما ورد في إعلان الإلغاء الموقع من طرف كل من محمد العربي بلقايد، ونائبته "أمال ميسرة"، المفوض لها الإشراف على الصفقات العمومية للمجلس. ومباشرة بعد هذا الإلغاء، دخل النائب الأول لرئيس المجلس الجماعي في مفاوضات مباشرة مع شركة "إسيليك" Ecelec، التي لم يسبق لها أن شاركت في الصفقة المذكورة، قصد إنجاز الأشغال المعلن عنها في الصفقة الملغاة، والمتعلقة بتجديد الشبكة الكهربائية للشارع السالف ذكره. والغريب أن هذه الشركة المحظوظة استفادت من هذه الصفقة بثمن جد مرتفع عما تقدمت به الشركات المشاركة في الصفقة الملغاة، إذ بلغت التكلفة 413 مليون سنتيم بدل 357 مليون سنتيم المسطرة في الصفقة الأولى. صفقة أخرى تم إلغاؤها بتاريخ 25 غشت 2016، بعد مشاركة عدد من المقاولات فيها وفق القانون، تحت رقم 2016-90 س.ج، والتي كان مقررا أن يتم فتح الأظرفة المتعلقة بها بتاريخ 05 شتنبر 2016، وهي الصفقة الخاصة بالإنارة العمومية لمدارة باب الخميس، ليدخل مرة أخرى النائب الأول لرئيس المجلس الجماعي في مفاوضات مباشرة مع الشركة نفسها التي استفادت من الصفقة الأولى، وتنتقل قيمة الغلاف المالي للصفقة من 143 مليون سنتيم إلى حوالي 500 مليون سنتيم. وإجمالا فإن عدد الصفقات الخاصة بالإنارة العمومية التي تمت بشكل تفاوضي دون سلوك المساطر القانونية مع المقاولات المعنية من طرف النائب الأول للعمدة بلغت 16 صفقة، حسب المصدر ذاته، ووصلت قيمتها المالية مجتمعة حوالي أربعة ملايير سنتيم، فازت منها شركة "إسيليك" بست صفقات، تضاف إلى صفقة سابعة فازت بها إحدى الشركات، تصادف أنها مملوكة لزوجة صاحب شركة "إسيليك"؛ في حين بلغت كلفة الصفقات السبعة حوالي مليارين ونصف المليار سنتيم. وتعليقا على ما سبق، أوضح يونس بن سليمان، النائب الأول لرئيس المجلس الجماعي، أن ما ورد بالشكاية ينم عن جهل الهيئة الحقوقية بالمقتضيات القانونية المتعلقة بالصفقات العمومية، في ما يتعلق بعنصر الاستعجال بخصوص مناسبة طارئة، كمؤتمر المناخ "كوب 22"، الذي نظم بمدينة سبعة رجال، موردا: "توصلنا برسالة من السيد والي جهة مراكش أسفي تطلب منا القيام بمسطرة استثنائية نص عليها القانون المذكور". "المبالغ الاستثنائية التي ستحولها وزارة الداخلية من أجل إنجاز أشغال يتم الاتفاق عليها بين المصالح المركزية واللجنة المنظمة للمؤتمر ومصالح التقنية لكل من ولاية مراكش والمجلس الجماعي"، يقول المتحدث ذاته، مشيرا إلى أن "لجنة مشتركة من مهندسين مركزيين وأطر محلية قامت بإعداد هذه الصفقات حسب الحاجيات المرتبطة بالمؤتمر وما يحيط به، حتى تصبح المدينة في حلة تليق بضيوفها"، على حد قوله. وأفاد النائب السابق ذكره بأن مكتب المجلس الجماعي كلف محاميه بإعداد شكاية سيتقدم بها رئيس المجلس الجماعي ضد رئيس المكتب الإقليمي للجمعية الوطنية لحقوق الإنسان، "مفادها الوشاية الكاذبة ومحاولة إرشاء موظفين جماعيين من أجل الحصول على وثائق ليس له الحق فيها".