النظام العسكري الجزائري أصبح يشكل خطرا على منطقة شمال إفريقيا    بين الأخلاق والمهنة: الجدل حول رفض الدفاع عن "ولد الشينوية" ومحامي يدخل على الخط    ارتفاع إنتاج الطاقة الكهربائية الوطني بنسبة 2,4 في المائة عند متم شتنبر الماضي    الجنائية الدولية :نعم ثم نعم … ولكن! 1 القرار تتويج تاريخي ل15 سنة من الترافع القانوني الفلسطيني    إنجلترا: وفاة أكبر معمر في العالم عن 112 سنة    سعد لمجرد يصدر أغنيته الهندية الجديدة «هوما دول»    بينهم آيت منا وأحمد أحمد.. المحكمة تؤجل البت في طلبات استدعاء شخصيات بارزة في قضية "إسكوبار الصحراء"    الاعتداء على مدير مستشفى سانية الرمل بالسلاح الأبيض        دين الخزينة يبلغ 1.071,5 مليار درهم بارتفاع 7,2 في المائة    الجواهري: مخاطر تهدد الاستقرار المالي لإفريقيا.. وكبح التضخم إنجاز تاريخي    معاملات "الفوسفاط" 69 مليار درهم    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأربعاء    ما هي أبرز مضامين اتفاق وقف إطلاق النار المحتمل بين لبنان وإسرائيل؟    المغرب جزء منها.. زعيم المعارضة بإسرائيل يعرض خطته لإنهاء الحرب في غزة ولبنان    النقابة الوطنية للإعلام والصحافة … يستنكر بشدة مخطط الإجهاز والترامي على قطاع الصحافة الرياضية    المغرب التطواني يندد ب"الإساءة" إلى اتحاد طنجة بعد مباراة الديربي    الجزائر و "الريف المغربي" خطوة استفزازية أم تكتيك دفاعي؟    "بين الحكمة" تضع الضوء على ظاهرة العنف الرقمي ضد النساء    في حلقة اليوم من برنامج "مدارات" : عبد المجيد بن جلون : رائد الأدب القصصي والسيرة الروائية في الثقافة المغربية الحديثة    نزاع بالمحطة الطرقية بابن جرير ينتهي باعتقال 6 أشخاص بينهم قاصر    العائلة الملكية المغربية في إطلالة جديدة من باريس: لحظات تجمع بين الأناقة والدفء العائلي    التوفيق: قلت لوزير الداخلية الفرنسي إننا "علمانيون" والمغرب دائما مع الاعتدال والحرية    أساتذة اللغة الأمازيغية يضربون    الجديدة مهرجان دكالة في دورته 16 يحتفي بالثقافة الفرنسية    توهج مغربي في منافسة كأس محمد السادس الدولية للجيت سكي بأكادير    توقيف ستة أشخاص في قضية تتعلق بالضرب والجرح باستعمال السلاح الأبيض ببن جرير    اللحوم المستوردة تُحدث تراجعا طفيفا على الأسعار    مسرح البدوي يواصل جولته بمسرحية "في انتظار القطار"    شيرين اللجمي تطلق أولى أغانيها باللهجة المغربية    الأمم المتحدة.. انتخاب هلال رئيسا للمؤتمر السادس لإنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط    اتحاد طنجة يكشف عن مداخيل مباراة "ديربي الشمال"            برقية شكر من الملك محمد السادس إلى رئيس بنما على إثر قرار بلاده بخصوص القضية الوطنية الأولى للمملكة    القنيطرة.. تعزيز الخدمات الشرطية بإحداث قاعة للقيادة والتنسيق من الجيل الجديد (صور)    مواجهة مغربية بين الرجاء والجيش الملكي في دور مجموعات دوري أبطال أفريقيا    غوارديولا قبل مواجهة فينورد: "أنا لا أستسلم ولدي شعور أننا سنحقق نتيجة إيجابية"    حوار مع جني : لقاء !    