الشراكة الاستراتيجية بين الصين والمغرب: تعزيز التعاون من أجل مستقبل مشترك    انتخاب لطيفة الجبابدي نائبة لرئيسة شبكة نساء إفريقيات من أجل العدالة الانتقالية    وسط حضور بارز..مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة تخلد الذكرى الستين لتشييد المسجد الكبير بالعاصمة السنغالية داكار    المتقاعدون يدعون للاحتجاج ضد تردي أوضاعهم ويطالبون برفع التهميش    الجزائر تعتقل كاتبا إثر تصريحاته التي اتهم فيها الاستعمار الفرنسي باقتطاع أراض مغربية لصالح الجزائر    الأخضر يوشح تداولات بورصة الدار البيضاء    قمة "Sumit Showcase Morocco" لتشجيع الاستثمار وتسريع وتيرة نمو القطاع السياحي    كرة القدم النسوية.. توجيه الدعوة ل 27 لاعبة استعدادا لوديتي بوتسوانا ومالي        اغتصاب جماعي واحتجاز محامية فرنسية.. يثير الجدل في المغرب    الحسيمة تستعد لإطلاق أول وحدة لتحويل القنب الهندي القانوني    هتك عرض فتاة قاصر يجر عشرينيا للاعتقال نواحي الناظور    استغلال النفوذ يجر شرطيا إلى التحقيق    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأحد    نمو صادرات الصناعة التقليدية المغربية    "مرتفع جوي بكتل هواء جافة نحو المغرب" يرفع درجات الحرارة الموسمية    حفل يكرم الفنان الراحل حسن ميكري    انخفاض مفرغات الصيد البحري بميناء الناظور    موتسيبي "فخور للغاية" بدور المغرب في تطور كرة القدم بإفريقيا    معهد التكنولوجيا التطبيقية المسيرة بالجديدة يحتفل ذكرى المسيرة الخضراء وعيد الاستقلال    اعتقال الكاتب بوعلام صنصال من طرف النظام العسكري الجزائري.. لا مكان لحرية التعبير في العالم الآخر    بوعشرين: أصحاب "كلنا إسرائيليون" مطالبون بالتبرؤ من نتنياهو والاعتذار للمغاربة    المعرض الدولي للبناء بالجديدة.. دعوة إلى التوفيق بين الاستدامة البيئية والمتطلبات الاقتصادية في إنتاج مواد البناء    بعد متابعة واعتقال بعض رواد التفاهة في مواقع التواصل الاجتماعي.. ترحيب كبير بهذه الخطوة (فيديو)    محمد خيي يتوج بجائزة أحسن ممثل في مهرجان القاهرة    الطيب حمضي: الأنفلونزا الموسمية ليست مرضا مرعبا إلا أن الإصابة بها قد تكون خطيرة للغاية    19 قتيلا في غارات وعمليات قصف إسرائيلية فجر السبت على قطاع غزة    مثير.. نائبة رئيس الفلبين تهدد علنا بقتل الرئيس وزوجته    الوزير برّادة يراجع منهجية ومعايير اختيار مؤسسات الريادة ال2500 في الابتدائي والإعدادي لسنة 2025    اختفاء غامض لشاب بلجيكي في المغرب    كأس ديفيس لكرة المضرب.. هولندا تبلغ النهائي للمرة الأولى في تاريخها        ترامب يعين سكوت بيسنت وزيرا للخزانة في إدارته المقبلة    سبوتنيك الروسية تكشف عن شروط المغرب لعودة العلاقات مع إيران    فعالية فكرية بطنجة تسلط الضوء على كتاب يرصد مسارات الملكية بالمغرب        ضربة عنيفة في ضاحية بيروت الجنوبية    "السردية التاريخية الوطنية" توضع على طاولة تشريح أكاديميّين مغاربة    "كوب29" يمدد جلسات المفاوضات    كيوسك السبت | تقرير يكشف تعرض 4535 امرأة للعنف خلال سنة واحدة فقط    عندما تتطاول الظلال على الأهرام: عبث تنظيم الصحافة الرياضية        الموت يفجع الفنانة المصرية مي عزالدين    كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة    بنسعيد: المسرح قلب الثقافة النابض وأداة دبلوماسية لتصدير الثقافة المغربية    موكوينا: سيطرنا على "مباراة الديربي"    مهرجان "أجيال" بالدوحة يقرب الجمهور من أجواء أفلام "صنع في المغرب"    افتتاح أول مصنع لمجموعة MP Industry في طنجة المتوسط    من العاصمة .. إخفاقات الحكومة وخطاياها    مندوبية التخطيط :انخفاض الاسعار بالحسيمة خلال شهر اكتوبر الماضي    طبيب ينبه المغاربة لمخاطر الأنفلونزا الموسمية ويؤكد على أهمية التلقيح    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدخول الثقافي بالمغرب.. بحث عن متغيب
