راديو سوا خدمة إذاعية من خدمات الإذاعة الدولية الأمريكية التي يشرف عليها ويمولها مجلس أمناء الإذاعات الدولية وهو أحد الوكالات التابعة للحكومة الأمريكية. ويشرف مجلس الأمناء على مكتب الإذاعات الدولية ويزوده بالإرشادات، ويتولى مهمة الحارس لحماية الاستقلال المهني للإذاعيين وضمان أمانتهم. ومن بين المبادئ المرشدة لراديو سوا أن خدمة مصالح الولاياتالمتحدة على المدى الطويل تتم من خلال الاتصال الجماهيري المباشر باللغة العربية مع شعوب الشرق الأوسط عن طريق الراديو. ويسعى راديو سو ليحظى باحترام المستمعين ويجذب انتباههم. وسيلتزم راديو سوا في تقديم الأخبار بالدقة والموضوعية والشمول. هكذا يعرف راديو سوا الأمريكي المستعرب نفسه في موقعه على الشبكة، والذي دخل على المغاربة فضاءهم السمعي أخيرا، ببث برامجه على موجة إف أم. ويكون هذا الحدث فاتحة على عهد خصخصة وتحرير القطاع السمعي البصري المغربي الذي بشر به المسؤولون على الإعلام من مجيء حكومة جطو.. و ينضاف إطلاق راديو سوا كبادرة إعلامية تأسست في أوج ما تسميه أمريكا حملتها على الإرهاب والتحضير لغزو العراق، (تنضاف) إلى بادرة إعلامية أخرى كانت دشنتها منذ شهرين بمشروع مجلة هاي الأمريكية الصادرة من واشنطن عن الخارجية الأمريكية، لتوزع المجلة في المغرب بالإضافة إلى باقي بلدان المغرب العربي والشرق الأوسط، كما هو الحال بالنسبة للمجال الذي تبث فيه الآن إذاعة سوا.. ولا نعرف بناء على البطاقة التعريفية لهذا الراديو، وهو الذي يخدم المصالح الأمريكية، ما إذا كان سيوفي بالالتزام بحماية الاستقلال المهني للإذاعيين وضمان أمانتهم في إمداد المغاربة بالنقل الأمين للأوضاع الحقيقية لجنود الاحتلال الأمريكي والأوضاع الحقيقية للشعب العراقي المحتل، وما يتعرض له من يوميا من الإذلال والتجويع، وسير المقاومة؟ أم أن القناة الإذاعية الأمريكية المستعربة ستتحدث بالكلام المعسول وعطر الياسمين والورود والشعر المنظوم والنثر المسجوع عن صور الأمل والمستقبل والرخاء والاستقرار والحرية والديموقراطية، التي تصنعها الدبابات والطائرات على بلاد الرافدين ومهد الخلافة العباسية. عندما أصدرت مجلة هاي عددها الثاني، توجهت إلى الشباب المغربي والعربي (إن كان هذا الشباب الذي لا يملك قوت يومه قد اطلع عليها أصلا) في الغلاف بعنوان عريض: الموسيقى العربية تغزو الغرب، مصحوبا بصورة لمغني فن ما يسميه أصحابه بالراي الشاب مامي (ولا ندري كيف تتناسب أسماء هؤلاء الشباب مع لون غنائهم). وكما في هذه المجلة التي تصدر 50000 نسخة إلى الشباب العربي المفترض، تهيمن الموسيقى العربية والغربية على البرامج في إذاعة سوا. وكما تتحدث على طرف النقيض كل منابر الدنيا عن الغزو الأمريكي للعراق وما يجري باسم الاحتلال على أراضيه، تتكلم مجلة هاي وراديو سوا في عقر بيت العرب عن كون موسيقاهم العجيبة تغزو بسحرها وجمالها الغرب بأكمله. وكأن موسيقانا ستجعل صقور الغرب وأمريكا تتحول إلى حمائم، تسكب من قلبها فيضا من السلام على المنطقة العربية وباقي العالم الإسلامي. ثم ما الذي يجعل أمريكا تقتطع من جيوب دافعي الضرائب 4 مليون ونصف المليون دولار من أجل مجلة، ثم رصد موازنة مالية مقدارها 35 مليون دولار لإطلاق هذه الإذاعة، لتقول لنا إن موسيقاكم تغزونا؟ وهل يمكن أن نتصور أمريكا تسمح يوما لصحفها ومنابرها الإعلامية، سواء الأعجمية أوالمستعربة، بأن تعلق يوما بإعجاب عن غزو بلدها بقيم إسلامية أو بفلاحة مغربية أو صناعة مكانيكية حربية إيرانية أو مصرية؟ وقبل ذلك كله، من منا لا يتذكر كيف قتلت القوات الأمريكية الصحفيين العرب واستهدفتهم واستهدفت مكاتب القنوات التي يعملون لها. فهل كانت الإدارة الأمريكية وجود منابر- سواء كانت قنوات تلفزية أو إذاعية أو صحافة مكتوبة- لتنافس منابرها الرسمية في غزو وعي المتلقي العربي والأمريكي بالحقيقة وتنوير عقلهما بدل عزف الناي السحري على آدانهما لعزلهما عن الواقع؟ المتلقي المغربي مثله مثل أخيه العربي له من الإعلام التلفزي والإذاعي والمكتوب من صنف إذاعة سوا ومجلة هاي ما يكفي. كما أن المتلقي العربي يتعرض للإعلام الجاد بالقدر الذي يشبع ذاكرته عن سياسات أمريكا وازدواجية مواقفها في فلسطين والعراق وكل الشرق الأدنى والأوسط. إن الإدارة الأمريكية تخطئ دائما في تحديد الهدف والوسيلة معا لتصحيح صورتها في ذهن العربي. عبدالرحمان الهرتازي وشهد شاهد من أهلها!! صورة أمريكا في العالم الإسلامي من خلال إعلامها بمناسبة رحيل شارلوت بييرز عن الدبلوماسية الخارجية الأمريكية، ورغم اعترافها بالفشل الذريع في ترميم وجه الولاياتالمتحدة في بلدان العالم العربي والإسلامي، أكد رئيسها في وزارة الخارجية الأمريكية أن هدفها (شارلوت) في الوصول إلى الجماهير الشابة العميقة والواسعة سيبقى معنا بعد مغادرتها. شارلوت بيرز تفشل في ترويج صورة أمريكا قدمت شارلوت بيرز، 67 وهي في أواسط الستينات من العمر، من على رأس أكبر وكالات صناعة الاستشهار إلى وزارة الخارجية كنائبة لوزيرها في الشؤون العامة، بعيد تفجيرا ت 11 شتنبر في نيويوركوواشنطن، أي بعد ثلاث أسابيع فقط من التفجيرات. وبعد عامين من الخدمة في هدا المنصب الحساس بالنظر إلى الوظيفة الملقاة على عاتقها، قدمت شارلوت استقالتها معترفة بالفشل الذريع في رأب الصدع بين العالم الإسلامي وأمريكا. كانت مهمتها شاملة لكن الثقل الكبير من تلك المسؤولية كان ينصب على العالم الإسلامي، حسبما ذكرت أسوشييتد برس. في شهادة لها بمناسبة مغادرتها لمنصبها، نقلتها وكالة أسوشييتد برس، اعترفت شارلوت بييرز بالتحدي الكبير في قلب شعور العداء المتسع لأمريكا في هذه البلدان (أي البلدان الإسلامية). ومضت تقول إن الشرخ بين من نحن وكيف نريد أن نكون في أعين الآخرين، وكيف نحن في حقيقة الواقع، متسع بشكل مخيف. وعددت جهودها لتلميع صورة الولاياتالمتحدة، ومن تلك الجهود عملية التبادل الثقافي والبث