جِرَاحَاتُ السِّنَانِ لَهَا إِلتِئَامُ / وَلاَ يَلْتَامُ مَاجَرَحَ اللِّسَانُ دعيني أهمس فى إذنيكِ فى المقام الأوّل فى لمحة أو ومضة تاريخية خاطفة أنّ هؤلاء الأشاوس الذين وصفتهم ب " الأوباش" إحتضنوا أوّلَ إمارة إسلامية ظهرت فى المغرب ، يؤكّد العلاّمة الجليل، والمؤرّخ الكبير المرحوم عبد العزيز بنعبد الله فى هذا القبيل إستناداً إلى مؤرخين ثقات من أمثال ابن خلدون، وابن الخطيب، والبكري،وسواهم: "أنّ الحِمْيرييّن بقيادة صالح بن منصور الحِمْيَري هم مَنْ نشر الإسلامَ بين الأمازيغ في منطقة الرّيف المغربي (شمال المغرب)، وأقاموا إمارة نكور أو إمارة بني صالح، وكانت بالتالي أوّلَ إمارة إسلامية ظهرت في المغرب سنة 710م في بلاد الرّيف، ثم أسّست بعد ذلك أيّ بعد إنصرام 78 سنة بعد هذا التاريخ دولة الأدارسة سنة 788م. وكان مؤسّس هذه الدّولة – كما هو معروف- هوالمولى إدريس الأوّل ابن عبد الله، الذي حلّ بالمغرب الأقصى وإستقرّ في مدينة وليلي الرّومانية المعروفة (باللاّتينية ب Volubilis) التي تقع بالقرب من مكناس بين فاس والرباط، حيث إحتضنته قبيلة آوربة الأمازيغية، ودعمته حتى أنشأ دولته ". البرلمانية خديجة الزياني .. على إثر زلّة لسانها الخطيرة التي لا تُغتفر ، والتي لا يمكن لمياه بحار الأرض محو أدرانها، وتنقية أدناسها، وبعد طول تفكير وتدبير،وبعد إمعان وتأمّل ، رأيت أنه لابد ،ولا مناص، ولا ملاذ من هذه الرّسالة لتكون عبرة لها فيما تبقّى من حياتها وعمرها، ولتكون كذلك عبرة لمن سوّلت له نفسُه التطاول على فئة أو جماعة، من هذا الشعب مهما كان جنسه ، أو أصله،أو فصله، الذي كلما داهمته مشكلة ، أوشغلته معضلة أعطى دروساً تاريخية فى التلاحم، والتواؤم والتفاهم، والتقارب، والتداني على إمتداد تاريخه الطويل والعريق،فهذا الشعب لحمة واحدة متماسكة، وجسد واحد متلاحم إذا إشتكى فيه عضو تداعت له سائر الأعضاء بالسّهر والحُمّى،لذا قد يباغتها إذا علمت أنّ المغاربة قاطبة من شمال المغرب إلى جنوبه فى أقاصي صحرائه العزيزة المُسترجعة ، ومن شرقه إلى غربه هبّوا على بكرة أبيهم،ووقفوا وقفة رجلٍ واحد ،خلّفوا من ورائها دويّاً هائلاً فى مختلف أنحاء المعمور ليدينون إدانة صارخة ما فاهت به فى حقّ جزء لا يتجزّأ من الشعب المغربي وهم ساكنة الرّيف الوريف، الذين شكّلوا منذ أقدم العهود ذرعاً واقياً ،وسدّاً منيعاً فى وجه كل مُعتدٍ آثمٍ، وظالمٍ غاشم ،سوّلت له نفسُه النّيلَ من شرفهم، وسمعتهم ،وكرامتهم. وحريتهم. حريٌ بنا التذكير فى هذا المقام أنّ تاريخَ المغرب الزّاخر، وتراثه العريق مستوحيان من ينابيع مغربية أصيلة، وروافد وافدة متداخلة متعدّدة، وإن إختلفت مصادرها، وتباينت منابعها ، ولغاتها ، وتعدّدت ألسنتها بين أمازيغية بربربة، وعربية إسلامية، وصحراوية حسّانية، وما فتئت العديد من النصوص، والوثائق، والمظانّ،والمراجع، وأمّهات الكتب والمخطوطات، والأشعار، والآداب، والفنون، والعلوم