بيْنما تطالبُ عدد من الهيئات المدنية المكلفة بملاحظة الانتخابات في المغرب برفع وزارة الداخلية يدَها عن العملية الانتخابية، وإناطة مهامِّ الإشراف عليها إلى لجنة عُليا مستقلة، على غرار ما هو معمول به في دول أخرى، أيّدَ عبد الله ساعف، الأكاديمي المغربي ورئيس مركز الدراسات والأبحاث في العلوم الاجتماعية، إبقاء العملية الانتخابية تحتَ إشراف وزارة الداخلية. ساعف، في ندوةٍ قُدم فيها تقرير أنجزه المنتدى المدني الديمقراطي المغربي، بتعاون مع مركز الدراسات والأبحاث في العلوم الاجتماعية، حول الملاحظة الانتخابية لاستحقاقات 07 أكتوبر، أمس الأحد بالرباط، قال: "يجب المراهنة على أن وزارة الداخلية قادرة على تدبير الانتخابات بشكل حُرّ. ويبدو أننا تجاوزنا مطلبَ إشراف لجنة عليا مستقلة على الانتخابات". في هذا الإطار، علّل تقرير ملاحظة الانتخابات الذي قدّمه ساعف والخبراء المشرفون على إعداده إبقاء العملية الانتخابية تحتَ الإشراف الحكومي بكونه يمكن أن يندرج ضمن فرضية "الترصيد والتثبيت الديمقراطي"، لافتا إلى أنّ "هذه الصيغة هي المعمول بها في الديمقراطيات الراسخة، حيث تؤدي الثقة في حياد الإدارة إلى الاستغناء عن التفكير في اللجوء إلى صيغة اللجنة المستقلة". وكانتِ الفترة التي سبقتْ إجراء الانتخابات التشريعية الأخيرة عرفتْ "توتّرا" بين وزيريْ الداخلية والعدل، المسؤولين عن اللجنة الحكومية المشرفة على الانتخابات، حينَ خرجَ مصطفى الرميد مُعلنا أنّه لا يُستشار في أمور الإعداد للانتخابات، ومبرّئا نفسه من أيّ "نكوص" قد يطالُ العملية الانتخابية، وهوَ ما دفع حصاد إلى الردّ مفنّدا كلام وزيرَ العدل، قبْل أنْ يعودَ، ليلة إعلان نتائج الانتخابات، إلى انتقاد حزب العدالة والتنمية، بعد تهنئته بالفوز بالرتبة الأولى، على إبدائه شكوكا في حياد الإدارة. وعلى عكْس الموقف الذي عبّر عنه عبد الله ساعف، وتضمّنه تقرير المنتدى المدني الديمقراطي المغربي، ومركز الدراسات والأبحاث في العلوم الاجتماعية، فإنَّ هيئات مدنية مغربية أخرى تُطالبُ بضرورة إشراف لجنة عليا مستقلة على الانتخابات، إذ قال كمال الحبيب، المنسق الوطني للنسيج الجمعوي لرصد الانتخابات، أمس السبت في تصريح لهسبريس، إنّ إشراف الداخلية على الانتخابات يفتح المجال أمامَ "تأويلات قد لا تكون مبنية على أساس". من جهة أخرى، تطرّقَ ساعف إلى عملية الملاحظة الانتخابية في المغرب، خاصّة في الشّق المتعلّق منها بتمويل الهيئات المدنية المشرفة على الملاحظة من الخارج، خاصة من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدةالأمريكية؛ وبعد أنْ أشار إلى أنَّ المنتدى المدني الديمقراطي "لا يبحث عن التمويل لا من الداخل ولا من الخارج"، وإلى أنّ خبراءه "متطوّعون"، أردفَ بأنَّ عملية الملاحظة "لها خصوصية استثنائية لأنها تشكّل جزءًا من سيادة المغرب، وتُرسَم فيها سِمات السلطة العمومية وإرادة المجتمع وتوجهات آفاق السياسات العمومية". وزاد ساعف موضحا: "يظهر لي أنَّ التعاون مع طرف خارجي يجعلنا وكأننا نمارس الملاحظة بالوكالة من طرف دول تَعتبر نفسها فوق الدول التي تراقبها، بينما هناك قوة ذاتية، داخليّاً، تستطيع القيام بهذه المهمة". ومن ناحية أخرى، تساءل ساعف عمّا إنْ كانَ ضروريا أنْ تستمرّ عملية ملاحظة الانتخابات "إلى ما لا نهاية"، قائلا: "كلما استمررنا في الملاحظة فهذا يعني أنّ "هادشي ما تابْتْش"، وتابع: "يجب الوصول إلى أفق لا تستمر فيه ملاحظة الانتخابات". وتطّرق ساعف إلى عدد من سِمات الانتخابات التشريعية الأخيرة، وأشار إلى "ندرة العنف والفساد؛ بينما بلدان في القارة الإفريقية تنتهي فيها الانتخابات بالمواجهات"؛ كما لفت إلى عدد من الأمور السلبية التي وسمت الاستحقاقات التشريعية الثانية في ظل دستور فاتح يوليوز 2011، ومنها "محدودية النقاش العمومي على البرامج وشخصنة التنافس الانتخابي"، قائلا: "الفوز في الانتخابات أصبح فرديا، ما عدا تنظيم سياسي واحد لديه إمكانية تنافس مرشحيه بالبرنامج الانتخابي وليس بصفتهم الفردية". وتوقف ساعف عند تواري عدد من السلوكيات السلبية التي كانتْ تشوب العمليات الانتخابية السابقة، وعزا ذلك إلى ارتفاع درجة منسوب الوعي السياسي، إذ أضحى الفاعلون السياسيون يحسبون حسابا لردود الفعل التي يمكن أن تنجم عن سلوكياتهم من طرف الرأي العام، وزاد موضحا: "هناك خطوط حمراء لم يعد ممكنا تجاوزها". وعلى الرغم من تنويهه بالتقدّم الحاصل من محطة انتخابية إلى أخرى، إلا أنّ ساعف أكّد أن "قراءتنا ليست تفاؤلية مجّانا، ولكنّ الرهان هو أن ينتصر المجتمع في هذا الصراع الديمقراطي". وفي ما يتعلّقُ باستغلال الدّين في العملية الانتخابية، خاصّة بعْدَ إقدام وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية على تعميم "خُطبة موحّدة" في صلاة الجمعة يوم إجراء الاقتراع، والتي دعا فيها الخطباء المواطنينَ إلى الإقبال بكثافة على التصويت، معتبرين ذلك "واجبا وطنيا"، دعا ساعف إلى "إبعاد الانتخابات عن الاستغلال الديني، سواء من هذا الطرف أو ذاك"، مضيفا أنّ "الانتخابات يجبُ أن تُجرى في يوم آخرَ غير الجمعة، حتى لا يتمّ التأثيرُ على إرادة المواطنين".