عبد اللطيف حموشي يبحث مع المديرة العامة لأمن الدولة البلجيكية التعاون الأمني المشترك    مرشد إيران يطالب ب"إعدام" نتنياهو    المناظرة الوطنية الثانية للفنون التشكيلية والبصرية تبلور أهدافها    الدولار يرتفع بعد تعهد ترامب بفرض رسوم جمركية على المكسيك وكندا والصين    تزايد معدلات اكتئاب ما بعد الولادة بالولايات المتحدة خلال العقد الماضي    ملتقى النقل السياحي بمراكش نحو رؤية جديدة لتعزيز التنمية المستدامة والابتكار    اندلاع حريق ضخم في موقع تجارب إطلاق صواريخ فضائية باليابان    إطلاق شراكة استراتيجية بين البريد بنك وGuichet.com    صقر الصحراء.. طائرة مغربية بدون طيار تعيد رسم ملامح الصناعة الدفاعية الوطنية    الرباط.. انطلاق الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية    منظمة الصحة: التعرض للضوضاء يصيب الإنسان بأمراض مزمنة    تدابير للتخلص من الرطوبة في السيارة خلال فصل الشتاء    مهرجان الزربية الواوزكيتية يختتم دورته السابعة بتوافد قياسي بلغ 60 ألف زائر    الصحة العالمية: جدري القردة لا يزال يمثل حالة طوارئ صحية عامة        لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أية حكومة ستتشكل في ظل مسار التحلل من الدستور؟
نشر في هسبريس يوم 12 - 01 - 2017

إنه السؤال الذي ظل يلاحقني وأنا أتتبع النقاش حول وضعية الانسداد أو بالأحرى حركة المد والجزر التي مرت ولا زالت تمر بها المفاوضات من أجل تشكيل الحكومة؛ نقاش تخللته مصطلحات من قبيل "البلوكاج" ، كما تم إقحامه بفجاجة في لغتنا العربية الجميلة، أو من قبيل التحكم الذي يُراد له أن يصبح أطروحة تحاك انطلاقا منها المفاهيم وتدور حولها النقاشات أو حتى ما يعد من قبيل العرف الدستوري ما دامت الضبابية يراد لها أن تسود – أو بالأحرى هي سائدة – في شأن المقاييس التي تسعف للتمييز بين ما يندرج في إطار العرف الدستوري وما يندرج، خلافا لذلك، في إطار الممارسة الدستورية وتحديد المسافة بينهما، هاته الممارسة الدستورية التي أعتقد أنها هي الواردة بحيث عرفناها في شأن تعيين الأمين العام للحزب الفائز بالأغلبية في الانتخابات التشريعية المباشرة رئيسا للحكومة. كل هذا مع العلم أن القاسم المشترك بينهما، أقصد بين الممارسة الدستورية والعرف الدستوري، يتمثل في أن كليهما لا يسمو على النص المكتوب والملزم.
إن السؤال المطروح أعلاه ظل يلاحقني حتى عندما بدأ التلويح بالعودة إلى صناديق الاقتراع من طرف البعض سواء من داخل حزب العدالة والتنمية أم من خارجه كحل لوضعية الانسداد التى يمر بها تشكيل الحكومة. هذا بعيدا عن طرح إمكانية تعيين رئيس حكومة ثان من داخل نفس الحزب الذي حاز على الأغلبية في الانتخابات على أساس أنه ليس هناك ما يلزم الملك دستوريا باختيار الأمين العام للحزب الفائز لهذه المهمة وليس هناك دستوريا أية بدائل لتعيين رئيس الحكومة من خارج الحزب الذي حاز على الأغلبية، قبل الرضوخ إلى العودة إلى صناديق الاقتراع. وحتى ولو افترضنا أن الحسم في العودة إلى صناديق الاقتراع قد تم قبل استنفاد هذه الإمكانية، نقصد تعيين شخص أو آخر من نفس الحزب الذي حاز على الأغلبية، باعتبارها الإمكانية التي يتيحها الفصل 47 من دستور سنة 2011، فمن دون شك أن السؤال سيظل يلاحقني حتى في هذه الفرضية ولكن من خلال الصيغة التالية: أية انتخابات في ظل مسار التحلل من الدستور؟. هذا مع أن هذه الصيغة لإعادة طرح السؤال لا تعني الاستهانة بأهمية الانتخابات أو قانون الأغلبية سواء كانت نسبية أو مطلقة في تعيين رئيس الحكومة وفقا لمقتضيات الدستور، أي من الحزب الفائز بالأغلبية في الإنتخابات التشريعية المباشرة.