التي أبدعها كتّاب، وفلاسفة، وعلماء، و شعراء، ومؤلفون مغاربة أقاموا واستقرّوا، أو ولدوا وترعرعوا فى هذا الرّبع الجميل الكائن فى الشمال الغربي الإفريقي ، إلى جانب المعالم التاريخية، والمآثر العمرانية، والقلاع الحصينة، والدّور والقصور،والجوامع والصوامع، والبساتين الفسيحة والحدائق الغنّاء التي تبهر الناظرين،التي شيّدت وبنيت شامخة فوق أرضه الطيّبة، فضلاً عن العادات والتقاليد المغربية الحميدة التي تأصّلت في أعراف وذاكرة الشعب المغربي في مختلف مناحي الحياة، كلّ ذلك ما زال شاهداً إلى اليوم على مدى الأوج البعيد الذي أدركه الإشعاع الحضاري فى بلادنا. فهذا الغيث الفيّاض المُنهمر، والمتنوّع من الإبداعات الرّفيعة في مختلف الميادين لا يمكنه أن يحيا ،و ينمو، ويزكو، ويزدهر من لا شئ، أو داخل حدود ضيّقة أومنغلقة، بل إنّه ظهر وترعرع وإزدهر ووقف مشرئبّاً إعتماداً على نبعه الأصيل، وإغترافاً من معينه الأوّل وهو تاريخ المغرب التليد، وتراثه العريق ، و ثقافته المتميّزة، وموروثاته الحضارية ذات الّرّوافد المتعدّدة والمتنوّعة الثريّة التي تكوّن هويّة وطنيّة"مغربية" موحّدة متماسكة التي تقوم على مقوّمات عدّة تتمثّل في الإسلام، والأمازيغية،والعروبة. مضافاً إليها روافد ومكوّنات أخرى عبرية، وأندلسية موريسكية، وإفريقية ،ومتوسطية.. ممّا أفضى إلى خلق بوتقة واحدة بتفاعلها فيما بينها تاريخاً، وثقافة،وتراثاً، ولغة، وتجانساً، وتمازجاً ، بحيث لا نسطيع فصل جانبٍ منها عن الآخر،أو تجاهل مكوّن منها عن باقي مكوّناتها الأخرى التي تفاعلت فيما بينها على إمتداد الحقب التاريخية المتفاوتة، والعهود المتعاقبة على المغرب. بعد أن نطقت "برلمانيتنا " بالسّفه من الكلام فى حقّ الرّيف وأهله الطيّبين، فلابدّ أنها كانت تجهل تاريخَ بلادها، خاصة وهي تمثل فئةً مخدوعةً من المواطنين الذين منحوها أصواتهم، ووضعوا فيها ثقتهم، لتتبوّأ متبرّجةً مقعدَها الوثير تحت القبّة المرموقة .. إذ لابدّ أنّها لا تذكر، أو بالأحرى لا تعرف أنّ هذه الأعراق، والإثنيات،والجذور البشرية فى المغرب عاشت،وتعايشت، وتمازجت، وتفاعلت فيما بينها على ثرىَ أديم هذه الأرض الفيحاء فى تكاملٍ وإسجامٍ بعد أن عرفت مزجاً، وتلاحماً،وتداخلاً وإنصهاراً فيما بينها فى الوجد والوجدان، واللغة والبيان،الشئ الذي يكوّن الصّورة الأكمل، والوجه الأمثل للهويّة الوطنية فى هذا الشقّ من العالم،التي تقوم على التوازن الرّوحي، والفكري، والنفسي، والثقافي، والسياسي فى آن واحد، وكلّ تفتيت، أو تشتيتٍ، أو إنتقاص من هذه الهوية هو تشويه، أو إختزال وإختلال لها،أو إساءة إليها الشئ الذي قد يزجّ بها فى خطل التمييز، والعرقية، والعنصرية، والإنتقائية التي لا تفضي سوى إلى التجزيئ، والإنفصال، والإنفصام، والضعف، والوهن، والتيه،والضياع ويفضي بالتالي إلى الإرتماء والتمرّغ فى غمر ما أصبح يطلق عليه البعض جزافاً ب"أزمة هوية" أو " إشكالية هويّة" تتغنّى خارج السّرب بنغمة الأُحادية والإنعزالية والتفرّد والتعصّب والتمرّد واللاّإنتماء.