في فرنسا، يجري استقبال الدخول الثقافي مع انتهاء عطلة الصيف على نحو خاصّ، إذ يكون القارئ الفرنسي على موعد مع صدور مئات الروايات [نزلتْ إلى المكتبات الفرنسية 560 رواية في الدخول الثقافي لهذه السنة]. في المغرب، يبدو الأمر مختلفا للغاية، إذْ إنّ "الدخول الثقافي" في المملكة يمرّ في صمْت مُطبق، وكأنه غير موجود أصلا؛ فلا دُورُ النشر تعلن عن جديد إصداراتها، ولا القراء يقصدون المكتبات لاقتناء جديد الكتب، باستثناء القلّة القليلة. يقول الكاتب المغربي حسن الرموتي: "حين يُطرح سؤال من قبيل هل هناك دخول ثقافي؟ يبدو لي كما لو أن الثقافة في المغرب تعدُّ جزءا من حياة المواطن كما هو حال في البلدان الديمقراطية، أو على الأقل أن الثقافة في مرتبة بعض القطاعات الاستهلاكية الأخرى المرتبطة باليومي". ويرى الرموتي، في حديث لهسبريس، أنَّ غياب "الدخول الثقافي" في المغرب، وفي البلدان العربية عموما، "راجع إلى أنَّ الثقافة غائبة تماما عن اهتماماتنا اليومية". وأوضح المتحدث ذاته أنَّ كثيرا من المظاهر تدلّ على تلك الوضعية؛ مثل ضعف معدّل القراءة، وعدد المنشورات والكتب مقارنة بعدد السكان، وتفشي الأمية. ويضيف الرموتي أن ثمّة مظاهر أخرى تدلّ على غياب الدخول الثقافي في المغرب؛ مثل عدد اللقاءات الثقافية الحقيقية الجادة البعيدة عن المجاملات والمحاباة، دور وزارة الثقافة والاتحادات والجمعيات الثقافية، إضافة إلى أنّ الكثير من قاعات السينما أغلقت، وتحولت المكتبات إلى مطاعم للأكلات الخفيفة، ومصادرة مؤلفات الكتاب المغاربة، كما وقع مؤخرا حين احتجزت نسخ قليلة من ديوان لشاعر مغربي في مطار الدارالبيضاء. الكاتب المغربي يعتقد أنَّ هذه العواملَ "تكشف أننا بعيدون عن المفهوم الحقيقي للثقافة"، مضيفا أنّ الثقافة بكل مكوناتها "هي جزء من الإنسان والمجتمع؛ لأنها ليست ترفا زائدا، بل هي ملح طعام حياةِ أي مجتمع، وعماد أيّ مجتمع هم مثقفوه". على مستوى الواقع، يظهرُ أنّ الثقافة ما زالتْ تحتلّ ذيْل الأولويات لدى المسؤولين المكلفين بتدبير الشأن العام، إذ إنّ ميزانية وزارة الثقافة هي الأضعف من بين ميزانيات باقي القطاعات الحكومية. أما فيما يتعلّق بالقراءة، فلا تتعدّى المدّة التي يخصصها كل مغربي للقراءة دقيقتين في اليوم، حسب بحث أجرته المندوبية السامية للتخطيط حول تدبير المغاربة للزمن. ويعتبر الرموتي أنَّ "النشاط الثقافي أو المشهد أو الدخول أو ما شئنا من التسميات هي مرآة تعكس وجه أي أمة"، متسائلا "هل فعلا عندنا ثقافة حتى نتحدث عن الدخول الثقافي، على غرار الدخول السياسي؟ بالرغم من أن السياسة في المغرب بالنسبة إليّ هي أكبر عدو للثقافة.. أقصد الثقافة الحقيقية الجادة وليست ثقافة الرقص والتعتيم والتبليد التي تطبع الكثير من اللقاءات والمهرجانات التي تسمى ثقافية؟". ويضيف المتحدث أن "لا شيء يُنبئ على أننا فعلا نفكر بالثقافة والمثقفين ودورهم في حراك المجتمع، حتى مع الدستور الجديد لا شيء تغير... وهو ما يدل على أن المسألة تتعلق بالذهنية أو العقلية التي نملكها نحو الثقافة في مواجهة نظام همّه الحفاظ على الواقع كما هو". ويتوقف مؤلف السيرة الروائية "لاندوشين" عن أحد العوائق التي لا تشجّع على النهضة الثقافية، ويتعلق بغياب إستراتيجية واضحة وبرامج واضحة، إضافة إلى أنَّ الروائيين والشعراء وغيرهم في المغرب يطبعون كتبهم على نفقتهم، والعديد منهم لا يملكون موارد مالية، كما أنّ المؤسسات الثقافية الواجب عليها مساعدتهم على الطبع مثلا غائبة، لتظلّ مجهوداتهم فردية. الرموتي أكّد أنه لا يمكن الحديث عن دخول ثقافي "إلا إذا كانت هناك مؤسسات تخطط وتنظم وتسهر وتنفق، هل نملك هذه المؤسسات"؟ واصفا الميزانية التي تخصصها الحكومة لوزارة الثقافة بكونها "تبعث على الشفقة والبؤس"، ومضيفا: "يمكن من هذا المنطلق أن نقول إننا لا نملك دخولا ثقافيا بقدر ما نعيش خروجا ثقافيا، لأننا أمة خارج الثقافة".