تعيش الجامعة المغربية بوادر أزمة حقيقة ليست من طينة الأزمات التقليدية التي غالبا ما تخيم بظلالها على الفضاء الجامعي بين الفينة والأخرى؛ وتتوج إما بانفجارات نقابية، إدارية، طلابية أم أساتذية.. إنما هي أزمة تتقاذفها العديد من الخلفيات منها ما هو بيداغوجي محض، ومنها ما هو إداري محض ومنها ما هو بيروقراطي منطلقه اللعبة المصلحية التي غدت الرهان الأساس والمنطلق الرئيس الجاري به العمل ببعض المواقع الجامعية، عوض مبدأ الكفاءة العلمية واستحضار روح وأهمية المرحلة التي تمر منها البلاد. ويجرنا هذا الحديث إلى استحضار النقاش الذي أعقب وواكب مخاض القانون 01.00 الذي وضع على رأس قائمة اهدافه شعار الانفتاح على المحيط الاقتصادي والاجتماعي. هذا الشعار الثقيل من حيث حمولته الاستراتيجية أنتج عرضا تربويا أفرز تكوينات جديدة تواكبة أوراش التنمية الكبرى التي انطلقت بجل ربوع المملكة، وحولت البلاد إلى ورش مفتوح على كل الواجهات. الاقتصادية، والاجتماعية، والبنية التحتية.. وبات بذلك المغرب أحد اهم وأبرز العناوين التي تستلهم المتابعة لكبرى المؤسسات الإعلامية العالمية. هذا الاهتمام البارز لوسائل الإعلام الدولية؛ يجرنا إلى التساؤل عن نوعية الرسائل الإعلامية التي تبثها هذه الوسائط، الخفي منها قبل الظاهر، غير مباشر منها الذي يتلقاه العامة من جمهور المتلقين، قبل المباشر. من هنا نتساءل : أي صورة إعلامية تروجها هذه الوسائط العالمية عن المغرب؟..هل تعكس رسائلها الإعلامية، الظاهر والخفية، المباشرة والغير مباشرة، حقيقة التطورات التي تعرفها المملكة،إن على المستوى الاقتصادي أو الاجتماعي، أو السياسي والحقوقي؟؟ لنتفق أولا على أن الإنسانية تعيش زمنا باتت المعلومة تعتلي فيه ترتيب أول السلط، وبات المتحكم في صناعتها / إنتاجها هو الأكثر قدرة على بسط نفوذه وموقعه ضمن خارطة صناع القرار الدولي. ولما كان الأمر كذلك، فقد كان من البديهي جدا ومن الطبيعي أيضا، الإقرار بأن ما تصرفه هذه الوسائل من رسائل إعلامية عن المغرب، لم ولن يكن قط ليلعب من جهة دور المرآة التي تعكس الحقيقة، ومن جهة ثانية يمارس حقه الطبيعي الذي تقره له كل المرجعيات المرتبطة بمجال تداول المعلومات، ألا وهو حق ممارسة الدعاية البيضاء التي ترتكز على مبدأ تداول صنف معين من المعلومات والرسائل الإعلامية التي تسير في اتجاه معاكس لما تسوقه وسائط الإعلام الدولي وذلك بهدف خلق نوع من التوازن أمام نوعية المعلومات التي يستقبلها جمهور المتلقين، ما يعني تمكن الأخير من وضوح الرؤية وبالتالي إدراك فعل تنوير الرأي العام قصد تمكينه من اتخاذ قراراته ومواقفه بشكل سليم وصحيح وبعيد كل البعد عن منطق التأثر بصنف واحد ووحيد من المعلومات. إن هذه المقاربة تجرنا إلى ضرورة الحديث عن صنف جديد من المعلومات،نسميه استنادا إلى مبدأ معاكسة التضليل، بالمعلومة الوطنية التي لا يمكنها أن تنتج أو تصنع إلا في إطار وطني، تماما كما الدور الذي لعبته المعاهد والمدارس الوطنية على عهد الاستعمار. وهذا يجعلنا نقر أن مؤسسات التعليم العالي وتكوين الأطر تتحمل من جهة أولى، في الظرف الراهن، مسؤولية وطنية تاريخية، وبالتالي فمن واجبها استحداث تكوينات وحقول معرفية جديدة تتماشى وهذه الرؤية، لتكوين كوادر من أجل خلق مؤسسات وطنية تستثمر في هذا النوع من الصناعة الذي دونه تبقى كل المشاريع والأوراش الكبرى التي تعرفها البلاد عرضة لمهب الريح، مع هبوب أولى النسمات عند أي حادث عرضي بسيط من مستوى حادث فاس الذي تعرض فيه شاب للاعتداء من قبل بعض العامة من الناس. غريب كل الغرابة، بل ومحزن ونحن نعيش زمن صناعة المعلومات، أن تفتقر مؤسساتنا الجامعية لتكوينات متخصصة في مجال الإعلام والاتصال، والأغرب والأخطر من ذلك كله أن تعلن الحرب ببعض المواقع الجامعية على هذا المجال، وأن تتم خوصصته في قالب عمومي، أمام انظار بعض المسؤولين. وما يحز في النفس؛ أن ذلك حدث في عهد الوزير الحسن الداودي الذي تميزت فترته بوأد بعض نواة تكوينات في هذا المجال خرجت للوجود على عهد سلفه أحمد خشيشن. وهل صدفة أن توجه الوزارة المعنية كل المناصب المالية الجديدة المخصصة سنويا لأساتذة التعليم العالي لتكوينات تقليدية لا تزال تدرس ببرامج تعود إلى 30 سنة خلت، بينما لا تستطيع أن تفرض على المؤسسات الجامعية تخصيص بعض هذه المناصب لفائدة هذا الحقل المعرفي الذي أصبح عرضة للتطفل؟ وبماذا يمكن تفسير إغلاق تكوينات متخصصة في الإعلام والاتصال، وكذا ضياع الملايين من المال العام في مرافق قيل أنها مخصصة لهذا المجال، والآن يتم وأدها شيئا فشيئا، قبل بيعها في المزاد العلني قطعة قطعة؟ إن من يعاكس مشروع استحداث تكوينات مرتبطة بمجال الإعلام والاتصال بمؤسسات التعليم العالي وتكوين الأطر، إنما يعلن الحرب على أوراش التنمية الكبرى التي تشهدها المملكة، ومن ثم فهو يعمل ضد إرادة الملك، وضد المصلحة العليا للوطن.