وأذكّرها أنّه بحكم موقعه الجيوستراتيجي المتميّز كحلقة وصل، وآصرة وثقى، وملتقى الحضارات بين الشرق والغرب، والشمال والجنوب يُعتبر المغرب من البلدان القليلة الذي حباها الله تعالى موقعاً ممتازاً على الصّعيد الجغرافي، ممّا هيّأ له أن يقوم بدورٍ تاريخيٍّ وحضاريٍّ وثقافيٍّ مرموق فى الشمال الغربي الإفريقي. لقد تفاعل ،وتمازخ، السكّان الأصليون الأمازيغ مع مختلف شعوب حوض المتوسّط، وإفرقيا ، كما ظهرت على إمتداد تاريخ المغرب تأثيرات، وتفاعلات لشعوب مثل الفينيقييّن،والقرطاجيين، والرّومان، والوندال ،ثم البيزنطييّن، كما أنهم تفاعلوا فيما بعد مع العرب الوافدين مع الفتوحات الإسلامية ،ثمّ مع الحضارات المشرقية، وقد ظهرت سمات هذه التأثيرات في اللغة الأصليّة للأمازيغ لتي تمازجت مع اللغات الأخرى، ونتجت عنها فيما بعد العاميّة المغربية التي تمخّضت،وإنبثقت عن اللّغتين الأمازيغية والعربية ثمّ لحقتها كلمات ،وتعابير،ومصطلحات من لغات لاتينية دخيلة أبرزها الإسبانية والفرنسية، الشئ الذي جعل المغرب يتميّز بتنوّعٍ ثقافيٍّ،وتعدّدٍ لغويٍّ أسهما بقسطٍ وافر في إغناء هوّية سكّانه على إختلاف مشاربهم، وشرائحهم وتعدّدها وتميّزها. دستور 2011 - أقول للبرلمانية - أقرّ هذه التأثيرات، والمكوّنات المستحدثة للتنوّع الثقافي واللغوي المغربي، وقد تمّ فى هذا السّبيل إنشاء المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية، لتنمية مكوّنات الهويّة المغربية الأمازيغية ،والعربية ،والحسّانية وصونها، مع روافدها التي هبّت عليها من إفريقيا، والأندلس، فضلاً عن رافد حوض المتوسط، وسواها من التأثيرات الأجنبية الأخرى الوافدة. أذكّرها.. أنّ المغرب بلد متعدّد الأعراق، والإثنيات، والأجناس، ولكنه صاحب (هويّة) موحّدة، وهو يزخر بثقافة متنوّعة، وحضارة ثريّة. تمتدّ جذورها فى عمق تاريخه الطويل، بالإضافة إلى سكّانه الأصليين من الأمازيغ البربر، فقد توافدت عليه العديد من الهجرات المتوالية القادمة من المشرق، ومن جنوب صحراء إفريقيا، ومن الشّمال، وكان لكلّ هذه المجموعات والفئات البشرية أثر كبيرعلى التركيبة الإجتماعية للمغرب التي عرفت معتقدات سماوية منذ أقدم العهود ، كاليهودية، والمسيحية، وأخيراً الإسلام. ولكلّ منطقة من المناطق المغربية خصوصيّاتها التي تتميّز بها عن سواها من المناطق الأخرى، وقد أسهمت هذه الخصوصيّات في صنع فسيفساء الثقافة المغربية، ووضع الإطار المتميّز والمتنوّع للإرث الحضاري المغربي الذي أصبح ذا طابعٍ معروف فى العالم أجمع. ويرى البعض أنّ المغرب يُعتبر دولة أمازيغية- عربية . ويصرّ آخرون بإلحاح على الهويّة الأمازيغية - الإفريقية للمملكة المغربية ،وهم محقّون فى ذلك، ويعترف المغاربة بالهويّة الأمازيغية للبلاد، بإعتبارهم السكّان الأصليّون فى بلدان الشمال الإفريقي بما فيه المغرب، إنطلاقاً وتأسيساً على التاريخ، والثقافة، واللغة،والعرق،والجنس،والأصل، والعادات، والتقاليد، والموروثات المتعاقبة فى مختلف المجالات، كلّ أولئك يكوّنون الهويّة التي تميّز كلّ منطقة عن أخرى .