ندوة علمية بطنجة تستشرف آفاق مشروع قانون المسطرة المدنية الجديد    غوغل تطور تقنيات ذكاء اصطناعي مبتكرة لتحدي "DeepSeek"    مسيرة عظيمة.. رونالدو يودّع مارسيلو برسالة مليئة بالمشاعر    "جامعيو الأحرار" يناقشون فرص وإكراهات جلب الاستثمارات إلى جهة الشرق    إعلان طنجة في منتدى "نيكسوس"    متهم بتهريب المخدرات عبر الحدود المغربية ينفي صلته ب"إسكوبار الصحراء"    الشاب خالد، نجم الراي العالمي، يختار الاستقرار الدائم مع أسرته في طنجة    لقجع: مركب محمد الخامس جاهز لاستقبال الجماهير في مارس المقبل    "ما نرجع".. أحدث إبداعات حمدي المهيري الموسيقية    طنجة المتوسط يقود نمو رواج الموانئ المغربية خلال سنة 2024    تدشين سفينة للأبحاث البحرية بأكادير    توقيف صيدلي وثلاثة أشخاص وحجز 6934 قرصا مخدرا في عملية أمنية محكمة    مجلس جماعة طنجة يصادق على 42 نقطة    من الرباط.. رئيس البرلمان الموريتاني: المحيط الأطلسي شريان حيوي للتنمية والتكامل الإقليمي    هيئة رؤساء فرق الأغلبية تشيد بالتعاون التشريعي والحكومي    قادما من الشمال.. المجلس الحكومي يصادق على تعيين محمد عواج مديرا للأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين لجهة الرباط سلا القنيطرة    وزارة التربية الوطنية تكشف تطورات التلقيح ضد "بوحمرون" في المدارس    إسرائيل تدعو لتسهيل مغادرة سكان غزة وحماس تطالب بقمة عربية عاجلة    رئيس النيابة العامة يتباحث مع رئيس ديوان المظالم بالمملكة العربية السعودية    التهراوي يكشف الخطة المعتمدة للحد من انتشار "بوحمرون"    العيون تحتضن المؤتمر العربي الأول حول السياسات العمومية والحكامة الترابية    بايتاس يكشف الإجراءات التي اتخذتها وزارة الصحة بشأن لقاح التهاب السحايا    ارتفاع طفيف لأسعار الذهب وسط استمرار المخاوف من حرب تجارية بين الصين والولايات المتحدة    خبراء إسرائيليون يزورون المغرب للإشراف على وحدة تصنيع طائرات بدون طيار    الأرصاد الجوية تكشف استقرار الأجواء وتترقب تساقطات محدودة بالشمال    تخفيضات تصل إلى 5%.. تفاصيل امتيازات "جواز الشباب" في السكن    عرض الفيلم المغربي "طاكسي بيض 2" في لييج    نقابي بالناظور يتوعد حزب أخنوش بالهزيمة في الانتخابات: العمال سيحاسبون الحكومة في صناديق الاقتراع    ريال مدريد يحجز بطاقته لنصف نهاية كأس ملك إسبانيا على حساب ليغانيس (ملخص)    شركة الطيران تطلق خطين جويين جديدين نحو المغرب الاقتصاد والمال    نورا فتحي بخطى ثابتة نحو العالمية    وزير الداخلية الإسباني يكشف مستجدات فتح الجمارك في سبتة ومليلية    أخبار الساحة    إنتاجات جديدة تهتم بالموروث الثقافي المغربي.. القناة الأولى تقدم برمجة استثنائية في رمضان (صور)    رونالدو يطفئ شمعته الأربعين..ماذا عن فكرة الاعتزال؟    "جواز الشباب" يخدم شراء السكن    إشاعة إلغاء عيد الأضحى تخفض أسعار الأغنام    السلطات تمنع جماهير اتحاد طنجة من التنقل إلى القنيطرة لدواعٍ أمنية    عجلة الدوري الاحترافي تعود للدوران بمواجهات قوية لا تقبل القسمة على اثنين    مرصد أوروبي يكشف أن "يناير" الماضي الأعلى حرارة على الإطلاق    بعد عام من القضايا المتبادلة.. شيرين عبد الوهاب تنتصر على روتانا    6 أفلام مغربية تستفيد من دعم قطري    مواجهات عنيفة بين الجيش الجزائري وعصابة البوليساريو بتندوف (فيديو)    تفاصيل المصادقة على اتفاقية لتهيئة حديقة عين السبع    مصدر خاص ل"الأول": "طاقم تونسي لمساعدة الشابي في تدريب الرجاء"    المغرب يعزز قدراته الدفاعية بتسلم طائرات "بيرقدار أكينجي" التركية المتطورة    "قناة بنما" تكذب الخارجية الأمريكية    القوات الإسرائيلية تخرب 226 موقعا أثريا في قطاع غزة    وزير الدفاع الإسرائيلي يأمر بالتخطيط ل"هجرة طوعية" من غزة بعد مقترح ترامب للسيطرة على القطاع    شرطة ألمانيا تتجنب "هجوم طعن"    أستاذ مغربي في مجال الذكاء الاصطناعي يتويج بجامعة نيويورك    7 أطعمة غنية بالعناصر الغذائية للحصول على قلب صحي    الرباط.. العرض ما قبل الأول لفيلم "الوصايا" لسناء عكرود    جامعة شيكاغو تحتضن شيخ الزاوية الكركرية    المجلس العلمي المحلي للجديدة ينظم حفل تكريم لرئيسه السابق العلامة عبدالله شاكر    أي دين يختار الذكاء الاصطناعي؟    أربعاء أيت أحمد : جمعية بناء ورعاية مسجد "أسدرم " تدعو إلى المساهمة في إعادة بناء مسجد دوار أسدرم    أرسلان: الاتفاقيات الدولية في مجال الأسرة مقبولة ما لم تخالف أصول الإسلام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الوهابية بالمغرب (الحلقة الواحدة و العشرون)

خسرت الحركة الإسلامية المغربية بعد أن توهّبت تاريخها ومستقبلها وبلدها والمجتمع
يلاحظ أن الوهابية أصبحت تسيطر على الكثير من الأسواق بمختلف درجاتها، فهل هناك مخطط كبير للسيطرة على التجارة؟ تغلغلت الوهابية في قطاع البزنس والتّجارة في المغرب بكل صنوفها، من الجملة إلى التّقسيط، ومن الاقتصاد المهيكل إلى الاقتصاد غير المهيكل. لقد هيمن الوهابيون على مساحات واسعة من المتاجر واحتلوا الأسواق بما فيها السوق السّوداء. كما احتلوا الفضاء العمومي وأفسدوا جمالية المدن وكرّسوا صنوف البطالة المقنّعة. حرافيش الوهابية شغّيلون وعلى زهد بخلاف بارونات الوهّابية الذين أفسدهم الرّيع النفطي المتدفّق على دفاتير تحمّلات الدّعوة. وينتظر من الوّهابية السياسية في المغرب أن تفتح الأسواق لهذا النوع من تغلغل الوهابية التجارية ومنحها امتيازات تفوق منافسيها. يجب إذن أن ننزع المأذونات والكاريانات من يد المغاربة، في خطوة للهيمنة عليها من خلال الريع الوهّابي الموجود في الدّاخل أو القادم من الخارج. تحبّ الوهّابية السياسية أن تضع بصمتها على الاقتصاد أيضا. وتريد أن تجعل من الاقتصاد السياسي أيديولوجيا للرّيع والصّدقات والمعونات.فالدّعوة الوهابية وتنمية الثروة أمران لا ينفصلان. لا أحد يحاسب الوهّابي عن ممتلكاته ما قبل الدّعوة وما بعدها. ويعمل الوهّابي المغربي المندمج في الدّعوة إن كان من صنف البارونات أو حتى من الطّبقة المتوسطة على الاستزادة من الريع الوهابي من خلال إصراره على الحج أو العمرة السنوية، حيث هناك يتمّ التنسيق بين الوهابية المغربية والوهابية المشرقية ويتم جلب التّمويل الضّروري.رحلة الحجيج الوهابي السنوي إلى الحج هي رحلة لجلب المال والتنسيق بين الوهابية المحلّية والوهابية المركزية. والمال هنا بمعناه الديني والسياسي. فالجانب الغائب اليوم من رصد ظاهرة التغلغل الوهابي في المغرب ونشاطاته هو ما يتّصل بالمافيا الوهّابية التّي تتقن التدليس في التجارة كما تتقنه في السياسة والدين.