المثقفون يتحسرون عليه والسياسيون لا يعلمون به
نشر في المساء يوم 19 - 09 - 2013

مسعود بوحسين: المغرب لا يتوفر على صناعة ثقافية محترفة
يرى مسعود بوحسين، رئيس النقابة المغربية لمحترفي المسرح، أنه من الصعب الحديث في المغرب عن دخول ثقافي على غرار الدخول المدرسي أو السياسي أو الرياضي...الخ، لأن المغرب بكل بساطة، حسب بوحسين، لا يتوفر على صناعة ثقافية محترفة، تستغل المحطات الفاصلة في الحياة الثقافية كالدخول الثقافي من أجل الترويج لمنتجاتها، الشيء الذي يحتاج بالطبع إلى سابق إعداد. فدور النشر تعلن عن إصداراتها والمسارح تعلن عن عروضها الجديدة، وتتفنن المنشآت الثقافية في تزيين واجهاتها من أجل جذب زبناء جدد. ويضيف بوحسين أن الحركة الثقافة في المغرب استعادت شكلها التقليدي في روح جديدة، فالموسم التقليدي عوضه المهرجان الحديث وليس هناك مجال واسع للاستهلاك الثقافي على طول السنة، بل «حتى لو فكرنا في مرحلة ما في الاستهلاك الثقافي في المغرب، فيجب انتظار شهر فبراير، حيث تنشط الحركة الثقافية نسبيا إلى حدود شهر ماي، ثم تخبو بعد ذلك في دورة عمر قصيرة».
وبالنسبة لخبو الحركة الثقافية، يقول بوحسين إن الأسباب كثيرة ومتنوعة ولا يسع المجال لذكرها كلية، منها: غياب سياسة ثقافية لدى الدولة، قيام الثقافة المغربية على المبادرات الفردية في غياب المؤسسات الثقافية، لاسيما في مجالات فنون العرض، تدني جاذبية الثقافة من خلال تدني صورة المثقف الذي اقترنت بالبؤس والتشكي عوض أن يكون نموذجا للنجاح الاجتماعي، تأثير أزمة التعليم بالمغرب على المجال الثقافي المغربي، تفشي ظاهرة النجاحات الإعلامية غير المستحقة بناء على عوامل خارج ثقافية أو خارج إبداعية والمرتبطة أساسا بالمجال السياسي، والتي تقدم صورة ناجحة ظاهريا، لكنها غير نافذة على مستوى الواقع، تنامي النزعات التجريبية غير الرصينة والعميقة، ضعف القوانين المؤطرة للمجال الثقافي، والتي لا تجعل من دعم الدولة - على قلته- محفزا على الاستثمار، بل غالبا ما يكون مجالا للاعتياش والريع الثقافي.
ويضيف بوحسين أن كل هذه الملاحظات تطرح أمام الثقافة المغربية تحديات جديدة، لا يمكن تجاوزها إلا من خلال جعل مسألة الثقافة بالمغرب من أولويات الدولة، لكن بمنهجية ومقاربة جديدتين قادرتين على خلق مناخ ثقافي جديد، مبني على تحويل الثقافة إلى صناعة فاعلة في الاقتصاد، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر...وهي عملية تحتاج إلى فهم الطبقة السياسية لدورها أولا في التقدم المجتمعي، وإلى ضبط مفارقات المنتوج الثقافي المتراوح بين النجاح التجاري والثقافي المحض، وإلى إعادة النظر في وزارة الثقافة وأدوارها حتى لا تبقى حبيسة التنشيط الثقافي الممركز؛ واعتماد مقاربة مؤسساتية مختصة في مجالات ثقافية محددة، كما هو الحال بالنسبة لمجال السينما الذي يعرف تقدما نسبيا لوجود مركز مختص، زيادة على نهج مقاربة عرضانية للثقافة تأخذ بعين الاعتبار جميع المتدخلين في الشأن الثقافي.
