دعا سعيد لكحل، الباحث المتخصص في شؤون حركات الإسلام السياسي، الدولة إلى مضاعفة جهودها لمحاربة الفكر المتشدّد الذي يحفل به التراث الفقهي الإسلامي، الذي قالَ إنّ "الفكر الداعشي يتغذّى منه"، حسب تعبيره، مستندا إلى قولة عمر ابن الخطاب "إنّ الله يزعُ بالسلطان ما لا يزع بالقرآن". وقال لكحل، في ندوة نظمتها "حركة تنوير"، اليوم السبت بالرباط، في موضوع "التنوير وضدُّه في التراث المغربي"، إنَّ الفقه الإسلامي وضع بنية فكرية استحكمتْ في العقول، ولا يمكن، حسب رأيه، أنْ تتغيّر إلا بالقانون، مشيرا في هذا الإطار إلى المواقف الرافضة لمدوّنة الأسرة. "لوْ أجري استفتاء، اليوم، وسُئلَ المغاربة هل يُريدون إلغاء المدوّنة الجديدة، لصوّتوا بنعم، لأنّ البنْية الفكرية لم تتغيّر"، يقول لكحل، مُبرزا أنَّ ثمّة حاجة إلى دولةِ مؤسسات تترجم ما جرى التنصيص عليه في الدستور. وذهب لكحل إلى القول إنَّ الأفكار المتطرّفة التي تتبنّاها التنظيمات الإرهابية مستمدّة من التراث الفقهي الإسلامي، قائلا: "مصيبتُنا في فِقْهنا. نحنُ نُرهب العالم، وأصبحنا خطرا عليه، لأنَّ أيَّ شخص يمكنه أن يرتدي حزاما ناسفا، أو يقود شاحنة مشحونة بالمتفجّرات ويقتلَ الناس في أيّ مكان باسم الإسلام". وتطرّق لكحل، في معرض مداخلته، لنظرة التراث الفقهي الإسلامي إلى الآخر، متسائلا: "لماذا يحرّض التراث الفقهي على اليهود والمسيحيين، ولا يذكر الديانات السابقة؟"، وأردف مجيبا على سؤاله: "المسألة سياسية؛ لأنَّ اليهود والمسيحيين كانوا يعيشون مع المسلمين، وهذا التحريض والكراهية ضدهم له أهداف سياسية واقتصادية، لأنّهم كانوا يحتكرون التجارة، وكان ثمّة خوف من المسلمين على دولتهم الناشئة". واستدلَّ لكحل بمجموعة من الأحاديث المنسوبة إلى الرسول ﷺ، مثل حديث وردَ فيه أنّ "صِنْفا من عباد الله المسلمين سيجيئون اللهَ يوم القيامة على ظهورهم أمثال الجبال الراسيات ذنوبا، فيأمر اللهُ أنْ تُحطّ عنهم ذنوبهم وتُجعل على اليهود والنصارى.."، وعلّق على هذا الحديث ساخرا: "لماذا نُبْغض اليهود والنصارى إذن؟ المفروض أن نشجّعهم على التكاثر ليحملوا عن المسلمين أوزارهم يوم القيامة". واعتبر الباحث في شؤون حركات الإسلام السياسي أنَّ ثمّة تناقضا كبيرا بينَ أحاديث منسوبة إلى الرسول ﷺ وبيْن الواقع المعاش اليوم، مشيرا في هذا الإطار إلى حديث "عقْلُ أهل الذمّة نصفُ عقل المسلمين"، وبالسخرية نفسها التي علّق بها على الحديث سالف الذكر قال: "الواقع اليومَ يكشف أنَّ عقول عشرة مسلمين لا تزنُ عقل ذمّيٍّ واحد". هذه الصورة التي رسمتْها بعض الأحاديث المنسوبة إلى الرسول ﷺ عن المسيحيين واليهود، حسب لكحل، "ولّدتْ لدى المسلمين الكراهيّة والرغبة في ممارسة العنف ضدّهم، وتضاعفت شدّة هذه الرغبة حين اختلط ما هو ديني بما هو سياسي، بعد تأسيس إسرائيل، إذ ظلّ المسلمون يترقبون موعد الانتصار على اليهود والقضاء عليهم". وبخصوص نظرة التراث الفقهي الإسلامي إلى المرأة، قال لكحل إنّ هذا التراث "متشبع بقيَم كانتْ سائدة قبل مجيء الإسلام، مستحضرا في هذا السياق مجموعة من الأحاديث المنسوبة إلى الرسول، ومنها حديث "المرأة ناقصة عقل ودين"، معتبرا أنَّ الطلّاب الذكور اليوم، رُغم أنَّ الواقع يُثبت أنّ الإناث متفوّقات عليهنّ في الدراسة، "إلا أنّهم يعتبرونهن ناقصات عقل، لأنهم غير قادرين على التوفيق بين الواقع الجديد وبين عقليتهم المتغذّية على التراث الفقهي المكرّس لتصوُّر أنّ المرأة أقلّ شأنا من الرجل". واعتبر لكحل أنَّ المسلمين اليوم "لازال يحكمهم الفقهاء من قبورهم"، معتبرا أنّ التيارات الحداثية تواجَه بمعارضة شرسة كلما اقتربت من بنْية التراث الفقهي الإسلامي؛ لكنَّه انتقد، في المقابل، الحداثيين، قائلا إنهم "ارتكبوا خطأ حين تركوا التراث للمحافظين الذين استثمروه لصالحهم"، وزاد: "يجب على التيّار الحداثي أن يُعيد قراءة هذا التراث الذي هو مِلْك مشترك لنا جميعا، ويتّخذه سَندا لتعضيد مواقفه من أجل تغيير المجتمع".