ماذا خسرت الحركة الإسلامية بتوهّبها؟ هذا هو السؤال الذي لم تطرحه الحركة الإسلامية المغربية على نفسها، ولم يطرحه حتّى خصومها. إنّ القران التّاريخي المعقود بين الحركة الإسلامية والوهّابية في العقود الأخيرة لم يكن لجمال فكر الوهّابية أو تديّنها. فلقد تم الزواج بالوهابية لمالها وليس لدينها أو جمالها. فالمال يحجب قبح الأشياء. لقد خسرت الحركة الإسلامية بهذا القران التّعسّفي نفسها، لأنّها لم تعد تنعم بالاستقلالية في مواقفها وأفكارها. فهي إن استقلّت عن الوهابية الدّينية فلن تستطيع الاستقلال عن الوهّابية السياسية أو الأكاديمية أو الأيديولوجية... باختصار، لا يوجد استقلال تام عن الوهابية. فلا بدّ من ولاء كلّي أو جزئي لها. وهذا ما جعل حتّى الآن النقد الجذري للوهابية مهمة غير ناجزة ومحاطة بالخوف والطمع. فالحركة الإسلامية المغربية عاجزة اليوم عن نقد الوهّابية. وإذا وجد لها نقّاد فهم لا يفعلون أكثر من نقد بعض مظاهرها أو نقد جوانب من آرائها أو تيار من تياراتها. فما دامت توجد سلطة أدبية وروحية لشيخ الإسلام الحراني المدعو ابن تيمية، فلن تعرف الحركة الإسلامية طريقها إلى الاستقلال عن الوهابية. وحينما نقول ابن تيمية أقصد أن بعض فصائل الحركة الإسلامية في المغرب يهربون إلى بن تيمية كتكتيك لإخفاء ارتباطهم بأراء ومواقف الوهّابية. هناك إذن تبعية للوهابية : تبعية روحية وريعية وسياسية وإدارية.
لكن أين تتجلى الخسارة على مستوى تجديد الفكر الديني؟ تتجلّى الخسارة الأيديولوجية في تأخّر الفكر العربي والإسلامي، والتفافه على قضاياه وعدم ولوجه منطقة التّبني الحضاري والتّجديد الجذري. على صعيد الفكر العربي اتضح أن المشاريع الكبرى التي دارت في الفراغ واستنزفت المفاهيم الكبرى ليس في كبير، جاءت لتقول في النتيجة إن العصر إما أن يكون تيميّا أو لا يكون. ولقد نجا العروي بأعجوبة وبعض المفكرين من أمثال أركون وأشباهه من بصمة الوهّابية لأسباب تتعلّق باستقلالهم المبكّر. جعل العروي عقدته الفكرية في مواجهة كل أشكال السّلفية مما جعله في مأمن من تأثيرها. بينما سقط أكثر أهل المشاريع العربية من المغاربة في الدّعوة الوهّابية وسخّروا كلّ علوم الإنسان والثّورة المفاهيمية لإعادة إنتاج الخطاب التّيمي ، مما جعلهم بوعي مسبق أو من دون وعي يفرشون السّجاد الأحمر للوهابية ويمنحوها قواما عقلانيّا خادعا. فكل هذه المشاريع على تناقضها تعيدنا إلى المربّع الأوّل : ابن تيمية. وهذه ضريبة لهذا القران بين الحركة الإسلامية والوهابية، حيث فرضت على بعض المفكرين العرب أن يحتووها بممالآت تخدم خطابها ورموزها. وفي نطاق الفكر الإسلامي خسرت الحركة الإسلامية الكثير من فرص تنميته والنهوض به واكتفت بالموجود وزهدت في الاجتهاد وعارضت التحديث في الفكر والحداثة في الاجتماع. واقتضى هذا كله منها عشرات السنين لتفيق على إرث فكري كاسد. كما كرّست في أنظمتها التربوية نزوعا متعسّفا لثقافة الماضي في تصوّرها للسياسة والدين والمرأة والفنّ والمجتمع. لقد استقال عقل الحركة الاسلامية وفسد تفكيرها بهذا القران التاريخي بينها وبين الوهابية. ففي المغرب مثلا لم تنتج الحركة الإسلامية الوهابية فكرا ولم تبدع مفاهيم. وظلّت عالة على منشورات وأفكار تنتجها الحركة الإسلامية في المشرق. وحينما حاولوا الانخراط في مجال التحليل والتفكير كانوا لا يفعلون سوى تمثّل مفاهيم وآراء رائجة في سوق السياسوية، تغري بإنشائها لكنها لا تقدّم شيئا لافتا على صعيد تنمية الفكر الإسلامي. فلا زالت الحركة الإسلامية تتوجّس خيفة من التأويل وتحتفظ بمنظور سطحي من النّصوص، وهي في الغالب تهرب إلى مفاهيم حديثة عاجزة عن إيجاد جسور بينها وبين أفكارها الدّينية. لا زالت الحركة الإسلامية تتعاطى مع السيرة كما هي ومع التاريخ كما هو. وحينما ترفض موقفا هي عاجزة عن شرعنته ترفضه بمزاج لا دليل عليه. فهي مصابة اليوم بفصام فكري حادّ يجعلها على فهم مسطّح للدّين وفهم ملتبس للحداثة. فلا تزال الحركة الإسلامية المغربية بعد أن عقدت قرانها مع الوهابية عاجزة عن استيعاب الفكر الحديث. فهي اليوم تقبل بالحداثة السياسية في حدود الشعار والإجراءات المجملة للديمقراطية كآلية للوصول إلى الحكم ثم الانقلاب على المنهجية الدّيمقراطية.