إبراهيم الحجري :الدُّخول الثّقافي الجديد..إشْعار باللاّ دُخول
ويتساءل الكاتب والناقد إبراهيم الحجري: «لست أدري متى يخرج شعب من الثقافة ليُعيد الدخول إليها مرة أخرى؟ أو متى يتوقف عن ممارسة سلوكياته الثقافية، لوقت ما محدّد، ثم يعود ليمارسها في لحظة معلومة؟ ثم ماذا نسمي ما يقوم به هذا الشعب أو ذاك لما يكون في لحظة خروجه الثقافي؟ هذه مفارقة لا تستساغ أبدا، ولا أرى لها من مبرر ولا من مرجعية تستند إليها هذه النظرة القاصرة إلى الفعل الثقافي. ليس للممارسة الثقافية خروج حتى يكون لها دخول. الفعل الثقافي أوسع بكثير من التصور الذي يلصقه به من يتبنى، للثقافة، فصولَ السنة الدراسية أو الفلاحية أو الاقتصادية أو حتى السياسية، لأنه سيرورة متزامنة مع الوجود البشري لا يمكن الفصل بينهما، حتى في الحالات التي يكون غير واع بما يقوم به. إذن فهذا الربط بين الفعل الثقافي وفصول السّنة؛ المستمدّ، أساسا، من الدّورة الطبيعيّة؛ ومن المواسم الدراسية؛ يرهن السلوك الثقافي في أنشطة معينة نخبوية تقوم بها المؤسسات في أوقات محددة، وهي نظرة تقصي الممارسات الثقافية الشعبية التي تكثر في الصيف خاصّة، وتختزل مفهوم الفعل الثقافي في نشاطات محدودة ونخبوية لا تعبر إلا عن فئة قليلة».
ويضيف الحجري بأنه يجبُ على المؤسّسات أن تغيّر من نظرتها التشييئية للممارسة الثقافية، وأن توسّع اهتماماتها بمكونات ثقافة الشعب، وترعاها بكل تلويناتها وأطيافها عبر فتح سجال وطني شامل يشخصها ويقومها ويشجعها، وأن عليها، في الآن نفسه، رفع الالتباس عن ارتباط الممارسة الثقافية بالممارسة التربوية التي تستهدف فئة معينة، وتستند إلى مفهوم «التنشئة الاجتماعية» التي تستهدف استمرار النموذج الثقافي، وردّ الاعتبار لقيمة الفعل الثقافي الرّمزي والإعلاء من دوْر الثقافة في التنمية البشرية، وإعادة الدفء إلى الفضاءات الثقافية التي أصبحت خرابات تعشّش فيها العناكبُ وطيورُ الخطّاف بسبب سيّاسة التهميش الثقافية (دور الشباب- دور الثقافة- المسارح البلدية- الخزانات البلدية- دور السينما...)، وتوزيع المنح الثقافية على الجمعيات والفعاليات النشطة بالقسط وتبعا للعطاء، وتحفيز الفعل الثقافي الجادّ، الذي يكوّن الفرد تكوينا رصينا يؤهله لخوض الاستحقاقات والتحديات المستقبلية بكل ثقة؛ فعل ثقافي ينبع من هوية المجتمع وأصوله ومشاربه المتعددة، مع الحرص على عدم استصدار أذواق الناس ومشاعرهم وموروثاتهم؛ وتبذير الثروات الباذخة في مهرجانات لا تسمو بالذائقة، ولا تخلق وعيا جديدا بالفن، ولا تنبثق عن انشغالات الأغلبية الساحقة.
ويقول إبراهيم الحجري إن «الأمّة إذا أرادتْ أن تسير بعيدا في زمن تحتضر فيه الأممُ الصغيرة وتتآكل، فعليها أن تحصّن موروثها الثقافيّ والرمزيّ وتعضّ عليه بالنواجذ؛ وتسعى إلى حفظه من الذوبان والتلاشي؛ خاصّة بالنسبة لأمم لا رأسمال لها سوى هذا الموروث، لأن الحرب الطاحنة الدائرة رحاها الآن باسم العولمة لا تقوم على السلاح فحسب، بل تقوم كذلك على صراع الهويات بالدرجة الأولى. فكيف ونحن في أمة تدخل هذه الحرب وهي تعي أنها تفرط في إرثها الذي تحسدها عليه الأمم الأخرى؟».