إن ذلك السؤال ينطلق من قلب الممارسة السياسية، هاته التي لا تلتئم عند مسار واحد بل تخترقها مسارات متعددة. إن هذه المسارات ينبري منها مسار عميق يهيمن عليها، تأسس على هامش قواعد الشرعية الدستورية. إنني أصفه بمسار التحلل من الدستور. لا أقصد هنا الخوض في مناقشته بالنظر إلى الممارسة السياسية لكل الفاعلين السياسيين. إنني أقصد مناقشته تحديدا بالنظر إلى الممارسة السياسية للفاعلين الأساسيين اللذين يوجدان على رأس السلطة التنفيذية والمتمثلين أساسا في الملكية ورئيس الحكومة، خصوصا وأنهما في الظرفية السياسية الحالية ، أول المعنيين وبصفة مباشرة بالفصل 47 من الدستور الذي ينصب على تشكيل الحكومة، من جهة، وباستثمار الإمكانيات التي يتيحها في شأن اختيار رئيس الحكومة، من جهة أخرى. كل هذا على الرغم من أن الأنظار تتركز حاليا حول الخلافات السياسية الحزبية بل والسياسوية التي تعج بها الساحة السياسية. هذا الفصل الذي ينص على أن " يعين الملك رئيس الحكومة من الحزب السياسي الذي تصدر انتخابات أعضاء مجلس النواب، وعلى أساس نتائجها. ويعين أعضاء الحكومة باقتراح من رئيسها (...) ".
تبعا لهذا فمسار التحلل من الدستور لا يهم طرفا فقط دون آخر في هذه السلطة بل يهم الطرفين معا، كما أنه لا يهم طرفا بصفة أساسية والآخر بصفة ثانوية. ذلك أننا إن اعتبرنا الأمر كذلك، فكأننا أمام ما يفيد بأن وضعية التحلل من الدستور تحتمل التدرج حتى يتأتى توصيفها كذلك. كل هذا على الرغم من أن البعض قد يرى بأن واجهة كهاته تعتبر ثانوية مع أننا نرى أن تهميشها قد يحجب عنا أبعادا من شأن العمل على استجلائها أن يجعلنا ندرك بأن الانسداد الذي يعرفه تشكيل الحكومة، والذي من المحتمل جدا أن يستمر بصيغة أو بأخرى حتى بعد تذليل الصعوبات والعراقيل التي تحول دون تشكيل الحكومة، ما هو إلا جزء من انسداد يتخلل وضعية دستورية برمتها. هذا لدرجة أن يغري بالتساؤل فيما إذا كانت طبيعية أم لا، حيث إنه يقاس بمدى استقلالية الدستور عن الفاعلين السياسيين ليصبح مؤطِّرا للممارسة السياسية لا مؤطَّرا بها.
لماذا بالضبط التركيز على هذه الواجهة فقط دون غيرها من الممارسة السياسية وعلى الفاعلين الأساسيين على مستوى السلطة التنفيذية فيها؟ لأنه حتى وإن كانت الأحزاب السياسية فاعلة أساسية في نفس هذه الممارسة السياسية فإننا لا نستبعد أن تتضاعف الخلافات بينها بأخرى دفينة وغير معلن عنها بين طرفي السلطة التنفيذية المتمثلين في الملك ورئيس الحكومة؛ أقصد بين مؤسسة رئيس الحكومة والمؤسسة الملكية. إنها خلافات من شأنها أن تعطي مكانا للتوتر في العلاقات بينهما، هذا سواء في فرضية انفراج على مستوى تشكيل الحكومة وما بعدها أو حتى في فرضية العودة إلى صناديق الاقتراع في حالة فشل رئيس الحكومة المكلف بتشكيل الحكومة وما بعدها. ذلك أن انعكاساتها بصفة سلبية على الأداء الحكومي خلال الولاية التشريعية الثانية في ظل دستور 2011 تظل واردة.