فعلى الرّغم من أنّ الأمازيغ البربر قد إعتنقوا الإسلام، وتعلّموا اللغة االعربية، وأجادوا وألّفوا وأبدعوا فيها إبداعاً عظيماً، إلاّ أنهم متشبّتون بهويّتهم ، ومتمسّكون بتاريخهم ،وذاكرتهم الجماعية المتواترة، وفخورون بإرثهم الثقافي المتنوّع ،ومحافظون على تقاليدهم ،ولغتهم وعاداتهم، وأمثالهم،وأشعارهم، وأغانيهم، وحِكَمهم، وفنونهم، وعوائدهم التي يتباهون بها، ويتغنّون فيها بالحياة الكريمة،والحريّة، والكرامة. ولذلك يُعتبر الأمازيغ عنصراً أساسيّاً، ومكوّناً رئيسيّاً للبلاد على إمتداد القرون ، ويعترف الدستور إعترافاً مطلقاً بالعربية والأمازيغية كلغتتين رسميتين أساسيتين للمغرب. الحديث عن التعدّد الثقافي والتوّع الحضاري فى المغرب يحلو ويطول، والتاريخ لا يقرأ في هنيهة، ولعلّ صاحبة الحفظ والصون البرلمانية الموقرة تلاحظ أنّ الزّائر الذي يأتي لبلادنا يلمس التاريخ حيّاً نابضاً قائماً في كلّ مظهر من مظاهر الحياة ، دراسة هذا التاريخ، و التعمّق فيه وإستخراج العناصر الصالحة منه أمر لا مندوحة لنا عنه،وهو أمر ينبغي ان يُولىَ أهميّة قصوى ،وعناية فائقة ،وتتبّعاً متواصلاً من طرف الدّولة والخواصّ ، ومن لدن مختلف الجهات العلمية والتاريخيىة التي تُعنى بهذه المواضيع للتعريف بهذه الذخائر، ونشر الوعي وتأصيله بشأنها لدى أبناء جلدتهم ليكون المستقبل الذي يتوقون إليه مستقبلَ رقيٍّ، وأوجٍ،وإشراقٍ، وتلاقٍ بين ماضٍ عريق، وحاضرٍ واعد ، ولعَمْري إنّ لفي ذلك تجسيداً وتجسيماً للعهود الزاهرة التي عاشها أجدادنا على إمتداد العصور الحافلة بالعطاء الثرّ ، والتعايش والتسامح،والتصالح، والإشعاع الثقافي والعلمي الباهر الذي شكّل وما يزال جسراً حضارياً متواصلاً بين الشرق، والغرب، وبين مختلف الأجناس، والإثنيات ،والملل، والنحل، والديانات فى بلادنا. قال صاحب الجلالة الملك محمد السادس في رسالةٍ إلى المشاركين في إحدى الندوات الدولية المنعقدة ببلادنا حول الحوار بين الحضارات وإحترام التنوّع الثقافي: "إنه لا يمكن لتعزيز الحوار بين الحضارات وإحترام التنوّع الثقافي أن يصبحا واقعا ملموسا على المستوى العالمي إلاّ إذا جرى ترسيخهما وطنيا، وفسح المجال لتبنّي أهدافهما النبيلة من طرف كلّ مواطن. وأنه إنطلاقا من الرصيد التاريخي العريق للمملكة، وهويّتها الأصيلة، القائمة على التفاعل الإيجابي بين مقوّمات الوحدة والتنوّع، كرّس الدستور المغربي المزج المتناغم بين روافد الهويّة الوطنية، والتشبث بالقيم الكونية. وإنه بالموازاة مع ترسيخه لميثاق حقيقي للحقوق والحريات الأساسية، وتبوؤ الدين الإسلامي السّمح مكانة الصدارة