تتجه العلاقات الأمريكيةالمكسيكية نحو التوتر بسبب الإجراءات الصارمة التي تنوي إدارة ترامب تنزيلها على أرض الواقع، أهمها مطالبة حكومة المكسيك بدفع فاتورة بناء السور العازل بين البلدين، في حين أرسلت الجارة الجنوبية مؤشرات إلى واشنطن تفيد بأنها ترفض القرار جملة وتفصيلا. وفي انتظار ما ستؤول إليه الأوضاع، يضع سكان المدن الأمريكية المجاورة للمكسيك أيديهم على قلوبهم؛ لأن اقتصاد هاته المدن يعتمد كليا على المبادلات التجارية بين الشمال والجنوب؛ حيث تقصدها كل سنة ملايين الشاحنات المحملة بسلع كندية وأمريكية، وأخرى قادمة من المكسيك، يتم تبادلها تحت إشراف إدارة الجمارك الأمريكية. ثلاث مدن حدودية بين المكسيك والولايات المتحدة تعرف نشاطا تجاريا كبيرا بين البلدين؛ مدينة نوغاليس بولاية أريزونا، ومدينة إلباصو بأقصى غرب ولاية تكساس، ثم مدينة لاريدو بأقصى جنوب تكساس، وتعتبر بمثابة بدالات تجارية هامة، ويعتمد التشغيل فيها، بنسبة تقارب 100 في المائة، على المبادلات التجارية بين الشمال والجنوب. لكن ما يثير حفيظة إدارة ترامب هو استفادة المكسيك بشكل أحادي من عمليات التبادل التجاري تلك، التي تتم في إطار اتفاقية التبادل التجاري الحر بين البلدين؛ فالمكسيك تبيع أكثر مما تشتري من أمريكا، ما يعني أن عمليات التصنيع انتقلت من الشمال إلى الجنوب، متسببة في عطالة هامة في اليد العاملة الأمريكية. وتعتبر مدينة إلباصو أكثر المدن خطورة؛ إذ تنشط فيها الجريمة المنظمة بشكل كبير، كتهريب البشر من المكسيك، ناهيك عن تجارة المخدرات والسلاح. وقد تم مؤخرا اكتشاف منازل في الجهة الشمالية للحدود مرتبطة بواسطة ممر تحت أرضي مع أخرى في المكسيك، تستخدم للتهريب، كما أن العصابات الإجرامية بالمكسيك بلغت من القوة ما خول لها، قبل سنوات، الدخول إلى نقطة العبور الأمريكية وقتل ضباط أمريكيين، ثم العودة دون أن يتم توقيف أفرادها. خطورة الوضع الأمني على نقط الحدود تثير الفزع في العديد من السائقين الأمريكيين والكنديين، الذين أصبحوا يرفضون التوجه اليها خشية تعرضهم للاختطاف أو الاعتداء الجسدي. ويبقى الجانب الأمني المعطى الأكبر الذي يحرك إدارة ترامب لإعادة ترتيب العلاقات الأمريكيةالمكسيكية. ومع تعالي الأصوات المكسيكية المطالبة بقطع الحبل مع الجارة الشمالية، والبحث عن شركاء اقتصاديين جدد، يشد سكان المدن الحدودية الأمريكيةالمكسيكية على قلوبهم مخافة توقف النشاط التجاري بين البلدين؛ لأن ذلك يعني، بكل بساطة، إفلاس مدنهم اقتصاديا وإحالتهم على العطالة. أغلب سكان المدن الأمريكية المجاورة للمكسيك هم من المكسيكيين المتجنسين، فقلما تصادف أمريكيا أبيض أو حتى أسود في مراكز التسوق، أو بالفنادق، الكل يتكلم الاسبانية، وحتى ضباط الشرطة ومراقبة الحدود جلهم من الأمريكيين ذوي الأصول المكسيكية. فهل تنشط هجرة عكسية من الشمال إلى الجنوب بحثا عن لقمة العيش إذا ما أفلست المدن المنتشرة شمال الحدود الأمريكية المكسيكية؟