160 اتصالا هو عدد المكالمات الواردة على الرقم الأخضر الذي وضعته ولاية الرباط في إطار البرنامج الإقليمي لمُحاربة التَّسول والتشرد، في ظرف ثلاثة أيام، عقب الانطلاقة الرسمية للخطوة التي جاءت في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، وتنفيذا للاتفاقية الإطار لتفعيل المخطط الجهوي لمحاربة الهشاشة لجهة الرباطسلاالقنيطرة 2016-2020. أزيد من 80 بالمئة من المكالمات الهاتفية المذكورة، استقبلتها المصالح المختصة من جميع جهات المملكة، تسأل أساسا عن "تعميم المبادرة على الصعيد الوطني"، خاصة خلال هذه الفترة من السنة التي تشهد بردا قارسا وتساقطات ثلجية، فيما توزعت باقي المكالمات على تبليغ "رباطيين" عن حالات تشرد، ليتم نقل 12 شخصا صوب مركز المحمدية للرعاية الاجتماعية، ابتداء من يوم الخميس 19 يناير الجاري. ولعل رصد ولاية الرباط لأزيد من 600 حالة تشرد بشوارع العاصمة الإدارية كان دافعا كبيرا من أجل إحداث إطار مؤسساتي تمثل في اللجنة الإقليمية للرعاية الاجتماعية لعمالة الرباط، التي تضم في عضويتها جميع القطاعات المتدخلة في الشأن الاجتماعي والأمني، وجمعيات المجتمع المدني النشيطة في مجال محاربة الهشاشة، وتشرف على تنفيذ برنامج العمل الإقليمي لمحاربة التسول والتشرد. التشرد.. كفى أحمد الزاوي، رئيس قسم العمل الاجتماعي بالمبادرة الوطنية للتنمية البشرية، أبرز أن الخطوة بعيدة عن العمل المرحلي أو الموسمي، موردا أن الاشتغال على المشروع انطلق منذ سنوات، تمكنت خلالها ولاية الرباط من رفع الطاقة الاستيعابية لمركز المحمدية للرعاية الاجتماعية، وتوسيع الفئات المستهدفة لتشمل أطفال الشوارع والمتخلى عنهم والنساء في وضعية صعبة والمختلين عقليا والمعاقين والمسنين. وأبرز الزاوي، ضمن حديث لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن الولاية عملت على إنشاء مركز المحمدية للرعاية الاجتماعية منذ 2008 ليكون وجهة أولى لجميع الحالات، لافتا إلى أن العائلات المغربية بإمكانها الالتحاق بالمركز قصد البحث والتعرف على المشردين والتائهين من أقاربها المتواجدين على تراب عمالة الرباط، مبرزا أن لائحة بأسمائهم وصورهم ستكون رهن إشارة العائلات، كاشفا أن الطاقة الاستيعابية لمراكز الإيواء بالرباط بلغت 2000 سرير. وعرَّج المتحدث على استراتيجية العمل المعتمدة قصد التصدي لظاهرة التشرد، مبرزا أن الأمر يعتمد على 4 مقاربات اجتماعية؛ تتمثل الأولى في الإدماج العائلي، عبر دمج الفئات في وسطهم العائلي بالرباط أو خارجها، ولعب دور الوساطة الاجتماعية في حال وجود نفور بين الأطفال المشردين والنساء في وضعية صعبة وعائلاتهم. أما في حال تعذر الإدماج العائلي، فتلجأ المبادرة إلى إدماج هذه الفئة مؤسساتيا عبر الإلحاق بمراكز إيواء قريبة من محل سكنى العائلات، وفق الزاوي، الذي أحال كذلك على مقاربة ثالثة متعلقة بالإدماج السوسيو اقتصادي، عبر توفير فرص عمل ودعم الأشخاص في وضعية صعبة عبر أنشطة مدرة للدخل وتمويل مشاريع صغرى. المقاربة الرابعة تروم وضع عملية تحسيسية تميط اللثام عن التجليات السلبية لظاهرة التسول والتشرد؛ وذلك من خلال تنظيم ندوات ولقاءات تواصلية وتكثيف التواصل عبر المنابر الإعلامية والمجتمع المدني والمساجد، فيما سيتم اللجوء إلى القضاء وتفعيل مقتضيات القانون الجنائي في حالة رفض الانخراط في المقاربات المتاحة والتسول بالأطفال. صورة الوطن من جهته ارتأى عليّ الشعباني، أستاذ علم الاجتماع، تفسير الخطوة من زاويتين؛ تتعلق إحداهما بالجانب القانوني، مشددا على ضرورة تعميم هذا الإجراء على كل جهات المملكة مع تبني حملات من هذا النوع، معتبرا أن المشردين والمتسولين "يسيئون لصورة المجتمع اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا". وأبرز الباحث أهمية "ردع وتفعيل إجراءات قانونية"، واصفا المبادرة بالإيجابية، مقابل أن "لا يتسم القرار بالظلم أو الجور أو الاعتداءات"، لافتا إلى أنه يجب أن يحظى "بالقبول من طرف كل من يحب الوطن ويحرص على صورته". وعرج الأستاذ الجامعي على الزاوية الثانية المتعلقة بالجانب الإنساني، مبرزا أن "التشرد والتسول لا يأتيان من فراغ، ولكنهما يكونان نتاج سياسات اجتماعية وسياسية واقتصادية تؤدي حتما إلى ارتفاع أعداد المتشردين والمتسولين"، وفق تعبيره، مستطردا بأن "الفوارق الاجتماعية واللامساواة في الحقوق والأجور تأتي نتيجة اختلالات سياسية واقتصادية ستفرز حتما المشردين والمتسولين". ودعا الباحث في علم الاجتماع، ضمن حديثه لجريدة هسبريس الإلكترونية، إلى ضرورة الرفع من نسبة النمو الاقتصادي، وخفض معدل البطالة، وتوفير الظروف الملائمة للتقليل من أعداد هذه الفئة التي ستبقى في حاجة إلى الدعم، مع الحاجة إلى بناء مؤسسات ومراكز إيواء وخيريات ودور عجزة، وعدد من البنيات والهياكل التي تستطيع احتواء المرضى والمعاقين والمتخلى عنهم والعجزة، وغيرهم. ويرى الشعباني أن خطوة إحياء القيم بالمجتمع المغربي كفيلة برفع مستوى التضامن والتكافل، وتفعيل النظرة الإنسانية لهاته الفئة، للعمل على إخفاء جيوش من المتسولين في الشوارع المغربية.