التلفزي، فقد أنتج مكتبها وثائقيا عن حياة المسلمين في الولاياتالمتحدة بث بشكل واسع في البلدان الإسلامية، على أمل الوصول إلى القلوب والعقول في أوساط الطقبات الشعبية العادية. لكن شارلوت أقرت أن تغيير تلك القلوب والعقول في العالم الإسلامي يستلزم مشروعا بعيد المدى. وتقول أسوشييتد برس عن نائبة وزير الخارجية في الدبلوماسية الخاجية، إنها تعرضت لانتقادات لاذعة من قبل الصحافة الأمريكية زمنا قليلا بعد توليها منصبها، وهو ما جعلها تكره توصيفات الصحافة التي تماثل دورها في ترويج صورة أمريكا في الخارج بنجاحها في ترويج منتوج رز العم بن من بين منتوجات أخرى. وقيل إنها كانت تشعر أن تلك القصص تنتقص من جهودها في وزارة الخارجية لمحو الصور النمطية عند شعوب العالم الإسلامي، وفق ما أسوشييتد برس. الصورة المتلفزة لأمريكا بين الواقع والدبلوماسية إن سيل الصور المتلفزة التي يتلقاها العالم والعالم الإسلامي، على الخصوص، عن الرئيس بوش، وعن وزيره في الدفاع، دونالد رامسفيلد، وهما ينثران التهديد والوعيد هنا وهناك، وصور القوات الأمريكية المتعجرفة تدوس رقاب المدنيين العزل وتهزم عدوا أضعف منها تكنولوجيا بمئات السنيين، لهو كفيل بأن يرسخ لدى المتلقي، من أي جنسية ومن أي عرق كان، الإحساس بالظلم والكراهية تجاه طاغوت يجبن أمام دولة قزمية غير مسلمة مثل إسرائيل أو كوريا الجنوبية. قد تحقق أمريكا، أو بالأحرى الإدارة الأمريكية، النصر العسكري على شعوب المنطقة الإسلامية، وهي أصلا مطوقة ومكبلة باستبداد حكوماتها، فهذا في غاية السهولة، وأما أن تربح السلم وتصلح صورتها في العالم فهذا هو التحدي، كما تعبر عن ذلك صحيفة دي أوريغونين في مقالة 12 أبريل الماضي، على لسان موفات، مدير تنفيذي في الإشهار ببورتلاند. ويعترف أرييل كوهن، الباحث في مؤسسة التراث (Heritage Foundationَُ) الحكومية المحافظة في مقالة دي أوريغونين، بأن الإدارة الأمريكية الآن تواجه حرب أفكار مع العالم الإسلامي والعالم من ورائه. ووصف مارك باردن، مخطط إعلامي، هده الحرب من جانبه ب حرب الدعاية ( War Propaganda ). ويقف مارك باردن على صورة دقيقة تمثل التوجيه الذي تتلقاه القوات الأمريكية في بعض المواقف الدعائية، تلك الصورة التي عاشها العالم الإسلامي والعالم أجمع، عندما انتظرت القوات الامريكية ساعات طوال لتترك لبعض العراقيين المبادرة في إسقاط تمثال صدام حسين. وبعدما فشل العراقييون في ذلك، ارتقى أحد الجنود الأمريكيين على صدر التمثال ليضع العلم الأمريكي على رأسه، وحين تلقى، فيما بدا، بعد هنيهة، الأوامراستبدل العلم الأمريكي بالعلم العراقي، لتكتمل دلالة الصورة بإعطاء مبادرة إسقاط صنم صدام خلال ساعات طوال مع تتويج عملية الإسقاط برفع العلم العراقي على رأس الصنم المنهار. وأوضح مارك باردن أن المشكل في الطريقة التي تسوق بها أمريكا نفسها. بطبيعة الحال لا يشير مارك باردن إلى التناقض الحاصل في دبلوماسية أمريكا مع