خلف القمع الأسود الذي ووجهت به انتفاضة 20 يونيو 1981 بالدار البيضاء العديد من المعتقلين والشهداء (سموا زورا وظلما واستهزاء بشهداء كوميرا). وبدل أن تكون الانتفاضة الشعبية حافزا لإغناء الممارسة السياسية وتطويرها ودرسا للهيئات السياسية والنقابية، وخاصة التي كان يراهن عليها للمساهمة في عملية التغيير الديمقراطي على الأقل، كان الانبطاح، وكان الاندماج بأشكال وأخرى في مشاريع النظام الطبقية والتصفوية. وكان بدون شك استمرار القمع والاضطهاد والبؤس الاقتصادي والاجتماعي، وهو ما أدى في أقل من ثلاث سنوات الى انتفاضة شعبية أخرى عمت جل مدن ومناطق البلاد ووجهت بدورها بالحديد والنار، وسقط على إثر ذلك الشهداء وامتلأت السجون بالمعتقلين. إنها انتفاضة يناير 1984. والآن ورغم كل الشعارات البراقة التي رافقت التحولات التي عرفها المغرب، وعلى رأسها انتقال السلطة من ملك الى آخر، يزداد القهر والحيف استفحالا والأوضاع الاقتصادية والاجتماعية ترديا. ورغم التضحيات البطولية التي عبر عنها أبناء شعبنا بعد ذلك في مناسبات عديدة (انتفاضة فاس، انتفاضة صفرو، انتفاضة إفني...) ورغم النهوض المتواصل الآن من خلال حركة 20 فبراير، ما فتئ القمع يتوسع ويأخذ أشكالا غير مسبوقة (تهييج البلطجية وتحريضها ضد المناضلين...). فمن الترهيب والاعتداءات المتكررة والاعتقالات المنظمة والعشوائية الى القتل بطرق مختلفة (شهداء الحسيمة وشهيد صفرو ثم شهيد أسفي). وبمناسبة الذكرى 30 للانتفاضة المجيدة ليوم 20 يونيو 1981 بالدار البيضاء، يطرح السؤال التالي نفسه: ماذا تحقق للشعب المغربي؟ المفهوم الجديد للسلطة، هيئة الإنصاف والمصالحة، المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، البرنامج الاستعجالي، المجلس الوطني لحقوق الإنسان، الدستور الجديد...؟ إن ذلك كله ليس سوى در الرماد في العيون، وخاصة عيون الخارج. إننا أمام سجل عريض من الشهداء والمعتقلين ومجهولي المصير والمضطهدين والمطرودين والمشردين... والخطير في الأمر ليس لجوء النظام الى هذه الأساليب المفضوحة، إن الخطير هو الانخداع لهذه المناورات المكشوفة. فيكفي فتح صفحات الفساد، بل الإجرام، السياسي والمالي والاقتصادي والإداري لتتضح الصورة ويزول اللبس وتتبخر الأوهام، أوهام الذين يعتقدون بالإصلاح أو بالتغيير من الداخل، أوهام الذين ينظرون للملكية البرلمانية.. إن النظام القائم يسعى الى الحفاظ على مصالحه الطبقية وحماية خدامه، وبكل السبل بما في ذلك العنف والإجرام، وهو أمر مفهوم ومنسجم مع طبيعته والتزاماته داخليا وخارجيا، ويفرضه منطق الصراع الطبقي، ومن المفهوم أن تلتحق قيادات بعض القوى السياسية والنقابية بجوقة النظام طمعا في الفتات والحظوة، ومن المفهوم أيضا أن يتأرجح البعض، هيئات وأفراد، بين هذا وذاك (مرحلة الفرز السياسي). ننتظر الآن موقف الهيئات المحسوبة على اليسار أو التي يقال عنها مناضلة، الهيئات السياسية والنقابية وحتى الجمعوية. إنه امتحان آخر لنا جميعا.. فإما أن نقاطع أو ننبطح.. شخصيا، أفهم كل المواقف، سواء التصويت بنعم أو لا أو المقاطعة، لكن يستفزني، رغم أنني أفهم، التصويت إن بنعم أو لا، بالنسبة للنقابتين الاتحاد المغربي للشغل والكنفدرالية الديمقراطية للشغل، قلع العمال الأكثر تضررا بالأمس واليوم. إن النتيجة، أو الخلاصة التي تلزمنا والتي يجب أن نفهمها، سواء كهيئات مناضلة فعلا أو مناضلين حقا، أو السؤال الأزلي هو: ما العمل؟ سنقاطع الاستفتاء على الدستور وسنواصل تظاهرات 20 فبراير وسنستمر في معاركنا ونضالاتنا، كل من موقعه، كل حسب قدراته وإمكانياته واقتناعه...، وذلك أبسط صور الإخلاص لشهداء 20 يونيو وكافة شهداء شعبنا المكافح. وماذا بعد؟ ما العمل؟ أسئلة حارقة ومستفزة، أسئلة تحاصر المناضلين الحقيقيين، أسئلة الأمس واليوم والغد...