في المرجعية الوطنية، فإنّ القانون الأسمى للمملكة نصّ على تشبّث الشعب المغربي بقيم الإنفتاح، والإعتدال، والتسامح، والحوار، والتفاهم المتبادل بين الثقافات والحضارات الإنسانية". كما أكّد جلالته"على تلاحم وتنوّع مقوّمات الهويّة الوطنية الموحّدة بانصهار كلّ مكوّناتها، العربية - الإسلامية والأمازيغية والصّحراوية الحسّانية، الغنية بروافدها الأفريقية والأندلسية والعبرية والمتوسطية". هذا الثراء الثقافي المتعدّد، والإشعاع الحضاري المتنوّع، اللذان يمتميّز بها المغرب ،يتماشيان ويتناغمان مع التطوّر والحراك الهائلين اللذين أصبحت تعرفهما البلاد في الوقت الرّاهن في مختلف المجالات. بعد إستكمال بناء مؤسّساتها الديموقراطية، وإجراء إصلاحات جذرية في مختلف الميادين السياسية،والدستورية، والإقتصادية، والإجتماعية، والعلمية وفي مجال حقوق الإنسان ، والمصالحة الوطنية كلّ ذلك كفيل بأن يجعل المغرب يسّير قدما بخطى حثيثة ليتبوّأ مكانته الحقيقية بين مصافّ الأمم كبلد عصري حديث متطوّر، مع تشبّثه الرّاسخ بقيمه المثلى، ومبادئه الأصيلة، وثوابته العريقة . بعد هذا الزّخم التاريخي، والحضاري، المتوهّج لبلادنا يأتي صوتها النشاز ليعزف تلك المعزوفة المشروخة التي عفا عنها الدهر، ووأدها التاريخ بلا رجعة ،وبعد التقدم الهائل الذي حققته بلادنا ، فى طمس هذه الافكار الشّوفينية البغيضة، والعنصرية المقيتة ، وبعد أن إشتغل المغرب ملكاً وشعباً بدون ملل أو كلل، لسنوات طويلة، مضنية، وقاسية، وبدون مزايدات فى ملف المصالحة، والإنصاف، بصدق وتفانٍ من أجل الوطن، ومن أجل طيّ الصفحة الأليمة والتقدم إلى الوطن الشاسع المتسع للجميع. بعد كلّ هذا تأتي " برلمانيتنا" وتتفوّه بتلك الكلمة الجارحة التي دفناها مع ماضينا الأليم بكل ما طبعه من تجاوزات، وطعون ،وتنكيل، وما رافق ما أصبح يُعرف ب" سنوات الجمر والرصاص " التي أسدل عليها جلالة الملك الستار بصفة نهائية وبدون رجعة. تأتي، وتجرح شعور فئة من الشعب المغربي الأبيّ، جرحاً غائراً لا يلتام، هذه الفئة التي أعطت النفس والنفيس فى معارك الكرامة، والعزة ،والشرف التي قادها الريفيّون الصناديد حتىّ لم يَخلُ بيتٌ واحدٌ من بيوتاتهم من شهيدٍ، أو جريحٍ، أو حاملٍ بين أعطاف جسمه البريئ لآثار جراثيم الأسلحة الكيمياوية والعنقودية الخطيرة التي ما فتئنا نرى عواقبها الوخيمة فى المجتمع الريفي إلى يومنا هذا. إنّها لم تجد سوى هذه الظروف العصيبة التي تجتازها بلادنا على إثر الحدث الأليم الذي شهدته مدينة الحسيمة الحصينة أخيراً بإستشهاد المشمول برحمة الله محسن فكري ،والألم الممضّ الشديد الذي يمزّق نياط أفئدة المغاربة أجمعين، لتدلي بذلك التعليق الآثم اللاّمسؤول الذي لطخت به حسابها،وحسابات المغاربة قاطبة بمواقع التواصل الاجتماعي بخصوص هذا الحدث المؤسف، الشّئ الذي أثار موجة عارمة من الغضب، والإحتجاجات ما زلنا نسمع أصداءها،ودويّها إلى اليوم