مع تنصيب الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، سيدا للبيت الأبيض، تبدو السلطة الوطنية الفلسطينية في وضع لا تُحسد عليه. فالحكومة الإسرائيلية، المُشكلة من ائتلاف يميني متشدد، لا تُضيّع وقتا في استغلال وجود "ترامب" في منصبه، من أجل التهام ما تبقى من الأراضي الفلسطينية، وتدمير مبدأ "حل الدولتين"، الذي يفترض أن تقوم عملية السلام الحالية على أساسه. وفي مواجهة ذلك، تجد السلطة الفلسطينية، نفسها، في واقع صعب، دون أن تمتلك خيارات كثيرة أو أوراق قوة كبيرة، لا سيما في ظل حالة الضعف والفوضى السائدة في المنطقة العربية. وأقر مسؤول فلسطيني كبير، في حديث خاص لوكالة الأناضول، باستشعار القيادة، ب"خطورة الأوضاع الحالية". وكشف أن السلطة الفلسطينية تدرس عددا من الخيارات، لمواجهة الإجراءات الإسرائيلية المتوقعة، ومن أهمها التوجه إلى مجلس الأمن الدولي أو الجمعية العامة للأمم المتحدة، لطلب تنفيذ القرار الأخير 2334، الخاص بالاستيطان. وعقب تنصيب ترامب، شرعت الحكومة الإسرائيلية في منح أذونات واسعة للاستيطان في الضفة الغربية بما فيها القدس. كما تسعى الحكومة لإقرار قانون يتيح شرعنة المستوطنات القائمة على أراض فلسطينية ذات ملكية خاصة، ويمنع المحاكم الإسرائيلية من إصدار أوامر لتفكيكها. ويبدو أن وصول ترامب للسلطة، قد فتح شهية الأحزاب اليمينية المشاركة في الحكومة، لتنفيذها مخططاتها، حيث تسعى حاليا إلى إصدار تشريع بضم مستوطنة "معاليه أدوميم" المقامة على أراضي الضفة لإسرائيل، وهو ما يعني التهام مساحات كبيرة من الضفة وفصل شمالها عن جنوبها، بالإضافة إلى فصل القدس عنها. وكشف نفتالي بينيت، وزير التعليم، وزعيم حزب "البيت اليهودي"، بداية الشهر الجاري، النقاب للمرة الأولى، عن خطة لمنح الفلسطينيين حكما ذاتيا، منزوع السلاح، على نحو 40% من مساحة الضفة الغربية، وضم غالبية أراضيها لإسرائيل. وأوضح أن إسرائيل، وفق الخطة، سوف تضم 60% من مساحة الضفة الغربية لها. ورغم إصدار مجلس الأمن الدولي، في 23 ديسمبر/ كانون أول الماضي، قراراً يدعو إسرائيل إلى الوقف الفوري والكامل لأنشطتها الاستيطانية في الأراضي الفلسطينية، إلا أنه لم يردع الحكومة الإسرائيلية، التي أعلنت خلال الأسابيع الماضية، وعقب تنصيب ترامب، عن مشاريع جديدة للاستيطان. ويعد الاستيطان من أكثر الأسباب التي تعرقل استئناف المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية المتوقفة منذ أبريل/نيسان 2014. وتخشى السلطة من تنفيذ ترامب لوعده الذي قطعه خلال حملته الانتخابية، بنقل السفارة للقدس، ما سيعني اعترافاً أمريكياً بالقدس "عاصمة موحدة وأبدية لدولة إسرائيل"، وهو ما ترفضه الأممالمتحدة، وهيئات وجماعات ومؤسسات إسلامية وعربية، ويرحب به الجانب الإسرائيلي. ويقول مسؤول فلسطيني كبير، لوكالة الأناضول:" نواجه وضعا هو الأصعب على الإطلاق". وأضاف المسؤول الكبير الذي فضل عدم ذكر اسمه:" هناك رئيس أمريكي لا نعلم حتى الآن توجهاته ومن ناحية ثانية فإن الوضع العربي متردي بشكل عام". كما أشار إلى أن الدول الأساسية في أوروبا مثل فرنسا وألمانيا، منشغلة بانتخاباتها العامة، وأوضاعها الداخلية. وأضاف أن القيادة الفلسطينية، تدرس الخيارات المتاحة أمامها لمواجهة هذا "الوضع الخطير". وذكر أن من الخيارات المطروحة، التوجّه إلى مجلس الأمن الدولي لطلب تنفيذ القرار الأخير 2334. وفي حال تم استخدام الفيتو، من قبل الولاياتالمتحدة، ستتوجه فلسطين إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، لعقد جلسة تحت مسمى "متحدون من أجل السلام"، بحسب المسؤول. أما عن الخيار الثاني، فقال