قدّم أحمد البوز، أستاذ القانون الدستوري في جامعة محمد الخامس بالرباط، قراءته للمشهد السياسي المغربي على ضوء انتخاب الحبيب المالكي رئيسا لمجلس النواب، وسيناريوهات تشكيل الحكومة؛ وذلك في ندوة نظمها مركز هسبريس للدراسات والإعلام، مساء الثلاثاء. وقال البوز: "إن ما جرى يوم الاثنين بمجلس النواب كان تمرينا ديمقراطيا لم نتعود عليه، كما كانت الكثير من الأشياء تزكي ترتيبات معدة سلفا، وكان نوع من الأخذ والرد ليس بالضرورة سلبيا، وإنما ضغوط لتحقيق تنازلات؛ لكن الإخراج يطرح سؤالا عميقا حول معنى العمل البرلماني والانتخابات في المغرب". واعتبر أستاذ القانون الدستوري أن هذه الوضعية تثير مسألة ثقة المواطنين والناخبين وتمثلهم للانتخابات، خصوصا في بلد تبلغ فيه المقاطعة نسبة كبيرة وللسياسة فيه صورة مخدوشة وتسمع أصوات تعبّر عن ندمها عن التصويت، وقال: "طرحت قضية المصلحة الوطنية؛ لكن كانت هناك مخارج أخرى. كان من الممكن أن يكون الرئيس من العدالة والتنمية أو الأحرار؛ لأنه يفترض في الرئيس أن يكون من الحزب الأول"، مضيفا أنه من الممكن أن نكون أمام أغلبيتين اثنتين إذا كانت الحكومة المقبلة برئاسة العدالة والتنمية. "يمكن أن يقال إنه من الناحية القانونية لا شيء يمنع؛ ولكن الدستور ليس حالة معزولة عن سياقه. وكان للملك أن يعين شخصا من العدالة والتنمية لتشكيل الحكومة غير عبد الإله بنكيران"، يقول البوز، الذي شدد على أنه كان للملك محمد السادس تقدير آخر بالنظر إلى السياق والإشكالات التي كان يثيرها رئيس الحكومة. وتابع المتحدث: "في البداية، طرحت مسألة حكومة لأحزاب الكتلة مع العدالة والتنمية. وكان هذا الخيار مرفوضا من بنكيران نفسه؛ لأنه يعرف الكلفة ولا يريد أن يكون معزولا بين هذه الأحزاب التي لها حمولة تاريخية". وأبرز أن الخطأ الذي ارتكبه بنكيران هو "إعلان تحالف مقدس مع الاستقلال والتشبث بإدخال التجمع الوطني للأحرار، وهذا خلق مشكلا أخذا بعين الاعتبار كون الاستقلال كانت له مشاكل عدة، خاصة عقب تصريحات الأمين العام لحزب الميزان بعد الانتخابات الجماعية". وعن ثنائية حزبي الاستقلال والاتحاد الاشتراكي، يقول البوز إن هذه الثنائية لم تطرح لأول مرة، بل كانت في التناوب الأول؛ حيث تم انتظار اعتزال امحمد بوستة، الذي كان يشغل حينها منصب الأمين العام لحزب الاستقلال، لكي يدخل هذا الأخير إلى حكومة الاتحاد الاشتراكي؛ لأنه كان يعتبر نفسه هو الذي سيقود التناوب. أما في 2002 عندما تصدر الاتحاد، خرج الاستقلال ليطالب بالتناوب، وهذا ما تم استغلاله في ما بعد لتعيين وزير أول تكنقراط، بالإضافة إلى مشاكل الاستقلال في الحكومة الأولى التي تسبب فيها لحزب العدالة والتنمية. وأوضح أستاذ القانون الدستوري أن "هناك اختيارات تريد أن تكون دون اجتماع أحزاب لها رصيد معين بغض النظر عن مشاكلها. كما أن إبعاد الاستقلال هو للحيلولة دون أن يشكل بنكيران حكومة بشروطه، في حين توجد أحزاب تريد تحقيق أهداف بالسياسة لم تستطع تحقيقها في الانتخابات"، موردا أن "إرادة تقزيم العدالة والتنمية أسهمت في فوزه بالانتخابات، وهذا ما يزيد من شعيبته". وبالرغم من عدم وجود استطلاعات للرأي بالمغرب حول مسألة شعبية العدالة والتنمية، فإن البوز قال إن هناك نوعا من التذمر لدى المواطنين، ليس من أجل "البيجيدي"، وإنما من قواعد اللعب النظيف، مضيفا أن حصيلة "المصباح" الحكومية كانت كارثية، ولو كانت في بلد ديمقراطي "لحصل على صفر"، ولكن الحزب زاد من مقاعده في البرلمان، ونجح في أن يسوق نفسه كحزب مظلوم. وفي الوقت الذي قال فيه المحلل السياسي إن انسحاب الاستقلال من التصويت هو موقف الحزب الممتعض والرافض لقواعد اللعب القائمة، أوضح أن تصويت العدالة والتنمية كان تصويت حزب لا يزال يراهن على تشكيل الحكومة والبحث عن صيغة للخروج من الوضع الحالي مع حفظ ماء وجهه، مشيرا إلى أن هذا السيناريو سيضعف "البيجيدي"، "وسيبرز بنكيران، المحصن بأكثر من مليون و600 ألف صوت، بأن غرضه هو الاستمرار في منصبه. كما أن الحزب سيذهب في اتجاه القيام بعدد من التنازلات على أبعد مدى بعد التصويت الأبيض"، في تقدير البوز. أما في ما يتعلق بموقف الأصالة والمعاصرة، وتصويته لمرشح الاتحاد الاشتراكي، يقول أستاذ القانون الدستوري: "لم أفاجأ به؛ لأنه أظهر نفسه في مظهر الحزب الماسك بخيوط اللعبة السياسية وأن الباقي مجرد يافطات مرتبطة به، بالرغم من أنه انهزم عدديا في الانتخابات ولكن من الناحية السياسية قادر على جر كتلة من الأحزاب، بما فيها أحزاب كانت تعتبر إدارية"، على حد تعبيره.