بين العديد من النشطاء الجمعوييّن، والمؤسسات الحقوقية، والكتّاب،والمثقين،وعامة الشعب . ومن الجهات التي بادرت إلى التنديد، وإدانة ،وشجب تصريحها المشين المكتب الوطني ل"مركز الذاكرة المشتركة من أجل الديمقراطية والسلم " الذي يرأسه الاستاذ عبد السلام بوطيّب حيث إستنكرهذا المركز بشدّة الكيفية التي تمّ التعامل بها مع المرحوم محسن فكري معتبراً ما حدث مسّاً خطيراً بحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها دولياً، وكما نصّ عليها الدستور المغربي، وممارسة شائنة موغلة في الإهانة، والحطّ من كرامة الإنسان ، دون الوعي بخطورتها وتداعيّاتها على استقرار الوطن، وأمن المواطنين. وقد أشاد المركز بالتجاوب السريع لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، حيث أصدر تعليماته السامية باجراء بحثٍ دقيقٍ، ومُعمّق، ومتابعة كلّ مَنْ ثبتت مسؤوليته في هذا الحادث، مع التطبيق الصارم للقانون في حقّ الجميع وطالب المركز بضرورة إشعار الرّأي الوطني والعالمي بحقيقة الملف، و متابعة كلّ المتورّطين، وضمان محاكمة عادلة لكلّ المتّهمين. ويَعتبرالمركز أنّ ما حدث بالحسيمة قد يكون راجعاً إلى عدم إستيعاب مسلسل المصالحة الوطنية في سيرورتها، وإلى التباطؤ فى تنفيذ توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة في الجانب المتعلق بضرورة الرّجوع إلى روحها ، وتعميم ثقافة حقوق الإنسان، ونشرالمفاهيم الديمقراطية في أوساط القائمين على تنفيذ القانون، وطالب المركز بضرورة التنفيذ العاجل لكلّ مضامين أرضية المواطنة للنهوض بثقافة حقوق الإنسان التي أبدعتها المرافق الحكومية، ومنظمات المجتمع المدني، والمؤسّسات الوطنية، وتجنّب الإنفعالات السياسوية فيما يتعلق بتوصيات هيئة الإنصاف والمصالحة في شقها السياسي. كما طالب المركز بضرورة المعالجة العاجلة للمطالب الاجتماعية، والاقتصادية، للمتظاهرين بالمنطقة، والأخذ بعين الإعتبار بكافة المُقترحات التي عبّر عنها الفاعلون الجمعويّون،والسياسيّون والمدنيّون. وبالنظر إلى خطورة تدوينة النائبة البرلمانية ، المهدِّدة لوحدة الوطن وتماسك مكوّناته، سجّل "مركز الذاكرة المشتركة من أجل الديمقراطية والسلم" بامتعاض شديد هذه التدوينة اللاّمسؤولة، وطالب حزبَ "الاتحاد الدستوري" بإسقاط عضويتها من صفوفه، وتجريدها من صفتها البرلمانية. وعلى إعتبارالطبيعة المستفزّة، والعنصرية لتصريحها أعلن المركز عن رفع دعوى قضائية ضدّها لدي المحاكم الوطنية لمتابعتها بتهمة التحريض على الكراهية، والتمييزعلى أساس العِرق، والمسّ بوحدة الوطن، وتهديد إستقراره. وحداداً على فقدان الوطن لأحد أبنائه في ظروف مأساوية مؤسفة، أعلن المركز عن إلغاء كافة الأنشطة الإحتفالية التي كان يزمع تنظيمها بمناسبة حلول السنة الأمازيغية الجديدة 2967، والاكتفاء فقط بالأنشطة الفكرية،وخاصة الندوة الدولية التي ستعالج موضوع" الهوية والذاكرة ومسارات