لا ننازع في أن التحلل من الدستور كمسار يهيمن على الممارسة السياسية ليس وليد اليوم أو الأمس وأن الملكية وإن كانت فاعلة فيه فإن هذا لا يعني أن رئيس الحكومة بمنأى عنه. وإذا اقتصرنا على الممارسة السياسية في ظل الدستور الحالي فإنه لا يختلط فقط بالظروف الحالية التي تحيط بتعيين الملك رئيس للحكومة عقب السابع من أكتوبر 2016 - وبالممارسة السياسية المرتبطة بها لتشكيل الحكومة. إنه يمتد إلى الوراء، أي إلى دخول الدستور حيز التطبيق ليتفاقم مع تعيين السيد عبد الإله ابن كيران رئيسا للحكومة. إن مسؤوليته في وضعية الانسداد التي تتخلل الوضعية الدستورية الحالية قائمة. إنها تجد أساسها في انخراطه في مسلسل التحلل من الدستور الذي بدأت تلوح معالمه منذ المصادقة على الدستور وتأكد مع الانتخابات التشريعية المباشرة بتاريخ 25 نوفمبر 2011 حيث أصبح بدوره فاعلا أساسيا فيه. إن هذا الانخراط يجعلنا نستحضر الممارسة السياسية لرئيس الحكومة في جوانبها الرامية إلى تمتين أواصر الثقة مع المؤسسة الملكية التي تندرج في مسار التحلل من الدستور. فبمجرد تعيينه رئيسا للحكومة تواترت تصريحاته التي تفيد بأن " الحكم لله ولجلالة الملك " لتتضاعف - على امتداد الولاية البرلمانية وحتى إبان الاستحقاقات التشريعية المباشرة - بأخرى تندرج في إطار تبرير حلول الملك في مواطن اختصاصات الحكومة.
من الممكن أن يعتبر البعض أن تصريحات كهاته تلزمه كشخص أو كأمين عام لحزب العدالة والتنمية. بيد أننا لا يمكن أن نتعامل معها إلا اعتبارا لموقعه كرئيس للحكومة. إنها تعد من هذه الزاوية بمثابة تغيير جذري في معالم الدستور الذي من المفروض أن يستمد منه سلطاته وتشكل بالتالي إخلالا بالتعاقد الأساسي المتمثل في الدستور المصادق عليه في الفاتح من يوليوز2011 والصادر في الجريدة الرسمية في أواخره والذي من المفروض أن يشكل الأساس الذي يستمد سلطاته منه ويمارسها بناء عليه وذلك على غرار كافة الفاعلين السياسيين. ذلك أن الدستور، بمجرد المصادقة عليه وصدوره في الجريدة الرسمية، يتعين فيه أن يكتسب الاستقلالية عن كل الفاعلين السياسيين التي من شأنها أن تجعله مؤطِّرا للحياة السياسية. بيد أن رئيس الحكومة، بواسطة ممارسه كالتي وقفنا عندها، سيكون قد ساهم في تأسيس ميزان قوى سياسي خارج سلطة الدستور، من شأنه أن يفرض عليه - وهذا مهما كانت "المكاسب" التي يمكن أن يكون قد حصل عليها- تنازلات أكثر مما لو التزم بقواعد الشرعية الدستورية والديموقراطية.
إنه حتى وإن اعتقد البعض أن تصريحات كالتي ذكرناها تجد سندها في الشرعية الانتخابية التي يتوفر عليها رئيس الحكومة فلا يفوتنا أن نجزم هنا بأن الشرعية الانتخابية لا تعلو على الشرعية الدستورية. إنهما تسيران معا جنبا إلى جنب. خارج هذا الإطار فإننا سنكون قد دخلنا في تأسيس أعراف دستورية وممارسات دستورية يراد لها بصفة واعية أن تسمو على الدستور القائم وأن تؤسس لنظام دستوري لا علاقة له بالدستور، أي كما تمت المصادقة عليه بالاستفتاء الشعبي قبل أن ينشر في الجريدة الرسمية. هل سنغامر بالتساؤل إلى متى ستظل هذه الممارسة قائمة؟ وهل سنغامر بالقول إن التوقيت قد يرتبط في أعين الحزب بالانتقال من الأغلبية النسبية إلى الأغلبية المطلقة؟ نكتفي إزاء تخمينات كهاته بالقول بأنه إلى أن يؤون أوان تحقيق هذه الفرضية ستكون الممارسة السياسة والدستورية للحزب قد دخلت إلى النفق.
