رغم سنوات عمره التي جاوزت 110 عاما، لا زال حدو موحا متشبثا برغبته في الحياة، تقاسيم وجهه رسمها الزمن كما شاء، لكن دون أن يتمكن من نزع ابتسامته التي تكشف عن سنٍّ وحيدة داخل فمه اختارت عدم التخلي عن صاحبها وهو في أرذل العمر. خفة ظله بدت معهودة بين سكان دواوير جماعة تباروشت، رغم ما يعانيه من فقر وتهميش ونسيان. الاستعانة بالله بشيء من الفخر تحدث الحاج موحا عن كونه من أكبر شيوخ الجماعة؛ "هاد البلاد ديالنا ما بقا فيها غير خمسة ديال الناس كبار، ثلاثة فدوار آيت علي ويوسف، واحد في آيت زروال وواحد في آيت أومغار.. صافي. الآخرين غير دراري"، قبل أن يبدأ في استعراض محطات من حياته، خاصة خلال دخول الاستعمار للدوار، ومقاومته له؛ "رحنا لي عارفين الاستعمار أما هادو راهم ما عارفين والو"، يقصد جيل الشباب، حتى إنه قضى عقوبة حبسية جاوزت 13 شهرا مع التعذيب؛ "وقد بعثت بملفي إلى هيئة الإنصاف والمصالحة لكن لا أحد رد عليّ إلى غاية يومنا هذا". ورغم طول عمره إلا أن موحا، وعلى عكس ساكنة الدوار، لم ينجب سوى أربعة أبناء؛ ثلاثة منهم ذكور وأنثى واحدة، وفي استفساره عن السبب، أرجع ذلك إلى اختياره أن يكون له عدد أقل من الأبناء. وحول الكيفية التي قضى بها حياته بالدوار، قال: "كانت بمشيئة الله وكيف اختار لها لله أن تكون"، قبل أن يتوجه بالدعاء لينعم المولى على الدوار ب"السترة.. راه مخاصنا والو من غير السترة.. وداكشي لي خاصنا راه عند ربي". الاستعانة بالله يلجأ إليها الحاج كذلك خلال مرضه؛ "فعندما أمرض لا أتوجه إلى الطبيب .. معنديش باش، والله وحده القادر على أن يشفيني". الحاج موحا ليس وحده من له قصة تستحق أن تروى، بعدما قضى سنواته المديدة بدوار بين القمم المنسية، وظل صامدا في وجه الفقر والمعاناة والتهميش متشبثا بالأرض التي أنجبته إلى أن يعود إليها. "قابلة" الجماعة لعل أبرز المشاكل التي تهدد حياة نساء الأرياف، الوفاة تأثرا بألم المخاض في غياب تام للمتابعة الصحية، وهو الدور التي سعت إلى أن تلعبه الحاجة أمزيلي عائشة بدوار تيلوغيت؛ "فقد قمت بتوليد العديد من النساء، حتى لم أعد أتذكر عددهن، ربما 100 أو 150، وهناك بعض الأسر التي قمت بتوليد البنت والأم والجدة". بابتسامة لا تغادر محياها، وبتمرد عن هَمّ الزمن، أفصحت أن لا علم لها بسنين عمرها، قبل أن تُقدر أنها جاوزت الثمانين عاما. وحتى إن صح العدد، فقد أبقى على قليل من الحيوية لدى الحاجة التي تقطع يوميا عشرات الكيلومترات على طريق شديدة الانحدار لزيارة نساء مقبلات على الولادة؛ "حتى لو تطلب الأمر التنقل معهن نحو بني ملال أو أزيلال"؛ وذلك بعدما تقوم بمعاينة حالة الأم "إلا شفت الحال غيكون ساهل عليها كنولدها هنا، ولكن إلا شفت أنه غادي اتزير عليها كنقول ليهم هزوها لبني ملال ولا أزيلال". عائشة التي أنجب رحمها 12 ابنا؛ اثنان منهم توفيا، لتتكفل بعد ذلك بتوليد العشرات من الأرحام، جددت مناشدتها للمسؤولين إيلاء أهمية خاصة للصحة، من خلال تزويد مستوصف الجماعة بطبيب توليد، والمعدات اللازمة لمتابعة الحالة الصحية للنساء الحوامل، بشكل خاص، وجميع ساكني الدوار، بمن فيهم الكهول الذين يعانون من الأمراض التي تنضاف إلى قساوة المناخ، ما يثقل كاهلهم وهم في أرذل العمر. لا خلف "لي بقا فالدوار هوما الناس لكبار لي مقادينش"، يؤكد الحاج النوري موحا ذو 68 سنة، ما جعل الجماعة تخسر سواعد أبنائها الشباب الذي اختاروا الرحيل نحو المدن الكبرى بحثا عن لقمة للعيش الكريم؛ "حتى إن الأرض لم تعد تجد من يحرثها"، يقول النوري بنبرة متذمرة. الحاج لخص كل ما تعانيه دواوير المنطقة، وبالأخص مع الصحة، بقوله: "وعدونا بأنه عندما نبلغ 6000 نسمة بالجماعة سيتم تخصيص طبيب لنا، لكن رغم أننا جاوزنا هذا الرقم إلا أننا لا زلنا دون طبيب، فقط بعض الممراضات اللائي يقدمن لنا الحبوب نفسها في كل مرة يحتم علينا الألم البحث عن الدواء".