كيف أصبحت علاقة الحركة الإسلامية بعد تبنيها الوهابية بالمجتمع المغربي؟ خسرت الحركة الإسلامية ، بتوهّبها، المجتمع. فلقد خاصمته وخاصمها. وحتى حينما أوصلها إلى الحكم كعقوبة للأحزاب السياسية وثقة بريئة ببرامج الإسلاميين، سيصبح عداء المجتمع للحركة الإسلامية المتوهّبة كبيرا حينما تفشل هذه الأخيرة في الوفاء بوعودها وحينما يجدها قد دلّست عليه انتخابيا وسياسيا، وعاقبته بمشروع إلغاء صندوق المقاصة والزيادة في المحروقات. فلقد تم هدر كبير واستنزاف للطّاقات والمعنويات في إطار حركة إسلامية تأخّرت عن العصر وعطّلت عقول الشّباب. ولقد عانت الحركة الإسلامية المغربية من ظاهرة الهدر الحركي نتيجة تخلّفها الفكري ووهّابيتها المفرطة. فهناك شباب كثير من أبناء الحركة الإسلامية الذين تركوها لهذا السّبب. فهي لم تعد قادرة على احتواء الشّباب الواعي ولا هي قادرة على تأطير المجتمع بكل شرائحه. وحتّى اليوم يتعامل المجتمع المغربي مع الوهابية السياسية الحاكمة بتندّر وفضول ولكنه غير مقتنع بجدواها على المدى البعيد. إن تدهور الوعي وتزييفه وتكفير المسلمين أو شيطنتهم سياسيا وتمزيق أوصال الأمة بافتعال الصّراع والتّمكين للتّدخّل الأجنبي الذي كان الخطّ الأحمر في ثقافة المغاربة السياسية، هو مما خسرته الحركة الإسلامية المغربية. لقد حاربت السلفية الوطنية الطرقية بدعوى الخرافة والتعاون مع سلطة الحماية. وظنوا خطأ أن دعوة ابن عبد الوهّاب ستكون خير معين لهم في إكمال مهمة استئصال الزوايا والطرق. لكنّ الوهابية ما أن تغلغلت في المغرب حتّى تعاونت مع الخارج واستنجدت به كمحميين. ثم ها هي لا زالت متخلّفة في مشاريعها الفكرية فيما قسم منهم انفتح على الخرافة ونزع باتجاه عالم الجن والرقيا والأعشاب والولائم والولاءات، وهو ما كانت نقضت فيه على الزوايا والطرق. فالحركة الإسلامية بعد توهّبها تحوّلت إلى زاوية من دون علماء، وطريقة من دون سلوك. لم تقدّم الحركة الإسلامية منذ توهّبت أي مشروع مغري للأمة المغربية. وها هي اليوم في عزّ زهوها وبلوغها إلى سدّة الحكم وتسلّطها على شتّى قطاعات الدّولة ويغطّيها الرّبيع الوهابي مشرقا ومغربا، ومع ذلك لم تقدّم للمجتمع والسياسة والاقتصاد والثقافة سوى السّطحية الفكرية والجدل السياسي والمزايدات الأيديولوجيا والكراهية والاعتداء على قوت المغاربة وضرب قدرتهم الشّرائية والعبث بمصيرهم السياسي وتعريض البلاد إلى السّكتة القلبية. كما أنتجوا مراجعات خادعة تستهين بذكاء الرّأي العام وتردّد ما يطلبه الجمهور كما تشغل المجتمع بالسياسوية والأفكار المتخلفة والفتاوى الشّاذة والالتباس. لقد خسرت الحركة الإسلامية المغربية بعد أن توهّبت تاريخها ومستقبلها وبلدها والمجتمع. بل لقد خسرت قبل ذلك كلّه عقلها. وحينما نخسر العقل نخسر كلّ شيء قبله وبعده. أليس صحيحا ما ورد في المأثور، بأنّ فقد العقل شقاء !
حرافيش الوهابية شغّيلون وعلى زهد بخلاف بارونات الوهّابية الذين أفسدهم الرّيع النفطي المتدفّق على دفاتير تحمّلات الدّعوة
لم تقدّم الحركة الإسلامية منذ توهّبت أي مشروع مغري للأمة المغربية ولم تقدّم للمجتمع والسياسة والاقتصاد والثقافة سوى السّطحية الفكرية والجدل السياسي والمزايدات الأيديولوجيا والكراهية والاعتداء على قوت المغاربة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.