كيف تتصور الانتخابات التشريعية المقبلة على ضوء نتائج الانتخابات الجماعية والجهوية الأخيرة؟ من الصعب تقديم تصور واضح بشأن النتائج المتوقعة في انتخابات 2016 التي تفصلنا سنة عنها. لماذا؟ لأنه لا يمكن التحكم في الظرفية السياسية التي تفصلنا عن هذا الاستحقاق الانتخابي،وهي ظرفية تتحكم فيها معطيات داخلية وأخرى خارجية. ما نستطيع تقديمه هو فقط توجهات وفرضيات يمكن الاشتغال عليها. الآن، ما الذي يمكن أن نستخلصه؟ هناك ثلاثة أحزاب توجد في الصدارة: العدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة والاستقلال. هذا مؤشر ثابت تقريبا خلال انتخابات الشهرين الماضيين. لم يكن ذلك هو الحال على الخصوص في انتخابات 2009 أو 2011، حيث تراجع ترتيب التجمع الوطني للأحرار، وتقدم حزب العدالة والتنمية إلى جانب ثلاثي المقدمة. هكذا وجد حزب صلاح الدين مزوار نفسه ضمن المجموعة الثانية رفقة الحركة الشعبية، وضمت المجموعة الثالثة الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية والاتحاد الدستوري وحزب التقدم والاشتراكية. ستكون نتائج انتخابات 2016 مرتبطة بتداخل عدة عوامل: العامل الأول يتمثل في سلوك الحلفاء في الأغلبية والمعارضة في كلا المعسكرين. فهل ستتفق الأغلبية حول برنامج حكومي جديد بالنسبة إلى الفترة التشريعية 2016-2021؟ ما يعني أن كل مكوناتها الحالية (العدالة والتنمية والتجمع الوطني للأحرار والحركة الشعبية والتقدم والاشتراكية) ستقوم بالقراءة نفسها لحصيلة الحكومة الحالية، وأنها ستدافع عنها بحماس. هل هذا هو ما سيحدث؟ أشك أن يحدث ذلك لأن حزب العدالة والتنمية هو الذي كان أكثر «نشاطا وحيوية»، حيث ينسب إليه الإصلاحات التي أنجزها أو في طور الإنجاز خلال الفترة المتبقية من 2016. وهنا يظهر أن بنكيران يخطط للاستفادة من الحصيلة الإيجابية للحكومة… وماذا عن المعارضة؟ بالنسبة إلى المعارضة، فستكون في وضعية صعبة لسببين: أولا، لأنها لم تبق موحدة في ظل القطيعة المتوقعة مع حزب الاستقلال الذي يتجه إلى المساندة النقدية للحكومة. ثانيا، لم تنجح المعارضة في إعطاء زخم شعبي لبرنامج بديل يمكن أن يثير اهتمام الناخبين، ويجعلهم يمنحونها أصواتهم. يضاف إلى ذلك أنه من غير المستبعد حصول تغييرات داخلية في العلاقات بين الأحزاب، بسبب التناقضات الداخلية أو جراء خطط لإعادة التموقع من أجل تجنب العزلة المتواصلة داخل معسكر المعارضة في أفق 2021. كيف ستكون استراتيجية حزب العدالة والتنمية الذي يقود الحكومة للفوز في هذه الانتخابات؟ أمام حزب العدالة والتنمية إمكانية لإعادة صياغة استراتيجيته تحضيرا لانتخابات 2016 في عدة اتجاهات: أولها، هو الإبقاء على موقعه الأخلاقي، كما فعل مع الانتخابات الأخيرة، مقابل محاولة نزع الشرعية عن أحزاب المعارضة الأخرى. في هذا المخطط، يحقق البيجيدي الفوز لأن هناك طلبا كبيرا داخل المجتمع على الفضيلة والأخلاق. الاتجاه الثاني يهم الدفاع عن حصيلة بنكيران وحصيلة حزب العدالة والتنمية وحصيلة الحكومة التي يشرف على تسييرها، كحجة للمطالبة بثقة الناخبين، وحثهم على منحه ثقة جديدة لمدة خمس سنوات أخرى، بالنظر إلى أن إصلاحات أخرى تبقى ضرورية. وهكذا يمكنه أن يثير ريادته الأخلاقية والسياسية ليقول إنه الحزب الوحيد الذي يستفيد من دعم شعبي للقيام بالإصلاحات. لكن ذلك لا يجب أن ينسينا