واذا ظُلمتم فاضحكوا طربًا ولا تتظلَّمُوا وإذا أُهنتم فاشكروا وإذا لُطمتم فابسموا إن قيل هذا شهدُكم مرٌّ فقولوا علقمُ أو قيل إن نهاركم ليلٌ فقولوا مُظلمُ معروف الرصافي يبدو أن خيار الإصلاح في المغرب بدأ يأخذ منحى جديدا في الأسابيع الأخيرة، وبعد مظاهر الرعب الأمني و أمطار الشر "العنفية" على رؤوس المحتجين، يلجأ المخزن ل"مناضلين" تحت الطلب لتجريم المتظاهرين بل وللمطالبة برحيل تنظيم "العدل و الإحسان"، وأتساءل الرحيل عن أي شيء و إلى أي مكان؟. بل لم يستح بعض "المعلقين" أن يُطالب برأس الشيخ عبد السلام ياسين! بئس الكاتب و المكتوب!، وكأن الرجل الذي كان ولا يزال في استطاعته "التعاقد" مع المخزن وربح وده و "مدده" هو سبب ما بالبلاد من فساد ومحسوبية وشطط في استعمال النفوذ و بيع بالتقسيط لقطاعات البلاد الحيوية للاستعمار الجديد، وكأنه من يصنع حزبا في خمسة أيام و يسطوا به على الأغلبية في البرلمان حتى بغير مشاركة في الانتخابات... يريد المخزن أن يختلق كعادته طواحين هواء لنصارعها عوض الوقوف في وجهه ورفض البقاء مرهونين لأساطيره. عاش العرب عقودا من الزمن تحت "نير" الاستبداد بدعوى حالة الحرب مع "إسرائيل" و القضية الفلسطينية و في المغرب بدعوى قضية الصحراء المغربية و كلتا القضيتين تحولتا لبقرة حلوب بقاؤهما أمسى أنفع من حلهما، ذلك أن الاستبداد مخدِّر يصعب التخلص منه على من أدمنه. واليوم يبحث المخزن عن بقرة حلوب للهروب إلى الأمام من مطالب المستضعفين، وقد وجد ضالته في "العدل و الإحسان" بعد أن فشلت فزَّاعة الإرهاب. ما الذي وجده المخزن عند هذه الجماعة ل"يبتزها" به؟! يكفي لمعرفة الجواب استقراء "التعاليق" على المواقع الإلكترونية، فهي لسان المخزن وفيها يُعبر عن رأيه بكل "أمان" مُندَسّاً لأنه لا يجيد إلا الاندساس و الدسائس. التهم التي تتكرر هي الإيمان بالخرافة و المطالبة بالخلافة. و أولى التهمتين ساقطة بوجود أصل في الكتاب و السنة يُقر الرؤى كما أن الثانية تعتمد نصا صحيحا في السنة و وواقعا ثابتا في التاريخ. ليس قصدي في هذا المقال الدفاع عن جماعة "العدل والإحسان" فهي تستطيع ذلك دون حاجة إلي، كما أني لا أومن بعصمة فرد أو تنظيم، ومن يقول بذلك يكون قد فارق الملة بما تُحيل عليه اللفظة من جماعة ودين، ومعتقدي أن ضجة "رؤيا 2006" كانت خطأ دعويا و سياسيا و إعلاميا فادحا للجماعة لأن الرؤى مبشرات مما بقي من النبوة الأولى وليست وسيلة استقطاب، وهي تسُرُّ ولكنها في لُجَّة السياسة تَغُرّ. ولكن هل مساندة العدل والإحسان، واليسار "الراديكالي" لحركة 20 فبراير مبعثه الركوب عليها لمن لا يرون في الشعب إلا مطية صالحة للركوب أو للسطو عليها لمن يرون الشعب كنزا قابلا للنهب، أم لأن في أدبيات هذه التنظيمات الوقوفُ مع المستضعفين ضد من يريدهم أبد الدهر خدما لأصحاب الجاه والنسب والنفوذ. قبل عقدين أو يزيد كتب الشيخ عبد السلام ياسين "نحن مع المستضعفين شرعا و طبعا" وقد شرُفت بصحبة الرجل سنواتٍ، ولست بحاجة ل"مُخبر" يكشف لي عن نواياه ، كما أن الماركسية صاغها صاحبها أساسا لمحاربة الاستبداد البورجوازي الذي أراد أن يجعل من واقع تاريخي قانونا