حين اشتد الحراك السياسي في المغرب، إبان حركة 20 فبراير، تم توظيف "الخطاب الديني " وتطويع أهله قصد إسكات خطاب الميادين التي ارتفعت فيها أصوات تنادي بإسقاط الفساد والاستبداد في المغرب. أُخرجت أفواج من كل مدينة وقرية ممن ينتسبون "للحركة الوهابية" لساحة جامع الفنا، توشح الرجال البياض والنساء السواد ، وكأن على رؤوسهم الطير؛اصطفت أجسادهم بكل خشوع في ساحة الكتبية في صفوف متراصة لا فجوة فيها للشيطان، وهم يستمعون لخطاب "الشيخ- الزعيم" العائد قسرا من إقامته الثانية بالحجاز، بعد فتاواه الغريبة المبثوثة بين أهل المغرب. الشيخ السلفي يلقي على الناس خطابا مملا من طرف الدوائر العليا للبلاد. يرغب المحدث في التصويت لصالح الدستور الممنوح ويُرهب ممن خرج للشارع يطالب بإسقاط الفساد والاستبداد، موظفا بالطبع نصوصا من القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة، محذرا الحشد الغفير من دعاة الفتنة، والجمع يومها وجب عليه وجوبا التأمين جهرة، فالأمر لم يعد بعدها بدعة!! لأول مرة في تاريخ المغرب، يوظف التيار السلفي النصوص الدينية لتقديم قراءة للمشهد السياسي المغربي ، إبان حراك 2011. في حين كان شيوخ الحركة الوهابية - فيما سبق- يقدمون قراءة للتاريخ الاسلامي القديم، مبدعين هؤلاء ومنجين أولائك، ومصدرين اللعنة على كل من أدخل فعل "ساس، يسوس" لمعجم اللغة العربية. فساد في المجتمع فكر منحبس ينتشر في الأوساط الفقيرة والأحياء المهمشة، يتخذ تمظهرات مجتمعية نمطية تكفر هذا وتبدع ذاك . فكر منغلق انتشر بين الناس كالنار في الهشيم. بعد انتهاء فترة المصلحة بين أهل الفكر الوهابي والمخزن، ارتأى هذا الأخير أن يغلق مقراته- دور القرآن- حتى لا تصبح الظاهرة الوهابية في المغرب خارج السيطرة. اليوم، في فترة الموسم الانتخابي لسنة 2016، تفتح من جديد أبواب دور القرآن بتدخل فاعل سياسي يهدف إلى رفع كتلته الناخبة، بينما يسعى لون سياسي آخر لشراء أصوات السذج السائرين على خطى "النهج الوهابي"، ونخبة سياسية ثالثة استقطبت أهل المراجعات الخارجة من السجون لتصبح نجوما في سماء السياسة والانتخابات. توجهات سلفية مغربية متعددة خرجت من رحم الوهابية المشرقية، ارتمت في أحضان حركة سياسية متعاكسة المشارب ومختلفة التوجهات والاختيارات. التيار السلفي المغربي جدد نيته السياسية وطوع المقاصد الأساسية لخدمة المقاصد التبعية. تيار أنشئ في الثمانينيات ضرارا من أجل التشويش على مشروع الحركة الاسلامية التي تتغيى العمل الإسلامي الشامل الذي لا يفصل الدين عن الدولة، وهو المشروع الذي أثل له الأستاذ عبد السلام ياسين رحمه الله في مجلة الجماعة، وذلك بعد خروجه من اعتقال دام أربع سنوات (1974-1978). كما أعلن الأستاذ ياسين على رغبته في حزب سياسي من أجل الانخراط في الحياة السياسية خارج لعبة سياسية مهيكلة بمقاس المخزن. من أجل التشويش، كان الخطاب الوهابي المبدع والمفكر الأنسب لخوض "معركة"بالنيابة. بعد أربعة عقود، تطور المشهد السياسي في المغرب، وجب أن تتكيف معه أدوار التيار الوهابي، ولو اقتضى تغيير شعار نشأته. بذلك أصبح شعار المرحلة: "قبح الله من أخرج فعل ساس يسوس" من القاموس المغربي!!