المسؤول:" سنحثّ المحكمة الجنائية الدولية على إطلاق تحقيق رسمي في جرائم الحرب التي ترتكبها إسرائيل وعلى رأسها الاستيطان". وكانت المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، قد قالت منذ عامين إنها تدرس الحالة في الأراضي الفلسطينية قبل الإعلان رسميا، ما إذا كانت ستجري تحقيقا جنائيا في الملفات التي قدمها الفلسطينيون إليها، وهي الاستيطان في الضفة الغربية، والحرب على غزة والمعتقلين في السجون الإسرائيلية. ومن الخيارات المتاحة، كذلك، بحسب المسؤول الفلسطيني، العمل على "تحريك موقف عربي ضاغط". وأشار إلى أن القمة العربية المقبلة في العاصمة الأردنية عمان في شهر مارس/آذار القادم، ستكون فرصة لإرسال رسالة عربية واضحة للعالم بأن القضية الفلسطينية ما زالت القضية الرئيسية للعرب". ولم يستبعد المسؤول الفلسطيني، اللجوء لتحركات أخرى، وقال:" قد تتم الدعوة لقمة لمنظمة التعاون الإسلامي وأيضا هناك اجتماع مطلع الشهر المقبل في العاصمة الفرنسية بين الرئيس عباس والرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند لتحريك المجتمع الدولي على أساس ما تم مؤخرا في المؤتمر الدولي للسلام". وأضاف:" على كل حال لن نستسلم، ولن نرفع الراية البيضاء". وأكمل مستدركا:" لكن الجنون الإسرائيلي يحتاج إلى تحرك جماعي اولا من العرب وثانيا من قبل المسلمين وثالثا من المجتمع الدولي، فلا يعقل أن نُترك وحيدين في هذه المعركة". ورأى أن الحكومة الإسرائيلية تحاول استغلال انشغال الرئيس ترامب بالقضايا الأمريكية الداخلية، وعدم تعيين مسؤولين كبار في وزارة الخارجية الأمريكية، من أجل تكريس أكبر قدر ممكن من الحقائق على الأرض". وقد طلب الرئيس الأمريكي من المسؤولين السياسيين الذين عينهم الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما مغادرة مواقعهم بدءا من يوم تنصيبه رئيسا للولايات المتحدةالأمريكية. ولم يقبل الكونغرس الأمريكي حتى الآن ريكيس تيليرسون، الذي اختاره ترامب لحقيبة الخارجية. وعدم ملء الفراغات في وزارة الخارجية يترك فراغا كبيرا في مراقبة الوضع بين الفلسطينيين والإسرائيليين سيما في الميدان. وغالبا ما تتولى وزارة الخارجية الأمريكية، مراجعة إسرائيل والاستفسار منها في حال أي مشاريع استيطانية كبيرة في الأراضي الفلسطينية. ويضيف المسؤول الفلسطيني:" ما يزيد الوضع صعوبة هو أن سياسة الرئيس الأمريكي الجديد بشأن الاستيطان غير معروف". ويتابع:" ينقل عن المقربين من ترامب عنه إنه لا يعارض الاستيطان في الأراضي الفلسطينية، ولكن من ناحية ثانية يقول ترامب إنه كلف صهره جاريد كوشنر مهمة الوساطة للتوصل إلى اتفاق سلام بيننا وبين الإسرائيليين وبالتالي فإن الإشارات متضاربة". وحتى الآن تجري الاتصالات بين الفلسطينيين والإدارة الأمريكية من خلال القنصل الأمريكي العام في القدس دونالد بلوم، ولكن في السنوات الماضية كانت الاتصالات تشمل أيضا مسؤولين في البيت الأبيض ووزارة الخارجية الأمريكي بما فيها وزراء الخارجية الأمريكيين الذين لم تكن تنقطع اتصالاتهم مع القيادة الفلسطينية. وأضاف المسؤول:" وجّه الرئيس محمود عباس مؤخرا رسالة إلى الرئيس الأمريكي طلب منه فيها إطلاق عملية سلام جديدة، مؤكدا استعدادا الجانب الفلسطيني للتعامل بكل جدية من أجل إنجاح هذه الجهود في حال تمت بالفعل". وتابع:" ربما تتضح الأمور أكثر بعد الاجتماع المرتقب بين نتنياهو وترامب في شهر شباط/فبراير، والذي سيسبقه على الأرجح اتصال معنا للاستماع إلى موقفنا، كما هي العادة". من جانبه، يصف هاني المصري، مدير مركز "مسارات"، لأبحاث السياسات والدراسات الاستراتيجية في رام الله (غير حكومي)، الوضع