اتسمت أغلب مواقف الأحزاب السياسية بالمغرب بالغموض أو التحفظ في أحسن الأحوال تجاه تنظيم انتخابات مُبكرة في البلاد خلال شهر أكتوبر المقبل، بعد الاستفتاء الشعبي على الدستور الجديد في شهر يوليو المقبل. وفيما ترى بعض الأحزاب أن إجراء الانتخابات قبل موعدها المحدد سلفاً في صيف 2012 أمر يمكن تنفيذه دون مشاكل، أكدت قيادات حزبية ل "إسلام أون لاين" أن الكثير من الهيئات غير مستعدة لانتخابات مبكرة، الأمر الذي قد يفضي إلى إعادة نفس التشوهات التي عانى منها الجسم السياسي المغربي في الانتخابات السابقة. وتوجد معظم هذه الهيئات السياسية في حالة تنظيمية متأزمة لا تسمح لها بإجراء انتخابات سابقة لأوانها، بسبب فجائية الواقع الجديد في الساحة السياسية الذي فرضه خطاب الملك في التاسع من شهر مارس المنصرم. الموافقون ومن الأحزاب السياسية التي لا ترى مشكلة كبيرة في إجراء انتخابات برلمانية مبكرة في شهر أكتوبر القادم، كما هو مُرتقب، حزب الحركة الشعبية ومن يدور في فلكه من بعض الأحزاب الأخرى، مثل حزب الحركة الديمقراطية الاجتماعية وحزب التجديد والإنصاف وحزب العهد الديمقراطي. وتسعى هذه الأحزاب ذاتها في الفترة الحالية إلى توحيد صفوفها والتكتل في إطار اتحاد حزبي يجعلها قوة ضاربة في الانتخابات المقبلة، وبالتالي فهي تطمح إلى تحقيق مراتب متقدمة فيها، والمساهمة في تشكيل الحكومة المنتظرة. وأكد محمود عرشان، الأمين العام لحزب الحركة الديمقراطية الاجتماعية، في تصريح ل "إسلام أون لاين" أن هذه الانتخابات المبكرة تعد مسألة إجرائية يمكن أن تتحقق على أرض الواقع إذا ما تم التهييء التنظيمي الجيد لها. وبالنسبة لحزب الاستقلال الذي يقود الحكومة الحالية، فإن الانتخابات المبكرة أمر واقع بدون شك باعتبار الظرفية السياسية التي تمر بها البلاد حالياً، ومنها الدستور الجديد الذي سيصادق عليه الشعب خلال أسابيع قليلة، الأمر الذي يحتم الاشتغال ببرلمان جديد وحكومة جديدة في أقرب وقت ممكن، وبالتالي لا يمكن انتظار التاريخ الذي كان مقرراً سلفاً لهذه الانتخابات. وبالرغم من عدم استعداد العديد من الهيئات السياسية لهذه الانتخابات السابقة لأوانها، فإن حزب الاستقلال طالب هو نفسه بإجراء انتخابات مبكرة، كخطوة يراها المراقبون استباقية وبمثابة هروب إلى الأمام، لإدراكه المسبق بأن السلطات العليا قد تكون قررت بالفعل إجراء انتخابات مبكرة لمواكبة التغييرات الجارية في البلاد. الرافضون والمؤجلون وإذا كانت المواقف المؤيدة لإجراء انتخابات مبكرة قليلة، فإن هناك أصوات دعت صراحة إلى تأجيل التاريخ المفترض لهذه الانتخابات المبكرة إلى وقت لاحق من السنة القادمة، ومنها حزب العدالة والتنمية المعارض. ويرى القيادي في العدالة والتنمية الدكتور لحسن الداودي في حديثه مع "إسلام أون لاين" أن إجراء انتخابات مبكرة لا يخيف الحزب البتة، لأنه حزب ذو قواعد وتنظيمات قوية ويشتغل في جميع الظروف والأحوال، سواء في خضم تنظيم انتخابات أو قبلها أو بعدها. وتابع الداودي أن المشكلة تكمن في كون الوقت ضيقاً جداً لإجراء هذه الانتخابات ولتوعية المواطنين بهذا الحدث وسياقاته، مما قد يؤدي إلى إعداد لا يليق بحجم هذه الاستحقاقات السياسية الهامة والمصيرية بالنسبة للمملكة المغربية، سواء من لدن الأحزاب أو من طرف الدولة. ونبه الداودي إلى بعض المحاذير التي قد تفرزها انتخابات مبكرة على صعيد الحياة السياسية والاجتماعية في البلاد، ومن ذلك احتمال إفرازها لمؤسسات وممارسات لا تتسم بالديمقراطية، ولوجوه مكررة تمثل الفساد السياسي كما حدث في استحقاقات سابقة عرفها المغرب، وهو الوضع الذي لا يقبله المغاربة خاصة في ظل الحراك الاجتماعي الراهن. واستطرد أن هذا الواقع الذي قد تنتجه انتخابات سابقة لأوانها دون تهييء كاف وجيد لها من طرف المكونات الرئيسة للمشهد السياسي في المغرب، قد يرهن البلد كله إلى وضع غير صحي يدوم خمس سنوات أخرى، مما يؤثر سلباً على السلم