يسرد الشاعر المغربي عبد الرحيم الخصار في هذا المقال الذي توصلت به هسبريس ملامح من علاقة "كوكب الشرق" المطربة المصرية أم كلثوم بالمغرب وأهله، والأغاني التي أدتها أمام جمهورها في المملكة، فضلا عن إطلالاتها بالأزياء المغربية التقليدية، حتى أن شعورا تشكل لدى الحاضرين حينها بأن "أم كلثوم يمكن أن تكون مغربية أيضا" وفق تعبير الخصار. في ما يلي نص المقال كما توصلت به هسبريس: أم كلثوم..إنها مغربية أيضا.. كان الجمهور الذي حضر الحفلات الثلاث لأم كلثوم حين زارت المغرب، في الستينيات من القرن الماضي، يطالبها في كل حفلة بأن تغني "رباعيات الخيام"، وكانت السيدة تفسر ذلك بكون اللغة العربية التي تغني بها الرباعيات هي أقرب إلى المغاربة من اللهجة المصرية. ربما لم يخطر على بالها أنها في بلاد المتصوفين، لاسيما في تلك الحقبة، فالمغرب كان وما زال آهلا بالزوايا والمزارات ومدارس الفقه العتيقة وقباب الأولياء. في "رباعيات الخيام" ذلك النداء الروحي الذي يدعو إلى حياة صافية وإلى طهرانية يتوق إليها "السميعة"، ثمة أيضا تلك الإشراقات القوية التي تبطّن قصيدة عمر الخيام، هذا الشاعر الذي يرفعه المغاربة إلى مصافّ كائن روحي آخر هو جلال الدين الرومي، ليشكلا في الوجدان الجمعي هنا، حين يتعلق الأمر بالروحانيات الفارسية، اثنين لا ثالث لهما. في القصيدة المغنّاة تحضر لمسة أحمد رامي وعبقرية رياض السنباطي، وخلف ذلك كله يقف صوت أم كلثوم بكامل جلاله وسحره. لم تغنّ أم كلثوم في المغرب "رباعيات الخيام" فحسب، بل غنت أيضا "فات الميعاد" و"أمل حياتي" و"هو صحيح الهوى غلاّب"، فضلا عن قصيدتها الأشهر "الأطلال" التي أدتها في أول حفلة وهي ترتدي القفطان المغربي، كانت تلك الإطلالة بزي مغربي أصيل وعتيق كافية ليتعمق لدى الحاضرين الإحساس بأن أم كلثوم يمكن أن تكون مغربية أيضا. كانت "الأطلال" حديثة آنذاك، هذه الأغنية التي ظلت في جارور السنباطي سنوات قبل أن يكمل تلحينها، خلال فترة البياض التي كانت بينه وبين السيدة؛ حيث دام خصامهما ثلاث سنوات بسبب هذه "الأطلال" التي تفاعل معها المغاربة بشكل أثر في أم كلثوم تأثيرا بالغا ستتحدث عنه في مناسبات مختلفة، مثلما أثر فيها احتفاؤهم بها ليس على خشبة مسرح محمد الخامس فحسب، بل وهي تعبر الشوارع والأسواق والأماكن الأثرية خلال إقامتها التي دامت ثلاثة أسابيع. في تلك الزيارة الوحيدة كان من المفترض أن تنزل أم كلثوم في مطار الرباط ليستقبلها وفد ملكي وسياسي، فالدعوة موجهة رسميا من الملك الراحل، وأم كلثوم ضيف فوق العادة، لكن أحوال الطقس كانت ضد رغبة القصر، فنزلت في مطار الدارالبيضاء ليستقبلها وفد فني رفيع كان من أبرز ممثليه الموسيقار عبد القادر الراشدي والفنان الكبير أحمد البيضاوي، كأنما كُتب لأم كلثوم التي يحيط بها السياسيون في كل بلاد أن تكون في المغرب بين الفنانين أولا، نكاية بالسياسة والسياسيين. حين تدخل إلى مقاهي المغرب وحاناته، وحين تركب في الحافلات وسيارات الأجرة، ستحس بأن أم كلثوم ليست مصرية فحسب، إنها مغربية أيضا. هذا شيء بديهي، فلا أحد ينسبها إلى موطنها، إنها أم كلثوم فحسب، وهي فوق المكان والزمان، وفي طريقك بين الدروب القديمة سيصل إلى مسمعك صوت السيدة منسابا من نافذة رجل سهران، أو امرأة تتموج مشاعرها مع تموجات اللحن والكلمات. في أحد حواراتها عقب تلك الزيارة تحدثت أم كلثوم عن إعجابها بالطقوس والتقاليد في بلاد المغرب والعادات والأزياء، وأشادت بثقافة المرأة في هذا البلد، وحين سُئلت عن رأيها في الجمهور المغربي قالت: "الموسيقى تجري في دمه"، ثم أضافت: "قد يكون الشعب الأكثر تفاعلا مع الموسيقى".