صباح يوم السبت 30 شتنبر الماضي، وضمن فعاليات المنتدى الثالث للكفاءات المغربية بألمانيا، الذي أقيم تحت شعار "مغاربة العالم: كفاءات لمغرب الغد"، بمدينة طنجة، شدني الانتباه إلى تصريح يحمل بين طياته العديد من الرسائل الإعلامية، أدلى به السيد عبد الكريم بن عتيق، الوزير المنتدب المكلف بالمغاربة المقيمين بالخارج وشؤون الهجرة، جاء فيه: "في المغرب، علينا أن نعترف بأننا لا نتقن تسويق صورة بلدنا". إن ما فهم ويفهم من هذا التصريح هو أننا في المغرب نفتقد إلى أهم صناعة ترتكز عليها مؤسسات صناعة القرار في العالم، يتعلق الأمر بصناعة الصورة الإعلامية التي تقترب من المصطلح الفرنسي Image médiatique، وتأخذ ثلاثة أبعاد أساسية. البعد الأول ذو طابع إشهاري، والثاني دعائي محض، أما الثالث فهو إخباري. والأبعاد الثلاثة تتفاعل بين بعضها البعض لتفرز لنا تلك الصور والتمثلات التي تتكون تدريجيا عبر مختلف وسائل الاتصال، وتترسخ في ذهن ومخيلة الجمهور المتلقي حول أشياء أو أشخاص أولتها هذه الوسائل والوسائط الاتصالية اهتماما مكثفا ومنتظما لأسباب واعتبارات شتى، ومن زوايا معينة، يترتب عنها (الصور والتمثلات) عند المتلقي رد فعل تتبلور ملامحه في التموقف الإيجابي او السلبي، إما في صورة خوف أو معتقد أو انبهار... وما إلى ذلك. للفهم أكثر، نضرب مثالا بما تقوم به داعش على مستوى استغلال مواقع التواصل الاجتماعي، يندرج في هذا الإطار، مما يعني أن هذا التنظيم يعمل لفائدته، حتى لا نقول خبراء في مجال الإعلام والاتصال، كوادر على قدر كبير من الخبرة والتجربة في مجال الإعلام والاتصال. هذا النموذج، نستقرئ ملامحه من العديد من الشخصيات التاريخية التي، بفضل سياسة صناعة الصورة الإعلامية المخيفة للآخر، تأتى لها توسيع نطاق نفوذ سلطتها من دول عادية إلى إمبراطوريات كبرى وعظمى. إن القائد المغولي المعروف بجانكيسخان كان إذا ما أراد احتلال منطقة ما، أوفد إليها عددا من مخبريه وأعينه شهورا عدة قبل احتلالها، لينشروا ويذيعوا عنه كل ما من شأنه أن يكوّن عنه وعن جيشه صورا مخيفة. حتى إذا شاع أمر تحركه دخل المنطقة المذكورة دون مقاومة تذكر، وهو الأمر نفسه الذي اعتمده تنظيم داعش لاحتلال بعض مدن العراق دون أدنى مقاومة، الموصل تحديدا، حيث لعبت بعض الفيديوهات التي نشرها التنظيم ببعض مواقع التواصل الاجتماعي، وروجت لها بعض القنوات الفضائية، العربية تحديدا، هذا الدور بامتياز. إن السياسة الإعلامية الحديثة، فضلا عن أنها يجب أن تسعى إلى تشكيل وتنوير الرأي العام المحلي لتمكينه من اتخاذ القرارات والمواقف السليمة التي تشغل بال المجتمع، فهي آلية من آليات المواجهة وممارسة الضغط على الخصم، وهي أيضا بمثابة مختبر أو مصنع لإنتاج الرسائل الإعلامية التي تجعل المتلقي، الآخر، بمن فيه الخصم، يقبلها بغير شك ويؤمن بها ويعمل ويعبئ من أجلها، وهي أقرب إلى عمل المؤسسات الاستخباراتية العالمية التي تعمل لفائدة أجندة حكوماتها. فقبل غزو العراق أنتجت وكالة المخابرات الأمريكية معلومة تفيد بكون العراق يمتلك أسلحة الدمار الشامل، وتم تسخير وسائل الإعلام الدولي لتسويق هذه المعلومة بشكل جعل جانبا مهما من الرأي العام الدولي يقتنع بمدى الخطورة التي بات يشكلها العراق على الأمن العالمي، ومن ثم جره (الرأي العام) إلى القبول بفكرة الحرب على العراق. لكن بعد الغزو ونهاية الحرب، كان الاعتراف بالخطأ في تصريف هذه المعلومة. وفي ماذا نفع هذا الاعتراف بعد الاطاحة بصدام وتفكيك قوة العراق؟ إن ما نعتبره قوة أو تقدما للآخر، لا يمثل الحقيقة، إنما يعكس الصور والتمثلات التي تترسخ في ذهننا عن هذا الآخر، من خلال ما تصرفه وتسوقه وسائل الاتصال. هذا يعني أننا إن أردنا أن نعتلي منبر القوة والتقدم، علينا التوفر على الإمكانات والقدرات اللازمة لإنتاج هذه الصورة الإيجابية، عنا، لإقناع الآخر بها وجعله يعتقد ويؤمن بها بشكل متطرف لا يقبل التزحزح. إنه في غياب الإرادة السياسية لدى مختلف مواقع استصدار القرار ببلادنا، وفي غياب الاعتقاد والإيمان بهذه الرؤية، تبقى كل المشاريع والأوراش الكبرى التي تعرفها البلاد عرضة لمهب الريح، مع هبوب أولى النسمات عند أي حادث عرضي بسيط من مستوى حادث فاس الذي تعرض فيه شاب للاعتداء من قبل بعض العامة من الناس، أو أحداث الشغب التي عرفتها (الأسبوع الماضي) مباراة كرة القدم بالمجمع مولاي عبد الله بالرباط، ما بين الوداد البيضاوي ونهضة بركان، أو حادث فتاتي إنزكان، وما إلى ذلك من الأمثلة الكثيرة، التي تستغلها بعض وسائط الاتصال، ومن ضمنها وفي مقدمتها وسائل الإعلام الدولي، لتسوق وتصرف للآخر مجموعة من الرسائل الإعلامية التي تساهم في إنتاج صورة إعلامية مشوهة ومضللة عن بلادنا. إن هذا يجعلنا نعتقد أن مؤسسات التعليم العالي وتكوين الأطر مطالبة باستحداث تكوينات وحقول معرفية جديدة تتماشى وهذه الرؤية، لتكوين كوادر من أجل خلق مؤسسات وطنية تستثمر في هذا النوع من الصناعة. لكن قبل ذلك، من الضروري التوفر على إرادة سياسية حقيقية تضع الخطط والاستراتيجيات للنهوض بهذا النوع من الصناعة الذي يعتلي، اليوم وغدا، المراتب الأولى في سلم الصناعات الدولية.