الإعتراف" بمدينة مكناس،مع جعل المناسبة فرصة سانحة لإعادة قراءة تجربة الإنصاف والمصالحة والإستجلاء بروحها، قصد تعميق النقاش حول هذا الموضوع ببلادنا. هذا وتجدر الإشارة من جهة أخرى أنّ رئيس المركز السيد عبد السلام بوطيب قد بادر كذلك فى نفس السّياق إلى فتح عريضة على شبكة الأنترنيت لجمع توقيعات المواطنين من أجل المطالبة بإقالة البرلمانية المعنية بالأمر من كلّ مهامها السياسية، كما إنتدب المركز المناضل الحقوقي، والسياسي مصطفى المانوزي رئيس "المنتدي المغربي للحقيقة والإنصاف" لمتابعة هذا الملف، وأهاب المركز بكافة الفاعلين المغاربة ضدّ التحريض على الكراهية، والتمييز على أساس العِرق، وناشد سائرالمناضلين من أجل وحدة الوطن، وإستقراره، وإحترام ، ودعم مطلب المركز القاضي بعرض السيدة خديجة الزيانى على القضاء، وعزلها من المؤسّسة التشريعية. هذا وقد بادرت من جانب آخر مختلف المواقع الإلكترونية،والصحافة، ووسائل الإعلام ،والتواصل الإجتماعي على إختلافها إلى التنديد، وإدانة،وفضح هذه الزلّة الخطيرة التي لا تخصّ فئة بعينها من الشعب المغربي وحسب، بل إنها تطال كافة المغاربة . وأختم هذه العجالة هامساً من جديد فى أذنيْ "برلمانيتنا" مذكّراً إيّاها بالتناغم الذي كان قائماً بين جميع الأعراق ،والأجناس،واللغات التي تعايشت على هذه الأرض الفيحاء، الذي لم يمنع أبداً في أن يكون هناك علماء أجلاّء في هذه اللغة أو تلك من مختلف جهات ومناطق هذه البلدان، وكان «العربيّ» في هذا السياق يفتخر، ويتباهى بإخوانه من البربر الأمازيغ، والعكس صحيح، قال قائلهم:(وأصْبَحَ البِرُّ مِنْ تِكْرَارِهِ عَلَماً / عَلىَ الخَيْرِ وَالنُّبْلِ والمَكْرُمَات) فكلمة البِرّ (بكسر الباء) التي تعني الخيرَ والإحسان إذا كُرِّرت مرّتين أصبحت (برّبرّ). (البربر) التى لم يأنف صاحب المقدّمة عبد الرحمن بن خلدون بأن يضعها ويدبّج بها عنوانَ كتابه الموسوعيّ الكبير الذائع الصّيت وهو: كتاب (العبر وديوان المبتدأ والخبر، في أيام العرب والعجم والبربر، ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر). وهذا شاعر آخر من «الرّيف» في شمال المغرب ينشد متحسّراً على مدينته (لعلّها من مدن أوحواضر النكور، أو المزمّة، أو بادس) التي إندرست وإندثرت وتلاشت بعد التعايش والازدهار اللذين عرفتهما من قبل، مُستعمِلاً ثلاث لغات في بيت واحد من الشّعر وهي: العربيّة، والرّيفيّة، والسّودانية، فقال: (أثادّرثْ إِينُو مَانيِ العُلُومُ التيِ دَكَمْ/ قَدْ إنْدَرَسَتْ حَقّاً وَصَارَتْ إلى يَرْكَا) .وقيل إن «يَرْكَا» باللغة السّودانية تعني الله، وبذلك يكون معنى البيت: أيا داري أين العلومُ التي كانت فيك، قد إندرست حقّاً وصارت إلى الله . * سفير سابق فى العديد من بلدان أمريكا اللاّتينية ،كاتب وباحث، ومترجم ،وقاصّ، من المغرب، عضو الأكاديمية الإسبانية الأمريكية للآداب والعلوم - بوغوطا- كولومبيا .