واقع العمل، وإنما يطالب بضرورة النظر إلى حرب العراق بعين مسوق المنتوج التجاري، وأن الحرب هي بمثابة حملة تجارية ناجحة يجب أن تخفي الرسالة ، لأن ذلك ليس أمرا عمليا وفق صناعة الإشهار. فإدارة بوش لم تكن ثابتة على أي رسالة، فتبريرات مسؤوليها للحرب تأرجحت باكرا ودائما من الادعاء بدعم العراق للإرهاب، إلى الادعاء بامتلاكه أسلحة الدمار الشامل، إلى القول إنه نظام ذو طبيعة استبدادية. فما كان مقبولا لدى الأمريكين من تبريرات حكومتهم في البداية لم يكن مقبولا لدى الشعوب الإسلامية والعالم، وما كان مقبولا عند الأمريكيين في وقت ما لم يعد مقبولا في نهاية الحرب، واشتعال المقاومة. وأوضح علي أبو نعمة، من موقع الانتفاضة الإلكترونية، أن جملة أيام من الأخبار الجميلة لن تمحو صورة العدوان الأمريكي على العراق. وأوردت صحيفة دي أوريغونين أن الإدارة الأمريكية ذهبت إلى مادسون أفنيو، في محاولة لاستقدام شارلوت بييرز لتحسين صورتها. والغريب في الأمر أن الإدارة الأمريكية ورؤوس خزانات الأفكار الأمريكية المتطرفة( Think Tanks) لا تريد أن تستحظر في صلب النقاش السياسة الأمريكية الجانحة عن العدل والمشروعية الدولية، لذلك نجد أرييل كوهين من مؤسسة التراث يربط فشل أمريكا في تجميل صورتها في عيون العرب والمسلمين بالشخص الذي يمثل زعيم الإشهار والدعاية الأمريكية في العالم الإسلامي. وشبه الحرب الدعائية التي يجب على الولاياتالمتحدة أن تنهجها ضد العالم الإسلامي بتلك التي خاضتها بلاده في الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي سابقا. غير أن صحيفة دي أوريغونين تعلق في سياق الكلام أن الولاياتالمتحدة يمكن أن تتقدم خطوة في الحرب الدعائية إذا ما استطاعت أن تقيم النظام وتتفادى الكوارث الإنسانية في العراق. وأضافت إلى تعليقها هذا، ما صرح به دجين أبي نادر، عن المعهد العربي-الأمريكي، من أن الحملة ليست حملة علاقات عامة...لأن المسألة لاتخص الكلام بقدر ما تخص الأفعال. وأضاف أبي نادر أنه من أولويات الإدارة (الأمريكية) إنجاز وعودها بشأن الأشكال الديموقراطية في العراق. وتمضي الصحيفة إلى القول إن إعادة بناء نسبة من تقرير المصير كان المفتاح في الاحتلال الناجح لألمانياواليابان في الحرب العالمية الثانية. فاليابان تبنت دستورا جديدا في سبعة أشهر فقط بعد الاستسلام، وأقامت انتخابات بعد دلك. وأما ألمانيا فأجرت انتخاباتها في العام ,1949 أي بعد ما يقرب أربع سنوات. ولعبت محاكمات الأنظمة المخلوعة وجرائمها دورا مهما للاحتلالين، لما جلبته من دعم شعبي. هكذا تحدث، دجيف مانين في مقالتة بالصحيفة. فهل تطبق ما طبقته في اليابان وأمريكا، فترحل وتدع الشعب العراقي يقرر مصيره نفسه بنفسه، بعد الذي عانه من حكم صدام وفي ظل الاحتلال. يقول الكاتب نقلا عن جيفري هرف، الأستاذ بجامعة ماريلاند: بعد أكثر من 50 عاما، تحتاج أمريكا إلى أن تهتم بالدرس في ألمانياواليابان. عبدالرحمان الهرتازي