محمد بوجبيري : الدخول الثقافي
لا يوجد إلا في ذهن المثقفين
في جوابه عن سؤالنا حول ما إن هناك دخول ثقافي، قال الشاعر محمد بوجبيري: «كدت أكتب الدخول المدرسي، لأنه الشاغل الحقيقي للناس في هذه الأيام، وكدت أيضا أكتب الدخول السياسي، لأن المغرب يعيش حاليا مخاض ولادة حكومة جديدة، أو مرممة على الأصح، أما الدخول الثقافي، فهو لا يوجد إلا في ذهن المثقفين».
ويضيف بوجبيري: «في اعتقادي المتواضع، فإن الدخول الثقافي عندنا لا يكون في مثل هذا الوقت، كما هو حاصل في أوروبا، وغيرها من البلدان التي لها تقاليد عريقة في الشأن الثقافي. موعده الحقيقي عندنا هو المعرض الدولي للكتاب، حيث تجتهد دور النشر في تقديم ما لديها من إصدارات. يصاحب ذلك نشاط مكثف، من خلال اللقاءات، والندوات في مختلف التخصصات، والتعريف بإصدارات المبدعين والمفكرين، والإنصات إليهم، وهم يحاضرون، أو يقرؤون إبداعاتهم. لا يمكن الحديث عن الدخول الثقافي، والكاتب غريب كصالح في ثمود لأن فعل القراءة ضعيف جدا حتى بين الفئات المتعلمة من خريجي الجامعات والمعاهد العليا. قلة هم أولائك الذين يقتنون الصحيفة، والكتاب، والمجلة، ويواظبون على متابعة الجديد على الأقل في مجال تخصصهم. الدخول الثقافي في فرنسا التي تصلنا أخبارها باستمرار يعني صدور مئات الكتب في كافة المجالات: الرواية، والشعر، والقصة، والفكر، وما إلى ذلك من مجالات معرفية متعددة. في المغرب هدير المطابع طيلة الصيف لا يعني غير الكتاب المدرسي، وما يلف حوله من المطبوعات الخاصة بالتلاميذ قصد التسجيل في المؤسسات التعليمية، بدءا بالروض، وانتهاء بالجامعة. أذكر الصديق الذي أعد العدة لنشر مجموعته الشعرية. أخذ من البنك المبلغ الكافي لهذه المغامرة. في دار النشر اعتذروا له بلباقة، وأكدوا له أنه ليس بإمكانهم الاستجابة لرغبته، لأنهم لا ينشغلون في الصيف إلا بالكتاب / الصفقة، والذي هو بامتياز الكتاب المدرسي. قد تصدر بعض الإصدارات لبعض الكتاب على نفقتهم، أو لأن جهة من الجهات ساعدتهم على النشر. تنزل تلك الكتب باختلاف عناوينها إلى الأكشاك، والمكتبات، ولا يباع منها إلا القليل، لأن لا أحد روَّج، أو عرَّف بها من خلال عمل منظم وفق أجندة ترصد أي إصدار، وتعمل على تنظيم لقاء تواصلي بين الكاتب والقارئ ينتهي بالتوقيع، وفي أحسن الأحوال مع حفل شاي . ما تقوم به الجمعيات الثقافية في هذا المجال محدود جدا لأن السياق العام لا يشجع على مثل هذه المبادرات، وتكفي الإشارة إلى غياب الدعم الضروري لمثل هذه الأنشطة».
نورالدين صدوق : «الدخول» الغائب الأكبر
أما الكاتب والناقد صدوق نور الدين فيقول إن التفكير في موضوع الدخول الثقافي يحتم تأسيس النظر من منطلق أن مفهوم الدخول بمثابة بنية متكاملة، لا ينظر فيها إلى الثقافي وحده، وإنما إلى السياسي والاجتماعي والفني والرياضي. هذه البنية بمثابة تصورات لما سيكون عليه شأن مؤسسة الدولة على امتداد سنة بكاملها. إذ يكفي مثلا الرجوع إلى متحققات هذه البنية، ليتم الحكم على مدى تقدم المجتمع أو تخلفه.