أن اقتراع 2016 يتعلق بانتخاب 395 عضوا بمجلس النواب الجديد بالاقتراع العام المباشر، وأن الناخبين هم المدعوون إلى التصويت. وهذا النوع من الاقتراع يختلف بطبيعته عن طريقة انتخاب مجلس المستشارين الذي يتم اختيار أعضائه من طرف دوائر انتخابية محدودة. خلال الحملة الانتخابية، يتوفر حزب العدالة والتنمية على مزايا تنافسية: شبكاته وهياكله الجمعوية… ولديه الخبرة التي راكمها منذ عدة سنوات والتي آتت أكلها في 2011. يوجد هذا الحزب في وضعية جيدة مقارنة ب2011، فقد تعلم الشيء الكثير، وأصبحت له معرفة أحسن بالإدارة، وهو متموقع بشكل أفضل على المستوى الجغرافي كما يتضح من نتائجه في انتخابات 4 شتنبر الماضي. ويعطي بنكيران، وهو على رأس الحزب، قيمة مضافة بخلاف زعماء أحزاب الأغلبية الآخرين، باستثناء، حسب ما يبدو لي، نبيل بنعبد الله، أمين عام حزب التقدم والاشتراكية. فقد استطاع بنكيران، من خلال أسلوبه، أن يصبح في قلب النقاش الإعلامي والسياسي. هل سيغير حزب الأصالة والمعاصرة استراتيجيته في انتخابات 2016؟ وهل ستتأثر تحالفاته مع الاستقلال والاتحاد الاشتراكي؟ الأصالة والمعاصرة هو الحزب الذي سيكون الأكثر بروزا في الصورة في انتخابات 2016. أولا، هل هو حزب حقيقي؟ ألا يعتبر بالأحرى آلة انتخابية هدفها «صنع الأرقام» الانتخابية. ظروف تأسيسه في 2009 مازالت حية في الأذهان، وكذلك النتيجة التي حققها في الانتخابات الجماعية لشهر يونيو 2009 التي تصدرها. واليوم، نجح في الحصول على رتبة متقدمة من بين المراتب الأولى رفقة حزبي العدالة والتنمية والاستقلال.. يوصف بأنه «حزب إداري» من الجيل الجديد. وهذا يعني أنه مازال أمامه طريق طويل حتى يمكنه الحصول على الشرعية. من المهم إثارة نموذج التجمع الوطني للأحرار الذي أسسه أحمد عصمان في شهر أكتوبر 1978. إنه بروفايل آخر ومغاير لبروفايل الزعيم أو الزعماء الحاليين لحزب الأصالة والمعاصرة. فهذه التشكيلة الحزبية قضت 20 سنة حتى أمكن اعتبارها في النهاية «قوة سياسية حية» تمثل الواقع الاجتماعي. وهو الشيء الذي مكنها من أن تصبح واحدة من المكونات الحزبية المقبولة، وتصبح جزءا من حكومة التناوب التي ترأسها الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، عبد الرحمان اليوسفي (1998-2002). سيكون حزب الأصالة والمعاصرة في 2016 بمثابة اللاعب الكبير. وسيكون عليه، بأي ثمن، حسب ما أعتقد، تصدر الأحزاب المتنافسة حتى يكون بإمكانه تشكيل وتسيير الحكومة الجديدة. علاوة على ذلك، فقد تمت برمجته لهذا الخيار انطلاقا من 2009، وانخرطت مجموعة الأحزاب الثمانية في أكتوبر 2011 ضمن هذا المخطط. إذا لم يتحقق ذلك، وإذا لم يأتِ على رأس الترتيب، سيكون أمامه خياران: إما الاستمرار في المعارضة إلى 2021، وهي وضعية من شأنها التشويش بشكل جدي على استمراره، لعدم وجود بنية حزبية حقيقية في صفوفه، وإما إلزامه بأن يكون مجرد حزب ضمن تشكيلة حكومية منتظرة يرأسها خصمه الصعب، العدالة والتنمية. هذا الخيار له كلفة سياسية مرتفعة لحزب الأصالة والمعاصرة لأنه يفقده، دون شك، هويته الأصلية، ولن يكون بإمكانه الاستمرار في مهمة «مواجهة حزب العدالة والتنمية»، التي تعد شعاره والعلامة التجارية لتأسيسه. أما علاقاته المستقبلية بحزبي الاستقلال والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية فستكون معقدة. فهل سيكون حزب الاستقلال ضمن المعارضة في 2016؟ لا أعتقد ذلك. وبخصوص الاتحاد الاشتراكي، هل يمكنه البقاء في الوضعية التي هو عليها حاليا؟ يعطي بنكيران أهمية كبيرة لمشاركة هذه التشكيلة الحزبية الاشتراكية المنحدرة من الحركة الوطنية، والتي حافظت على عمق تاريخي. إن إعادة إدماج الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية هو أقل صعوبة من 2011، لأن النقاش حول القيم، والذي كان سبب خلاف كبير بين الفرقاء السياسيين في تلك الفترة، قد اختفى وأصبح من الماضي، وفقد الكثير من كثافته ومن آنيته. يتوفر بنكيران على المرونة اللازمة لتجنب طرح هذا الموضوع في الواجهة، مع التركيز على أن مسألة «البرنامج المجتمعي» مرتبطة بالإصلاحات. لدينا هنا نموذج تغيير التوجهات مع دخول التجمع الوطني للأحرار في شهر أكتوبر 2013 إلى الحكومة، في حين كان هذا الحزب، ما بين 2011 و2012، يتبنى أطروحة حزب الأصالة والمعاصرة حول هذا الموضوع. هل تعتقد أن أحزاب المعارضة ستكون في وضع يسمح لها بتحقيق نتائج أفضل من تلك التي حققتها في الانتخابات الأخيرة؟ وضعية أحزاب المعارضة تبقى صعبة. على أي أساس ستقوم بحملة انتخابية؟ وحول أي برنامج؟ هل ستضاعف من وعودها للناخبين؟ يمكن لتلك الأحزاب أن تندد بكل ما لم يتحقق وما لم ينجز من طرف حكومة بنكيران، لكن، هل ستؤخذ مثل هذه الانتقادات بعين الاعتبار من طرف الناخبين؟ إن الخروج المتوقع أو المحتمل لحزب الاستقلال من معسكر المعارضة يمكنه أن يؤثر على الأحزاب الثلاثة المتبقية: الأصالة والمعاصرة والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية والاتحاد الدستوري. إن تموقع حزب الاستقلال هو الذي سوف يكون مثيرا للاهتمام وجديرا بالملاحظة في 2016 وبعد الاقتراع. سوف يكون له دور الحكم الذي سيتعزز، في كل الحالات، إذا انضم إلى الأغلبية -بغض النظر عمن يسيرها (حزب العدالة والتنمية أو حزب الأصالة والمعاصرة)- لأنه سيعول على أصواته كثيرا. فقد حصل في المجموع على 60 مقعدا في 2011، وقد يحقق أكثر من هذا في 2016. في جميع الأحوال سيكون له وزن في المعادلة. أما حزبا الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية (43 مقعدا) والاتحاد الدستوري (23 مقعدا)، هل يمكننا أن نتوقع تحسنا في نتائجهما؟ هذا السؤال مطروح؟ أسجل هنا بالمناسبة أننا لم نشعر بتأثير محمد ساجد الذي انتخب حديثا على رأس حزب الاتحاد الدستوري حتى الآن.
هل يمكن توقع حكومة يتحالف فيها البيجيدي والبام في 2016؟ كل الأوراق ستكون موضع خلط وتعديل في ربيع 2016، لكن يمكن أن تلمس مسارا يتعلق بتجديد الأغلبية الحالية مع متغيرات معينة. إن حكومة تضم حزبي العدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة غير مستبعدة، لكن ذلك يتطلب تقديم تنازلات كثيرة من هذا الطرف أو ذاك. سيزداد التنافس قبل حلول 2016، وكل طرف يرى أنه لا مكان للآخر بسبب انعدام الشرعية. ثم أن الذاتية بين زعيمي الحزبين تبقى مهمة، ولها أثر، لكن، ماذا سيجلب حزب الأصالة والمعاصرة كقيمة مضافة لبنكيران؟ إذا تعلق الأمر بالحداثة والتقدمية، فإن من تزعم هذا التوجه، تاريخيا، هما حزبا الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية والتقدم والاشتراكية * أستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس وإعلامي