طالب مهندسون وناشطون جمعويون ومنتخبون بضرورة فتح تحقيق في الطريقة المتبعة في ترميم كنيسة "القلب المقدس" المتواجدة في حديقة الجامعة العربية بالدارالبيضاء، التي أوصت السلطات الدينية المسيحية الفرنسية بتحويلها إلى جامعة لفائدة البيضاويين عندما تنازلت عنها في بداية سبعينات القرن الماضي. وقالت تورية الزحيشي، عضو سابق بجمعية ذاكرة الدارالبيضاء، إن ما يجري في الكنيسة من أشغال لا يتطابق مع المعايير العالمية المعمول بها في مجال الترميم؛ إذ عمد المشرفون على أشغال إعادة الهيكلة، لتحويلها إلى مركز للعروض الفنية، إلى الإضرار بالخصائص التي تميز هذه البناية. جريمة حقيقية وقال محمد فهيم، عضو حزب الاستقلال المنتمي لفريق المعارضة بمجلس المدينة، إن الأمر يتطلب فتح تحقيق عاجل للتأكد من وجود قائمة بمكونات الكنيسة الثمينة قبل تسليمها إلى شركة تابعة للقطاع الخاص، مضيفا أن "وضع نوافذ زجاجية تاريخية في باحة الكنيسة لأسباب لا نعرف حقيقتها، يتطلب الوقوف عنده من أجل كشف الحقيقة". وب"غير المقبولة"، وصف رئيس جمعية "كازا ميموار" مسألة إلقاء مجموعة من النوافذ التاريخية التي تكون أحد أجزاء الكنيسة في الحديقة بشكل عشوائي، وبالقرب من الباب الخارجي للبناية. وفي تصريح هاتفي مسجل لهسبريس، قال رشيد الأندلسي: "في حالة ثبوت قيام الشركة المشرفة على الأشغال بإزالة النوافذ التاريخية والزجاج ووضعها بشكل عشوائي قرب باب الخروج الرئيسي لحديقة البناية، فإننا نكون أمام جريمة حقيقية". أما عبد الرحيم قسو، الرئيس السابق لجمعية "كازا ميموار" العضو النشيط بها حاليا والمسؤول عن ورش أشغال ترميم الكنيسة المثيرة للجدل، فنفى، في اتصال بهسبريس، إزالة أي نوافذ أو رميها في باحة حديقة الكنيسة. وقال قسو، في تصريحه لهسبريس التي أخبرته بأنها تتوفر على تسجيل بالصوت والصورة يؤكد واقعة العبث بمآثر الكنيسة: "أنا أقول لكم إن تلك الأخبار مجرد شائعات، ونحن نعمل وفق المعايير الدولية المتداولة في مجال ترميم المآثر". كل الأمور تحت السيطرة! عبد الصمد حيكر، نائب عمدة مدينة الدارالبيضاء، قال بدوره، في معرض إجابته عن سؤال حول موضوع العبث بمآثر كاتدرائية "القلب المقدس"، إن المسؤولين في شركة "الدارالبيضاء للتراث"، أخبروهم بأن "كل الأمور تحت السيطرة وأنه لا وجود لأي اختلالات تذكر". تورية الزحيشي، متخصصة في الهندسة المعمارية ناشطة جمعوية في مدينة الدارالبيضاء، اعتبرت أن ترميم البنايات التاريخية من حجم كاتدرائية القلب المقدس "يتطلب خبرة كبيرة من طرف المهندسين المشرفين على العملية". وأكدت الزحيشي، في تصريح لهسبريس، أن: "الخبرة في مجال ترميم البنايات التاريخية تخصصٌّ يقوم على أسس وعلوم ومعايير لا تتوفر في الشركات الهندسية أو المعمارية أو العقارية المغربية، وهو ما يعني أن ما يقع حاليا في كنيسة القلب المقدس هو جريمة حقيقية في حق الإرث المعماري والتاريخي لمدينة الدارالبيضاء". قيمة تاريخية وأشارت المتحدثة ذاتها، المهندسة المتخصصة في الهندسة المعمارية والديكور والمكلفة بالعلاقات العامة في جمعية أولاد لمدينة، إلى أن هذه الكنيسة "تم الشروع في بنائها سنة 1930 والانتهاء من الأشغال كان سنة 1962، وقد تم تشييد كافة أبوابها ونوافذها الزجاجية وكراسيها وباقي أجزائها ورسوماتها من مواد نبيلة، حيث إن كل جزء له قيمة تاريخية وأثرية لا تقدر بثمن". وأضافت المتحدثة أن اعتماد مواد لا تتوافق مع طبيعة الأبنية أثناء ترميمها يتسبب في تآكل أجزائها الأصلية، "وهو ما قد نشاهده في حالة ترميم الكنيسة وغيرها من معالم مدينة الدارالبيضاء التي تم ترميمها من طرف شركات خاصة دون احترام المعايير الأساسية المعمول بها دوليا في هذا المجال". أيادٍ غير أمينة سراج الدين موسى، رئيس جمعية أولاد المدينة، قال لهسبريس: "لقد تبين بالمكشوف أن كنيسة القلب المقدس ليست في أيادٍ أمينة؛ لأنه بعد اكتشاف عملية العبث بمآثر الكنيسة سارعت الشركة الخاصة المشرفة على الترميم بوضح حواجز حديدية تحجب الرؤية داخل البناية". وأضاف: "ما يحدث في كنيسة القلب المقدس يعتبر جريمة منظمة شنعاء بكل المقاييس لتدمير تراث الدارالبيضاء، بمشاركة السلطات المحلية والمركزية ومنتخبي المدينة وجمعية ذاكرة الدارالبيضاء، لوجود من يستفيد من مشاريع ويسكت عن تدمير ذاكرة الدارالبيضاء وتاريخها. والآخرون سيثبت التاريخ تورطهم في دفن تاريخ البيضاويين، ونحن لن نطالب بفتح تحقيق؛ لأن الجميع متفق على التزام الصمت أمام هذه الجريمة".