ويضيف صدوق نور الدين أن «الدخول الثقافي، الذي يهمنا هنا بالأساس، تقليد فرنسي صرف. وهو متوارث ويشكل ثابتا من ثوابت الحياة الثقافية في فرنسا خاصة. إذ في حال إمعان النظر خارج الفضاء الفرنسي، نجد على سبيل المثال أن دولة كالسويد لا تهتم بما يسمى الدخول، على اعتبار أن الآلة الثقافية تشتغل على مدار السنة، وفي جميع مناحي الحياة. فالإعلام مثلا يلاحق جديد المطابع طيلة السنة.. والملاحق الثقافية، كما البرامج، لا تتوقف ولو في عز الصيف، إضافة إلى إلى كون المكتبات متوافرة في كل مكان وتتابع الجديد باستمرار، حتى في المساحات الكبرى حيث وتيرة الاستهلاك لا تتوقف».
وهو يرى أن الدخول الثقافي في فرنسا دخول يعد له قبليا، فدور النشر تعلن عن جديدها من خلال المجلات والملاحق الثقافية، كما تؤشر على الزمن الذي يمكن أن يكون فيه الجديد متوفرا في السوق، بعيدا عن الخطإ في المواعيد. و»الحال أن بعض هذه المنابر تساهم في تقييم الأعمال الأدبية والإبداعية ودعوة القارئ لقرءاتها والإقبال عليها. وبذلك يتحدث عن أدب الداخل وأدب الخارج..فداخل فرنسا مثلا يتطرق هذه السنة بالضبط إلى جديد الروائية إميلي نوثومب.. وكذلك فيرونيك أوفالدي. وأما خارجيا فيتحدث عن رائد من رواد الرواية البوليسية الإسلندي أرنالدور أندريارسون، المترجم إلى اللغة الفرنسية».
ويضيف صدوق نور الدين أن الناشرين يساهمون في عملية التداول الثقافي والمعرفي عن طريق إرسال فصول من الكتب، سواء الإبداعية أو الفكرية، وتتولى المجلات كلير، مثلا، نشر هذه الفصول والتعريف بالمنتوج قبل صدوره، وكذا التقييم النقدي الموضوعي والجاد له.
ويوضح صدوق أنه «إذا كانت وتيرة الدخول تبدأ بطيئة في شهر غشت، فإنها تصل ذروتها خلال شهري شتنبر وأكتوبر، حيث مواعيد منح الجوائز على تعددها، لتبقى جائزة الكونكور أقواها في فرنسا. ويمكن القول بأن هذه الوتيرة تمتد إلى غاية السنة الجديدة..فدخول بهذا المستوى، بما فيه من نقاشات ومتابعات وأحكام وتتويجات، هو بالفعل الصورة الحقة عن حركية ثقافية متقدمة بتقدم المجتمع، وإن كانت بعض التقييمات تذهب في سياقات قاعدة المقارنة بين ما هو فرنسي وما يعد أنجليزيا أو ألمانيا، مما لا ننوي الدخول فيه».
لكن في المغرب يصعب الحديث، يضيف صدوق نور الدين، عن دخول ثقافي، لكون الشأن الثقافي غير وارد في سياق العملية التنموية. و»من هنا مفارقة تخلف منظومة التربية والتعليم واختلالها. فدور النشر مثلا تستنكف حتى عن الدعاية لما تقوم بإصداره، إن توفر لها ما تتغيا نشره، علما بأننا لا نملك ناشرين بمعنى الكلمة وإنما لدينا طابعون للكتاب المدرسي ممن يستغلون هذا الكتاب لأغراض باتت معروفة كاستغلال الورق باسم شيء وتوظيفه لصالح آخر. ثم إن البعض من هؤلاء لا يملكون لجانا للقراءة وازنة تقيم المنتوج تقييما مستحقا، مثلما تنعدم برامج دقيقة لها على مستوى الصدور، فيحدث مثلا أن يوقع الناشر عقده مع المؤلف دون أن يعرف الأخير متى سيصدر كتابه.. وقد يتحول المؤلف إلى معلن وبائع في الوقت ذاته. وهي صورة من صور فهم مؤسسة الناشر لشخصية المؤلف. أما إعلاميا فلا يتوفر المغرب على برامج ثقافية قوية بمعنى الكلمة، تساهم في الترويج للكتاب، وهو حق من حقوق الناشر والمؤلف. فجميع البرامج سياسية وتحمل عناوين لا تحيل على ذلك، وكأن الحياة في المغرب سياسوية فقط».