طبيعيا ومنْ بؤسٍ ظالمٍ قدرًا مقضيا. وإذا كانت جماعة العدل و الاحسان "تحلم" بخلافة راشدة فكل "إسلامي" يتمناها ولا يسعه غير ذلك، كما أن الماركسي الحق يعلم أن صاحب النظرية كار ماركس كان يعتقد ألا عدل ولا مساواة ممكنة بغير اضمحلال الدولة، وزوالها عبر مرور يراه ضرورة من ديكتاتورية البروليتاريا، لأن كل سلطة تراتب، وكل تراتبيةٍ كمين لطبقية استبدادية متربصة. وما الضرر في أن يضع شرفاءٌ قناعاتهم و أمانيهم جانبا لمَّا أبصروا فرصة تاريخية لكسر أغلال عقود من الاستبداد والفساد والمحسوبية؟ وما العيب في أن يضعوا سقفا مشتركا لمطالبهم هو مطلب الكرامة بما يقتضيه من حرية و عدالة؟. كان حزب صديق الملك قد أعلن على لسان واحد من "رموزه" أن مهمته محاربة أسلمة المجتمع في بلد ينص دستوره على أن الاسلام دين الدولة الرسمي و أن الملك أمير المؤمنين ومع ذلك لم تكن المشكلة مع "مشروع" الحزب لأن ذلك ما تدعوا إليه حتى أحزاب اليسار "لراديكالي"، رفاقِِ العدل و الاحسان في حركة 20 فبراير، ولكن خطأ الحزب القاتل كان في إرادته "حَزْبَنة" الملكية و تأميم الشعب باسم القرب من الملك. طلع علينا نائب محترم عن حزب، كنّا ولازلنا "نحلم" أن نحترمه لأن في صفوفه شرفاء كثُر و يَسْندُه تنظيم عتيد و مرصوص من أهل الفضل أشرُفُ بصداقة بعضهم، بخطاب يُوقِّع فيه، بمنطوق الخطاب و مفهومه، عقدَ تحالف مع أحزاب البؤس السياسي و يُعاتبها لتركها الساحة فارغة مما يَسَّر الأمر "للعدل و الاحسان" للسطو عليها. ينظم صاحب الخرجات الساخنة والاستقالات "المكرورة" إلى جوقة المخزن، و "يُفتي ضِمْنا ب"جواز" قمع تظاهرات الاحتجاج مع التنديد بقمعها في آن! ينسى مناضلنا المحترم أن أحزاب البؤس السياسي لم تتخلَّ عن حركة 20 فبراير فقط بل تخلت قبل ذلك بأكثر من عقد عن الشعب بأكمله من أجل الكراسي و المناصب وتقسيم البلاد بين ذوي القربى "منهم"، على حساب "يتامى" هذا البلد الأمين. ولست أدري ما الدافع للإصرار على إهانة ذكاء هذا البلد بتصويره كرة يتلاعب بها أشباح، مرة هم عملاء الجزائر وصنيعتها البوليزاريو ومرة هم "جماعة العدل و الإحسان" ومرة "ملاحدة" يساريون، قد أفهمُ أن يُكرر المخزن ذلك منذ بدايات الاحتجاجات فليس على الاستبداد "حرج"، وهو لا يفعل سوى حذو خطى من سبقوه في تونس ومصر، ولكن أن ينضم نائب من حزب له ذراع في حركة العشرين من فبراير، لترديد لازمة النشيد النشاز خلف دجال الحكومة، فذلك في تقديري توقيع على "انتحار سياسي"، ولا تأويل لتصريح صاحبنا عدا كونه وقوفا إلى جانب المخزن و تحالفا مع أحزاب البؤس لضرب جماعة "العدل والإحسان" ومعها حركات الاحتجاج السلمية في البلاد التي هي الهدف الحقيقي لكل عشاق الزعامة الجوفاء والكراسي الصدئة والصناديق المزيفة. ما كنا نود سماعه على ألسنة العقلاء و الشرفاء ممن علِق بأرديتهم بعضٌ من وحْل المخزن، هو جواب على سؤال بسيط وواضح: ما السبب خلف الامتناع عن محاسبة المفسدين وناهبي المال العام و أصحاب الشطط في استعمال النفوذ و...، وكيف تكون دماء المغاربة رجالا و نساء وحتى أطفالا، أرخصَ من أموال أولئك و ذواتهم القذِرة؟. ذلك هو السؤال وتلك هي القضية.