غير بعيد عن كلية الطب بمدينة مراكش، يوجد مركز لطب الإدمان، شيد سنة 2012، يفتح أبوابه في وجه الباحثين عن التخلص من شراك تناول المخدرات بكافة أنواعها. يتكون من طابقين؛ خصص الأول للقطب الجمعوي، الذي يقوم بتنشيط فني وثقافي ورياضي وتنظيم دورات تكوينية لتطوير الكفاءات لدى المستفيدين، والثاني لعلاجهم من الإدمان طبيا ونفسيا، تحت إشراف أخصائيين في مجالات طبية ونفسية وعقلية. المركز يستقبل مرضاه من كافة الفئات الاجتماعية المختلفة، يقدر عددهم بأكثر من 500 مستفيد(ة) سنويا، منهم 25 في المائة من الجنس اللطيف. للمدمن حقوق "مشمكر"، "مسطي"، "ولد محشش"، تمثلات اجتماعية خاطئة يعمل الركز على رفعها عن المتعاطي للمخدرات. توضح مريم زويني، رئيسة جمعية التقليص من مخاطر الإدمان، لهسبريس، أن الدفاع عن حقوق المتعاطي للمخدرات وتمكينه من العلاج والحقوق الإنسانية، وحماية المتعاطين من التهميش والإقصاء بكل أشكاله، أهداف أخرى لمركز طب الادمان، مضيفة أن "المؤسسة تعمل أيضا على الإدماج الاجتماعي والاقتصادي والثقافي لهذه الفئة من المواطنين". لتحقيق هدف التقليص من التعاطي للإدمان، يلجأ المركز إلى وسائل مختلفة، على رأسها الأنشطة الرياضية والفنية والثقافية وجلسات الاستماع، تؤكد الفاعلة الجمعوية، موردة أن للظاهرة أسبابا عدة، كالإحباط والفشل الدراسي والأسري، ومشاكل كل من الوسط الاجتماعي والاقتصادي والعائلي، مبرزة حاجة المقبلين على الزواج إلى "التكوين في مجال التواصل والتعبير الوجداني، واحترام الآخر، نطفة وجنينيا وطفلا وشابا وكهلا أيضا"، تقول مريم الزويني. الإدمان مرض مزمن الإدمان حالة نفسية واجتماعية وإنسانية في الآن نفسه، توضح سناء بوعودة لهسبريس، مشيرة إلى أن هذه الظاهرة نتيجة لتفاعل العوامل الثلاثة، مشبهة علاجه بعملية سيرورة تنطلق من المقاربة الدوائية الطبية البيولوجية، لكن هذه الأخيرة غير كافية، رغم ضرورتها في حالة الاقلاع عن المخدرات، ما يؤدي إلى بروز بعض الأعراض الجسدية والنفسية، الشيء الذي يجعل المريض يبحث عن المخدر لإزالة اضطرابات الاقلاع، مشيرة إلى أن هذا الرجوع إلى المادة المخدرة تكون له انعكاسات نفسية أو عقلية خطيرة. "اختزال العلاج في الوصفة الطبية الدوائية أمر غير سليم؛ لأن الوسط الأسري والاجتماعي والمهني، مثلا، الذي كان وراء سقوط المدمن في شراك المخدرات، لا زالت قائمة ولا يمكن تغييرها"، تضيف الطبيبة ذاتها، مبرزة أن "المريض لا يمكن فصله عن أسرته أو أن نطلب من عامل مقهور أن يتوقف عن شرب الخمر، أو وسطه الاجتماعي الذي ينتمي إليه، وهذا ما يفرض تكامل العلاج واستمراره ومواكبة المدمن الذي بلغ درجة من الوعي بمرضه، عبر جلسات الاستماع والمصاحبة الاجتماعية". دور الطبيب النفسي والمساعدة الاجتماعية ضروري لاستعادة المريض لثقته بنفسه، والاحساس بتقدير الذات، تورد بوعودة، وهذا دور تعززه كذلك الورشات المتنوعة التي يوفرها مركز طب الإدمان، والعلاج الجماعي الذي يجعل المدمنين يدركون أنهم يعيشون مشكلا واحدا، وأن يتيح لهم الاطلاع على تجارب أخرى نجحت في الاقلاع عن تناول المخدرات، وتمكنت من الاندماج الاجتماعي والمهني والأسري. "70 في المائة من المدمنين يعودون إلى تناول المخدرات، وهذه قاعدة أكدتها التجارب العلمية"، بحسب الإخصائية النفسية سناء بوعودة؛ لأن "الإقلاع النهائي يتطلب خمس مرات من الفشل العلاجي، لتنطلق المسيرة من جديد؛ لأن الأمر يرتبط بالإنسان ككائن معقد وضعيف في الوقت ذاته، تتدخل في بنائه عوامل متعددة، ولأنه كذلك مخلوق وجداني يحتاج إلى تواصل قائم على التقدير الذاتي للآخر، واحترامه لا احتقاره وإهانته"، بتعبير بوعودة. قصة تحكى "خلال طفولتي كنت أرافق والدي ليشتري قطعة حشيش من مروج للمخدرات، بحي القرية بمدينة سلا حيث كنا نقطن قبل الرحيل إلى مراكش بعد تفكك أسرتنا، فترسخ في ذهني أن الأمر مقبول اجتماعيا وقانونيا، ما دام قدوتي يصاحبني لاقتناء المخدر"، يقول الشاب أيوب، تلميذ بالمستوى الثانوي، الذي حضر متحمسا ليروي بجرأة تجربته لهسبريس حتى تكون نبراسا لشباب المغرب وغيره من الأوطان. "عشت حياة بدون هدف ولا أمل"، يضيف الشاب نفسه، مشيرا إلى أن الانقطاع عن الدراسة وحضوره الجلسات الليلية مع كبار الحومة السلاوية بسبب لكنته المراكشية، أمور كانت وراء "ارتمائي في أحضان المخدرات، زد على ذلك المشاكل الأسرية؛ فالوالد هجرنا وأمي أمية لم نتذوق معها الحنان والحب، ما دفعني إلى الخروج إلى الحياة المهنية لكسب المال، ما زاد الطينة بلة؛ إذ أصبحت أحصل على ما أقتني به المخدرات من عرق جبيني". "كنت أتناول 25 حبة من حبوب الهلوسة في اليوم، إضافة إلى المعجون. لقد كنت ألجأ إلى تزوير الوصفات الطبية للمرضى العقليين لأحصل على حبوب علاجهم من أجل تناولها. كما قمت ببيع المخدرات، فأصبحت إنسانا خارج القانون، وبعد طردي من العمل بسب تأخري وعدم التزامي بفعل ما كنت أتناوله، أصبحت أسرق ممتلكات المنزل وأبيعها لأقتني المخدرات"، يحكي أيوب بألم شديد. "في ليلة من الليالي كنت ساهرا مع أصدقائي، وحضر عسكري برتبة رفيعة رفقة فتيات يبحثون عن الممنوعات، فتحرش واحد من زملائي بالشابات، ما دفعني إلى الانسحاب، وانتهى الأمر إلى تعنيف صاحب السيارة، فكان الحكم على أصدقائي قاسيا، ما أيقض ضميري؛ فزرت مركز طب الإدمان حيث استعدت ثقتي بنفسي، وتمكنت من العودة إلى دراستي بفضله، وتعلمت كيف أدير مشروعا أصبحت صاحبه، لقد نجحت بفضل المركز"، يختم أيوب حكايته مبتسما.