ويلاحظ صدوق نور الدين بأن الشأن الثقافي صار يرتبط بمعرض الكتاب الدولي فقط، بمعنى بالشهر الثاني من كل سنة، وبانتفاء هذا الموعد لا يمكن الحديث عن ثقافة نهائيا، اللهم من خلال أنشطة باهتة هنا وهناك ومواسم فلكلورية لا علاقة لها بالشأن الثقافي..
هذه الاختلالات، يضيف صدوق نور الدين، جعلت الكتاب المغربي يجد صداه في المشرق، كما في دول الخليج. وهي هجرة أخرى بمواصفات أخرى، حيث يحدث أن تتوج هنالك ولا يعترف بها هنا وتلك هي كبرى المفارقات. لذلك «فلا علاقة لنا نحن بالدخول الثقافي، مادام واقع الكتاب في تدن مستمر لا يمكن التغلب عليه إلا بنهج سياسة ثقافية دقيقة تحترم الجميع وتراعى فيها كل الأطراف ويتغلب فيها على العوائق وتتكامل فيها الإرادات».
بنيونس عميروش: على الحكومة أن تصحح نظرتها للمسألة الثقافية
في حين يرى التشكيلي والناقد الفني بنيونس عميروش بأن «بداية الموسم الثقافي الحالي لا بد أن تتأثر بالوضع السياسي الذي نعيش أحواله المتردية، الموصولة بالتراجعات الاقتصادية والاجتماعية، مثلما يتأثر بأوضاع البلدان العربية التي صارت عنوانا لانمساخ الأنظمة التي دأبت على تذويب ثقافة الاختلاف وثقافة النقد. نأمل أن تعمل الحكومة في طبعتها الجديدة على تصحيح نظرتها للمسألة الثقافية كي توليها الاهتمام اللائق، خاصة أن الثقافة والفنون وحدها الكفيلة بصنع شعب راق».

عبد الفتاح الحجمري: تدني مستوى التعليم أهم سمة لدخولنا الثقافي
وبالنسبة إلى مدير مكتب تنسيق التعريب بالرباط عبد الفتاح الحجمري، فيقول إنه «عادة ما ينشغل الرأي العامّ الثقافي بُعيْد العطلة الصيفية، وفي تزامن مع الدخول المدرسي والجامعي، بما يفترض أن يكون دخولا ثقافيا. وهذا انشغال مبرّر يبرز قيمة الثقافة وجدواها بالنسبة إلى المجتمع والأفراد. والحال أن دينامية الثقافة متصلة بدينامية المؤسسات الثقافية بمعناها العام، فضلا عن القطاعات الحكومية ذات الصلة؛ وهي دينامية تنتج عنها «صناعة ثقافية» ترسخ بنيتها في الدولة والسياسة والمجتمع. بهذا المعنى لا تغدو الثقافة مجرد تحصيل للمعرفة وتنمية للذوق والملكة النقدية في هذا المجال أو ذاك، بل هي فضاء للابتكار والإبداع وتأسيس متواصل لوعي نقدي تسنده قيم الحرية والمساءلة في المجتمع السياسي والمجتمع المدني».
ويضيف عبد الفتاح الحجمري أنه «يمكن للثقافة اليوم أن تكون أرفع سبيل لتحقيق التنمية في المجتمع وعلى كل الأصعدة، كما يمكنها أن تكون عائقا من عوائق التنمية والتأخر الفكري. الثقافة موصولة بالمجتمع وبالحياة، والمثقف ضمير الأمة. من هذا المنظور، تواجه الثقافة في المغرب تحديات جمّة موروثة على أكثر من صعيد: الأمية والفقر، وضرورة مواكبة التحولات المتسارعة في العالم من حولنا؛ ضبابية الوضع الاعتباري للمثقف في المجتمع. لذا تعتبر التربية والتعليم والبحث العلمي المحرّك الأساس الذي بدونه لن يتحقق أي نماء ثقافي مشهود ومستدام. كما أن الوعي بتدنّي مستوى التعليم في مختلف الأسلاك، يعتبر، في تقديري، أهم سمة لدخولنا الثقافي لهذا العام، فمن الضروري التفكير بجدية وهدوء في هذه المعضلة».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.