قد يثور الاعتقاد بأننا نقصد بهذه الممارسة السياسية فقط الطرف المتمثل في رئيس الحكومة. إننا نتدارك الأمر لنقول إن انخراط الملكية في مسار التحلل من الدستور قائم بحيث تتجلى معالمه في حالات عدة في حلولها في جوانب من مواطن الصلاحية الحكومية كما سبق أن ذكرنا. بيد أن انخراط رئيس الحكومة هذا، الذي ينسحب على الحزب الذي ينتمي إليه، في مسار التحلل من الدستور يعد مغريا ويكتسي، اعتبارا للشرعية الانتخابية التي يتمتع بها، دلالة قصوى لتفسير ممارسته السياسية. ذلك أن انخراطا كهذا لا يتخذ دائما طابع الاستكانة والخضوع إلى سياسة الأمر الواقع لتبرير الممارسة الملكية. إنه يتخذ أبعادا تروم أحيانا الحلول في هوامش من الصلاحية الملكية . إن هذا التوجه على الرغم من خضوعه لظرفيات دقيقة خاصة تلك التي ترتبط بالانتخابات بصفة عامة، ينطوي على النزوع - ولو بصفة غير معلن عنها - إلى المواجهة ولكن من مواقع أخرى، لها علاقة بالمجال الانتخابي الذي يستمد منه شرعية وجوده كحزب في المؤسسات الدستورية بصفة عامة. في هذا الصدد يتعلق الأمر بمحاولة استثمار الحزب للهامش الذي تُرك إلى الملك بفعل التحرير الذي عرفه الفصل 47 بحيث تعود إليه مبدئيا حرية اختيار الشخص الذي سيشكل الحكومة من الحزب الذي تصدر نتائج الانتخابات التشريعية المباشرة.
إن استثمار هذا الهامش لم يكن غائبا عن المؤتمر الوطني الاستثنائي لحزب العدالة والتنمية، الذي تم عقده في السنة الفارطة ( 28 ماي 2016)، لتأجيل مؤتمره الوطني العادي سنة كاملة الأمر الذي استتبع تمديد ولاية الهيئات المنبثقة عن مؤتمره الوطني السابق لنفس المدة. وبالرغم من المبرر الذي حدده الحزب في ضرورة التفرغ لورش الاستحقاقات التشريعية المباشرة كما عرفناها يوم السابع من أكتوبر من هذه السنة فإن هاجس تمديد ولاية أمينه العام لمدة سنة بعد استنفاد ولايتين متتاليتين حتى يتأتى له أن يعين كرئيس للحكومة لولاية ثانية كان حاضرا وبقوة. إن التعبير عن هذه الإرادة الحزبية في الظرفية الحالية بل والتشبث بأمينه العام الذي كنا شاهدين عليه رئيسا للحكومة بعد التعيين الملكي على أساس أنه الإمكانية الوحيدة لَهُو غني بالدلالات. فالإرادة الحزبية لم يتم التعبير عنها وكأنها من قبيل التمنيات بل باعتبارها الإمكانية الوحيدة التي لا مناص منها وإلا فالبديل يتمثل في العودة إلى صناديق الاقتراع كما تم الإفصاح عنه في الوقت الراهن. كل هذا يعني خنق مساحة التصرف الملكي في الإمكانية الواحدة والوحيدة التي تم التعبير عنها بتعيين الأمين العام للحزب رئيسا للحكومة.
لن نذهب حد القول بأن الحزب يتصرف وكأن مجال الانتخابات يعود له ومجال الاختصاصات للملك؟ إن الجزم بهذا ينطوي على المغالطة والمبالغة في آن واحد خاصة وأن ممارسات في صلب المجال الانتخابي يمكن أن تلامس بصفة واعية أو غير واعية، مباشرة أو غير مباشرة الصلاحية الملكية في تدبير المجال الديني، وهو ما سنعود إليه، إن أمكن، في دراسات لاحقة.
