جرت العادة في الدول المتقدمة، أن تقدم الأحزاب المشاركة في الاستحقاقات، برنامجها الانتخابي أياما قبل الحملة الانتخابية أو في بحرها، مما يتيح لها فرصة توصيل ما ترموا إليه إلى المواطنين، بغية إقناعهم للتصويت لها. كما يعد البرنامج ورقة تعاقد بين الأحزاب ومن يمثلون، يمكن الاعتماد عليه في نهاية الانتداب، لتقيم مدى التزام الحزب في حالة تسيره للبلاد بما وعد به. كما انه وثيقة شاهدة على الحزب، لا يمكنه نكرانها أو التملص منها، أو التخلي عن ما جاء فيها إلا بحجج مقنعة، يبقى للناخب قبولها أو رفضها بمعاقبته أو التصويت له في الفترة المقبلة. مع الاحتكاك في ممارسة انجاز هذه الوثيقة، تملك واضعوها مجموعة من التقنيات، سعيا وراء إرضاء جميع فئات المجتمع، فمثلا ببلادنا، وجب على الأقل التطرق لجميع المجالات الحياتية ( اجتماعية، تعليم، صحة، امن، تشغيل...) كما يجب الالتفات لجميع الفئات الناخبة ( المرأة، الطلبة، المهنيين، الموظفون والأجراء، المعاقين، المستثمرين ...) كما لا تخلو الوثيقة من الخط الاديولوجي للحزب، ويمكنها أن تتطرق للانجازات في حالة الأغلبية أو دراسة نقدية بالنسبة لأحزاب المعارضة، مع الاقتراحات والنظرة المستقبلية للحزب. في هذه الورقة حاولت أن أقف على البرنامج الانتخابي لمجموعة من الأحزاب، في ما يخص قضية فئة تعاني كل أشكال التميز والتهميش وضياع للحقوق، وهي فئة الأشخاص ذوي الإعاقة التي تشكل رقما مهما - حيث أصبح يمثل واحد من كل أربع عائلات حسب الإحصائيات الأخيرة - قد تُميِل الكفة وتربك الحسابات، إن كونت لوبيا واتحدت في مواقفها وتوجهاتها. ومن خلال الدراسة والتمحيص يمكن القول: من ناحية الشكل، يبدو أن جل الأحزاب حاولت لمس هذه القضية سعيا وراء استقطاب من يهمهم الأمر، فمنها من خصصت صفحات للموضوع، ومنها من اكتفت بإشارات طفيفة، ومنها من رأت أن الأمر لا يستحق أن يكون ضمن برنامجها. أما من ناحية المضمون، وهو جوهر الموضوع، فجل الأحزاب سقطت في التعميم، وعدم التركيز على المشاكل الحقيقية التي يعاني منها ذوي الإعاقة، حيث نسجل مجموعة من النواقص نذكر منها: 1 _ استعمال مصطلحات بعيد كل البعد عن الاصطلاح الذي جاء في الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، مما قد يتيح التأويل، ويعطي فرصة لسهولة التملص من الوعود والالتزامات المقترحة. 2 _ الاكتفاء بمقترحات عامة، وعدم الالتزام بالتزامات بمؤشرات نوعية وكمية قابلة للقياس والتحقق، على غرار ما هو متعارف عليه دوليا. 3 _ ضعف إن لم نقل غياب وسائل التواصل البديلة، خصوصا الإعاقة البصرية (طريقة برايل) وإعاقة الصم (لغة الإشارة). 4 _ بعد اقتراحات الأحزاب على ما جاء من حقوق في الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة. 5 _ عدم ملامسة المشاكل الحقيقية للشخص في المعاق ( خصوصية ذوي الإعاقة وخصوصية كل إعاقة) من ولوجيات، تكلفة الإعاقة، التمكين الأسري، الفحص المبكر، التعليم المكيف، التشغيل الملائم، التيسيرات المعقولة... مما نجم عنه السقوط في التعميم، واعتبار التطرق إلى حقوق الإنسان بصفة عامة قد يفي بالغرض، في حين أن العكس هو الصحيح، لان التعامل مع المختلفين بشكل متساوي لا ينتج إلا استدامة اللامساواة على حد قول احد المفكرين "Il n' y a pire injustice que de traiter également de choses inégales" Guy Janvier 6 _ تكريس مقاربة احسانية متجاوزة، تتجلى من خلال استعمال مصطلحات من قبل : منح للمعاقين، التكفل بهم، الدعم المادي، التضامن، الرعاية... بدل مصطلحات حقوقية : الحقوق الواجبة والإلزامية وضمان اللولوج إليها، التمكين والتمكن، الاستمتاع الشامل والكلي بالحق، المواطنة والمساواة وعدم التميز... 7 _ اعتماد الحلول الخاصة ( مراكز خاصة، أقسام خاصة ...) بدل الحلول الدامجة والدمجية. 8 _ عدم وجود لجن أو خلايا خاصة بالأشخاص ذوي الإعاقة، على غرار لجن المرأة والطفل، مما يعطي طابع المناسباتية والانتخابواتية في معالجة هذا الموضوع. 9 _قلت التمثيلية للأشخاص ذوي الإعاقة في اللوائح الانتخابية، مما يدل على عدم الثقة في هذه الشريحة من المواطنين وعدم الاعتراف بقدراتها. 10 _ندرة التطرق لقضايا الإعاقة من طرف ممثلي الأحزاب سواء الأغلبية أو المعارضة، في الجلسات البرلمانية وضعف القوانين المطروحة للنقاش والمصادقة الخاصة بالإعاقة. 11 _ ضعف تواصل الأحزاب مع المنضمات والجمعيات العاملة في هذا المجال. نقط من غيرها تبين مدى التقصير الحاصل في إحقاق حقوق هذه الفئة، ومدى المناسباتية والحلول الترقيعية المقترحة مِن مَن يفترض فيهم تمثيل كل المواطنين لا جزء منهم، وتوصيل مطالبهم لمراكز القرار دون تميز أو تغليب جهة على أخرى، وفق قراءات حسابية عددية ضيقة، كما تبين ضعف معرفة الكيانات الحزبية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة التي تضمنتها الاتفاقية الدولية لحقوق ذوي الإعاقة والتي وقعت وصادقت عليها بلادنا. * حقوقي وباحث في مجال الإعاقة خريج جامعة منتريال الكندية [email protected]