مات حمزة القادري بن العباس، شيخ الطريقة البودشيشية بالمغرب، لكنه ترك هياكل هذه الزاوية الصوفية الشهيرة قائمة، بل إنه خلف وصيته سنوات قبل وفاته، حتى إن وريثه ليس سوى نجله الدكتور جمال الدين البودشيشي، الذي يرث المشيخة من والده كما ورثها والده من جده العباس. وإذا كان الشيخ حمزة قد غادر الدنيا بماله وما عليه، فإن الراحل كان محط أنظار جميع التيارات والأطياف الإسلامية والسياسية بالبلاد. فخلال فترة مشيخته التي دامت زهاء 45 سنة، جذب الشيخ الصوفي إليه العديد من الأعداء والخصوم تماما كما استقطب إلى "مداغ"، شرق المملكة، آلاف المريدين. مناصرو الشيخ حمزة يرون فيه "وليا من أولياء الله" يمشي على الأرض ويسير في الأسواق، أو هكذا تم تصويره للكثيرين، فصار محج الآلاف يتبركون به ويتقربون للدين بمشاهدته، بينما مناوئو هذا الشيخ يعتبروه مبتدعا خرافيا يروج لطقوس ومعتقدات خطيرة على أنها من جوهر الدين. وبين هؤلاء وأولئك لا يمكن إنكار أن الزاوية البودشيشية في عهد الراحل حمزة ضمنت لها مكانة راسخة في المشهد الديني وحتى السياسي بالبلاد، باعتبار أن الرجل لم يغرق في "السلوك التربوي" إلى حد ينسيه "واجباته السياسية"، فكان أول من اقتحم مواقف سياسية في تاريخ الزاوية البودشيشية. يقول الخبير في السياسة الدينية بالمغرب، إدريس الكنبوري، إن الطريقة استفادت كثيرا من علاقتها بالدولة التي أصبحت تمنحها اهتماما أكبر في سبعينات القرن الماضي، خصوصا بعد مغادرة الشيخ الراحل عبد السلام ياسين للزاوية، وتأسيسه لجماعة العدل والإحسان، وانتقاده الشديد للملك الراحل الحسن الثاني في رسالة "الإسلام أو الطوفان". منذ ذلك الوقت، يضيف الكنبوري، "سلطت الدولة الضوء على هذه الطريقة بسبب تخوفها من احتمال خروج أفراد آخرين منها، وسلك معارضة الدولة والملكية مثل ياسين"، موردا أن الزاوية البودشيشية استثمرت ما حصل، ونالت حظوة الدولة ماديا ومعنويا، وهو ما دفع عددا من أقطاب الدولة إلى الانضمام إليها لاحقا". وجاءت مرحلة ثانية من عمر الزاوية البودشيشة في علاقتها بالدولة، تتمثل في ما بعد تفجيرات 11 شتنبر 2001 وتفجيرات الدارالبيضاء عام 2003، وبدء ما يسمى خطة إصلاح المجال الديني بالمغرب؛ إذ منحت الدولة اهتماما أوسع للزوايا الصوفية بشكل عام لخلق نوع من التوازن مع السلفيين. وسجل المتحدث أن الزوايا الصوفية لعبت في العقود السابقة دور الدولة نفسه في مواجهة الإسلاميين، ولكن ظهور السلفيين الجهاديين والتوصيات الأمريكية التي أكدت على أهمية الاهتمام بالتصوف منحا للزوايا حضورا أكبر في المجال العام، الشيء الذي استفادت منه الزاوية أيضا. وكما هو الشأن دائما في علاقة الزوايا الصوفية بالدولة، كانت الزاوية البودشيشية تسعى إلى التعبير عن مواقف سياسية مساندة للدولة في بعض المحطات السياسية، كما حصل مثلا عام 1999 عندما نددت برسالة ياسين إلى الملك بخصوص ثروته، وكما حصل عام 2011 عندما خرج أتباعها في مسيرة مؤيدة للدستور الجديد. ويبدو أن وفاة حمزة لن تغير كثيرا في مسار وتوجهات الزاوية البودشيشية، إلا في ما يخص ربما "كاريزما" الشيخ الراحل، في نظر الكنبوري الذي قال إن خلافته كانت مقررة سلفا، باعتبار مرضه لأزيد من عشر سنوات؛ إذ كان أبناؤه يباشرون أمور الزاوية الصوفية.