هل يمكن الدعوة إذن إلى تحرير هامش الصلاحية الملكية من القيود التي سيجت بها كأولوية يتعين أن تستثمر في استنفاد الهوامش التي يتيحها الفصل 47 من الدستور، أقصد تعيين شخص آخر من نفس الحزب، الذي قد تتجاوز قدرته على التفاوض وعقد التحالفات الحزبية لتوفير أغلبية برلمانية مساندة للحكومة تلك التي يمتلكها رئيس الحكومة المكلف حاليا بتشكيل الحكومة؟ إن وصفة كهاته قد تبدو وكأنها واهية. ومع ذلك، فتجريبها قد يمكن من الوقوف عند طبيعة العراقيل التي تعترض تشكيل الحكومة إن كان لها من مجال، إن كانت تتعلق بالشخص أو بالحزب أو بكل بساطة بعرقلة الإرادة المعبر عنها بواسطة صناديق الاقتراع للزج بمحاولة تشكيل الحكومة في الاعتبارات السياسية بل والسياسوية. هاته الاعتبارات التي لا نستبعد منها مقاومة شرسة إزاء تأسيس ميزان قوي بناء على قانون الأغلبية.
بالفعل، ليس هناك ما يسمح بالقول إن الإرادة الملكية تقيدت بالإرادة الحزبية لعدة اعتبارات. ذلك أن الخوض، أولا، في مسألة النوايا الملكية تعد معقدة في هذه النازلة بل ولأن الأمر قد لا يعدو أن يكون، ثانيا، سوى تقاطعا بين الإرادتين الملكية والحزبية مما يفسر عدم تعيين شخصية ثانية لرئاسة الحكومة من نفس الحزب بدل الأولى، وإلا فإن الصلاحية الملكية في تعيين رئيس الحكومة ستغدو شكلية، تابعة لإرادة الحزب مهما كانت الأغلبية الانتخابية التي حاز عليها نسبية. ومع ذلك، يتعين علينا أن نوضح في هذه الفرضية بأن التقاطع بين الإرادتين، إن كان فعلا قائما، فهو حول الشخص وليس حول ربط ممارسة الصلاحية الملكية في تعيين رئيس الحكومة بالأمين العام للحزب الذي تصدر نتائج الانتخابات، وإلا فإن ربط رئاسة الحكومة بالأمين العام للحزب الذي تصدر نتائج الانتخابات يعني تعيين رئيس حكومة جديد بعد عقد المؤتمر الوطني العادي للحزب بعد سنة، اللهم إلا إذا عدل الحزب نظامه الأساسي للسماح له بولاية ثالثة على رأس الأمانة العامة.
في جميع الأحوال فإننا حتى ولو استحضرنا التصريحات السالفة التي تقضي بأن " الحكم لله ولجلالة الملك " فإننا نتساءل فيما إذا كان من الممكن قراءتها على النحو الذي يجعلنا نضيف إليها ما يضفي عليها دلالتها الفعلية التي تتمثل في المسكوت عنه، هذا الذي يقضي بما يفيد " شريطة أن تكون الأغلبية لحزب العدالة والتنمية وأمينها العام رئيسا للحكومة ". في هذه الحالة نتساءل كيف لتصريحات كهاته أن تستقيم وهي تسقط في قمة التعامل التاكتيكي مع الدستور بدل التقيد به؟. كل هذا على الرغم من عِلله التي يحتويها والتي جعلتنا نسميه بالدستور التقديري بحيث لا زالت تطرح ضرورة الخروج منه عن طريق الانخراط في عملية تأسيسية مضادة للتي أفسحت له المجال. ذلك أنه لا بد من الإقرار بأن الشرعية الانتخابية لا يمكن أن تكون لها من مصداقية إلا إذا اندمجت في الشرعية الدستورية.
من دون شك أن الحزب الذي يعتبر رئيس الحكومة أمينا عاما له مسلح بأغلبية انتخابية وازنة، لا يستهان بها، تفوق بكثير ربع المقاعد في ظل التعددية الحزبية القائمة والنظام الانتخابي القائم. بيد أن ثمة مؤشرات تفيد بأن المقاومات التي انتصبت إزاء هذا الواقع مرشحة إلى أن تبقى قائمة حتى وإن تشكلت الحكومة. كل هذا لا يمنع من القول إن تحصين الشرعية الانتخابية بالشرعية الدستورية مطروحٌ بإلحاح.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.