الاجتماعي. المتخوفون والمتحفظون وتظل الحالة السائدة والأكثر شمولية هي حالة الترقب والتخوف المَشوب بالغموض في مواقف العديد من الأحزاب السياسية بالمغرب، لكونها من جهة لم تحسم رأيها بعد بخصوص هذه الانتخابات البرلمانية، ولأنها -من جهة ثانية- تفاجأت بالسقف المرتفع الذي جاء في خطاب الملك يوم 9 مارس الماضي، والذي دعا إلى دستور جديد يتيح تغيير الحكومة والبرلمان الحالي. وأعرب قياديون في حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، المشارك في الحكومة الحالية، عن رفضهم للتسرع في تنظيم إجراءات سابقة لأوانها، لأن ذلك قد يكون فرصة لبعض الوجوه السياسية التي يرفضها المغاربة إلى العودة للساحة السياسية من جديد. ويرى هؤلاء أيضاً أنه يلزم الإعداد برؤية متزنة ورصينة لإجراء هذه الانتخابات المبكرة، وتوفير الشروط السياسية والتقنية اللازمة لإنجاح هذا الموعد الكبير. أما نبيل بن عبد الله، الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية المشارك في الحكومة، فهو يرى أن الوقت قصير لإجراء انتخابات برلمانية خلال شهر أكتوبر القادم، لكن ينبغي البحث عن ما سماه الصيغ المثلى لإجراء هذه الانتخابات. وعلى نفس النبرة تقريباً، يرى حزب جبهة القوى الديمقراطية أن هيئته لم تتخذ بعد قراراً بشأن الانتخابات المبكرة القادمة، بالرغم من عدم اعتراضه على مثل هذا الإجراء السياسي. وبالنسبة لهذا الحزب، فإنه ليس المهم كثيراً هو تنظيم انتخابات سابقة لأوانها بقدر ما هو إفراز هذه الانتخابات لمؤسسات قوية وذات مصداقية لدى المواطنين. نُخب جديدة وللتعليق على هذه الاتجاهات المختلفة من طرف الأحزاب السياسية تجاه الانتخابات المبكرة، اتصلت "إسلام أون لاين" بالدكتور إدريس لكريني، أستاذ الحياة السياسية في كلية الحقوق بمراكش، الذي قال إن فترة ما بعد تعديل الدستور تفرض وجود نخب جديدة وبرلمان وحكومة جديدتين تسهم في تنزيل المقتضيات الدستورية من عليائها، ودعمها بتشريعات وتدابير تعيد الثقة. ويرى لكريني أنه بغض النظر عن الجهة التي حركت بالفعل الدعوة إلى التعجيل بالانتخابات، فهي تأتي في ظل تنامي الانتقادات الموجهة إلى الحكومة والبرلمان اللذين انبثقا من انتخابات شهدت مشاركة ضعيفة، وفي ظل مطالب حركة 20 فبراير المتزايدة بحلهما. وتابع المحلل: هي دعوة تجد أساسها أيضاً في وجود مجموعة من المشاكل والإكراهات السياسية والاجتماعية، المرتبطة بالتشغيل والصحة والتعليم وانتشار الفساد بشتى مظاهره وتأزم وضع القضاء، ووجود حكومة غير منسجمة وحصيلة برلمانية متواضعة، مع وجود مجلسين بتوازنات سياسية مختلفة وبمعارضة ضعيفة، وباختلالات داخلية ترتبط بالغياب والتّرحال من حزب أو فريق إلى آخر.. ويخلص لكريني إلى أن حصيلة الحكومة والبرلمان لا يمكن إلا أن تكون محدودة بهذه الصورة التي أثارت الانتقادات، إذا ما استحضرنا وضعية المشهد السياسي بشكل عام والسياق الدستوري الذي يعملان في إطاره. شروط الثقة وأفاد لكريني بأن بعض الأحزاب الموجودة داخل الحكومة أصبحت واعية بتحديات المرحلة وإشكالياتها على مستوى محكّ العمل الحكومي وبهامش دستوري غير كاف، مع تنامي الانتقادات والاحتجاجات في ظل الحراك المجتمعي الحالي وما يعرفه من تزايد المطالب على شتى الواجهات والمجالات، بما قد يعمّق الهوّة بينها وبين الجماهير ويكلّفها سياسياً. وأضاف لكريني، وفي ظل المؤشرات الإيجابية التي حملتها بعض وسائل الإعلام بصدد مضامين الدستور المعدل تبرز وجود إرادة سياسية نحو الإصلاح، على مستوى الصلاحيات التي ستخول للحكومة ودعم مكانة (رئيس الحكومة) أو البرلمان وتعزيز استقلالية القضاء ودعم حقوق الإنسان، الأمر الذي يفرض وجود نخب حزبية وسياسية في مستوى هذه التحولات. ولهذه الأسباب، بحسب لكريني، تبحث هذه الهيئات عن سبل تتقي من خلالها تداعيات هذه المرحلة وتخرج منها بأقل الخسائر، فكانت الدعوة لهذه الانتخابات السابقة لأوانها. *إسلام أون لاين