الحالي للسلطة في عهد الرئيس الأمريكي الجديد ب"الصعب" و"المعقد سياسيا". وأضاف لوكالة الأناضول:" من الواضح أننا أمام إدارة أمريكية يرأسها شخص، يعلن وبشكل واضح موقفه الداعم للسياسات الإسرائيلية، وهو ما يجعل السلطة أمام خيارات سياسية ليست سهلة". وأكد المصري أن السلطة لا تواجه خطر نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس فقط، إنما في السياسة التي تنتهجها بشكل عام. وتابع:" ما يجري على الأرض من إعلان الحكومة الإسرائيلية من رفع جميع القيود على التوسّع الاستيطاني، يجعل السلطة أمام سيناريو يتمثل في دعم الإدارة الأمريكية لإسرائيل بالكامل، ودعمها للخطوات الإسرائيلية على أرض الواقع وإعطاء شرعية للأمر الواقع الاحتلالي العنصري الذي أقامته إسرائيل وفرض حل تصفوي للقضية الفلسطينية". وقد تلجأ السلطة بحسب المصري إلى "بلورة رؤية شاملة ينبثق عنها مسار سياسي جديد، وتغيير ما وصفه بقواعد اللعبة برمتها". وتابع:" قد تهدد السلطة باللجوء إلى خيار الدولة الواحدة، وتسحب الاعتراف بكافة الاتفاقيات السابقة الموقعة مع إسرائيل". غير أنه رأى من الصعوبة تحقيق هذه الخطوة. ومنذ بدايتها عام 1991 من خلال مؤتمر مدريد للسلام، تقوم عملية السلام في الشرق الأوسط على فكرة "حل الدولتين" الفلسطينية والإسرائيلية على أرض فلسطين التاريخية. وكان مفترضا أن تنتهي عملية السلام عام 1999 بإقامة الدولة الفلسطينية على أراضي الضفة الغربية، بما فيها مدينة القدس الشرقية وقطاع غزة، لكن الاستيطان الإسرائيلي في الضفة والقدس، والذي تضاعف مرات عديدة منذ انطلاق عملية السلام، يحول فعليا دون إقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة. بدوره قال ماجد الفتياني أمين سر المجلس الثوري لحركة "فتح"، والتي يتزعمها الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، في اتصال هاتفي مع وكالة الأناضول، إن خيارات القيادة الفلسطينية في مواجهة السياسات الإسرائيلية "متعددة". وأضاف إن على إسرائيل أن "تواجه خيارات صعبة، أولها محكمة الجنايات الدولية، حيث تعتزم وزارة الخارجية الفلسطينية تقديم إحالة للمحكمة بشأن الاستيطان". ولفت "الفتياني" إلى أن خيار سحب الاعتراف الفلسطيني بدولة إسرائيل وارد في الحسبان. وأشار إلى أن على إسرائيل أن "تواجه الشعب الفلسطيني بشكل عام أولا". وفي حال نقل السفارة الأمريكية للقدس، قال إن السلطة "ستعود لمجلس الأمن الدولي للحصول على قرارات أخرى". واستبعد "الفتياني" قدرة إسرائيل على تحمل خيار "الدولة الواحدة"، قائلا:" إسرائيل تريد دولة بلا فلسطينيين، تواصل أعمال الهدم والترحيل للعرب في اسرائيل فكيف لها أن تستوعب كل الفلسطينيين، هذه دولة عنصرية لا تريد الآخر". وبدوره، يرى الدكتور مخيمر أبو سعدة، أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر بغزة، أن السلطة الفلسطينية لا تملك الكثير من الخيارات في مواجهة الواقع الحالي. وقال لوكالة الأناضول:" من الصعوبة أمام الواقع العربي والدولي، أن تتخذ السلطة خطوات منفردة". وأشار إلى أن من الخيارات المتاحة، تهديد الرئيس الفلسطيني بالاستقالة، والتلويح بحل السلطة. وأضاف:" السلطة قد تلجأ لخيارات سياسية أخرى، من بينها إعلان رفضها اعتبار الولاياتالمتحدة وسيطا لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. ورأى أبو سعدة أن السلطة ستعتمد على ما وصفه، بالردود الدبلوماسية. واستدرك:" ستبقى السلطة تحذر من مخاطر الخطوات الإسرائيلية خاصة على أمريكا نفسها". وقد تلجأ واشنطن إلى "تقنين الدعم المالي"، للسلطة لإجبارها للدخول في مفاوضات مباشرة مع إسرائيل دون شروط بحسب أبو سعدة.