تعتزم وزارة الثقافة طرح مخطط وطني للكتاب والقراءة العمومية، تسعى من خلاله إلى إصلاح حال هذا "القطاع" الذي يعيش أسوأ حالاته، وإن كان هذا المخطط ليس بالجديد، إذ هو "امتداد" لمخطط سابق كان قد طرح في عهد وزيرة الثقافة السابقة ثريا جبران، وكان في مراحله الأخيرة كي يقدم للملك، لكن مرض ثريا جبران أوقف المخطط في مهده ليبقى في "ثلاجة" الانتظار. هذا العمل كما يقول مهيئوه يهدف إلى تقديم صورة موضوعية لأوضاع القراءة والكتاب وتقييمها، وصياغة الإجراءات والتدابير لخلق واقع جديد للقراءة وصناعة الكتاب بالمغرب. فهل يمكن أن يصلح المخطط الوضع المأزوم للكتاب والقراءة ويصححه؟ وهل يستطيع أن يعيد تشغيل القطار الذي علاه الصدأ؟ ثم هل يمكن أن يكون المخطط هو الأرضية الصلبة للانطلاق أم أنه سيعرف مصير خطط سابقة في قطاعات أخرى ماتت بانفضاض الجموع وانطفاء الكاميرات؟ أحمد شراك مجتمع غير قارئ قد تنتظر منه مفاجآت في غياب حصانة ثقافية يقول الباحث السوسيولوجي أحمد شراك، الذي كان ضمن مهيئي الخطة الوطنية ل2008/2009، إن «الخطة الوطنية للقراءة، سواء الماضية أو التي تزمع الوزارة طرحها، لاشك تساهم إلى حد بعيد في رسم معالم الطريق لحل المشاكل التي يتخبط فيها قطاع الكتاب ببلادنا، وهي مشاكل متعددة مرتبط بعضها بالكتابة والكتاب، وبعضها الآخر بالناشرين والطابعين، والبعض الثالث مرتبط بالموزعين والكتبيين، والبعض الرابع مرتبط بالقراءة وعموم المواطنين، والمجتمع ككل، مما يجعل اقتراح خطة يساهم في وضع بعض الحلول والمقترحات، التي من شأنها أن تخفف من حدة هذه المشاكل وجبروتها». ويرى شراك أن تصحيح هذا الوضع غير الصحي يقتضي ليس تدخل الوزارة فقط، وإنما تدخل كل قطاعات الدولة، وبالتالي مختلف القطاعات الحكومية، حيث يكون لها وعي حقيقي وإرادة سياسية عميقة من أجل تجاوز المشاكل المحدقة بهذا القطاع ولتحقيق المبتغى طرح الباحث السوسيولوجي استراتيجيتين «الأمر يجب أن يتم على الأقل وفق استراتيجيتين على الأقل هما: استراتيجية الحفاظ على الأمن الثقافي في البلد على اعتبار أن هذا الأمن هو تلبية للحاجات الرمزية والثقافية للإنسان المغربي، وما لهذه الحاجات من علاقة وطيدة بحياة الناس، بل بالأمن السياسي، لأن مجتمعا غير قارئ قد تنتظر منه مفاجآت في غياب حصانة ثقافية متينة تلعب فيها القراءة الدور المركزي إلى جانب وسائل التثقيف الأخرى كالمدرسة والجامعة والمسجد والإعلام والإنترنيت إلى غير ذلك». أما الاستراتيجية الثانية بالنسبة إلى شراط فتتحدد «في ترشيد هذا القطاع وتهيئته ليصبح قطاعا منتجا وفعالا في الاقتصاد الوطني، يساهم بدوره إلى جانب القطاعات الاقتصادية الأخرى. وهذا أمل يمكن أن يتحقق في الأمد المتوسط على الأقل»، لكنه يؤكد أن قطاع الكتاب وقطاع الثقافة بصفة عامة يحتاج إلى دعم ومؤازرة من الدولة بمختلف مكوناتها ومؤسساتها. ويرى شراك أن «الوعي بهذه الاستراتيجيات يجعل الانخراط في صيانة وحماية المنتوج الثقافي أمرا لا مفر منه، بل هو أولوية الأولويات التي لا تقل أهمية عن الخبز والشغل والبطالة لأن الإنسان لا يحيى بالخبز وحده». وعن سؤالنا حول الخطة الوطنية للكتاب والقراءة العمومية، التي كان الاشتغال عليها في 2008/2009، والتي كان هو من بين مهيئيها، وقدمت للوزيرة السابقة ثريا جبران، التي كانت تعتزم تقديمها للملك محمد السادس لكن المرض حال دون ذلك، قال شراك : «كان من أهم المحاور التي شملتها الخطة محور تشخيصي لحال وواقع القراءة بالمغرب عبر استدعاء مختلف المناظرات الثقافية، كمناظرة تارودانت ومناظرة فاس في عهد الوزير محمد بنعيسى ومختلف اللقاءات الوطنية حول الكتاب، حيث كان آخرها يوما دراسيا في 2008 في عهد الوزيرة ثريا جبران، حيث عرضت الخطة لمختلف هذه التجارب وتوصياتها وخلاصاتها، فضلا عن حالة النشر والطبع في المغرب، وكذلك حال القراءة العمومية، ومختلف المتدخلين». ويصيف شراك «أما القسم الثاني من هذه الخطة فكان هو الإجراءات التي تقترحها من أجل تجاوز مشاكل التشخيص، وبالتالي أوضاع الكتاب ببلادنا، حيث اقترحت مجموعة من الإجراءات، يذكر منها إنشاء المجلس الأعلى للكتاب ومرصد وطني للقراءة، فضلا عن إجراءات عديدة تهم مختلف الوزارات والقطاع الخاص ببلادنا». عبد الفتاح الحجمري نحن إزاء ظاهرة تتطلب وعيا ومسؤولية جماعية من جهته يرى الناقد والأكاديمي عبد الفتاح الحجمري أن «هناك دوما حاجة ملحة لصياغة مخططات وطنية لتقييم الحصيلة في هذا المجال أو ذاك، واستشراف الأفق. وبما أن الأمر يتعلق بالكتاب والقراءة العمومية فالأزمة مركبة، فأن نطبع من كتاب ألف نسخة في مجتمع يفوق عدد سكانه الثلاثين مليون نسمة أمر ينعكس على أوضاع القراءة ويكشف عمق أزمة تستفحل سنة بعد أخرى؛ ويزيد من حدتها ارتفاع معدل الهدر المدرسي وتشير الإحصائيات إلى ارتفاعه بنسبة تقارب 20 بالمائة بالنسبة للتعليم الابتدائي وحوالي 13 بالمائة بالنسبة للتعليم الثانوي؛ علما أيضا أن معدل ما يخصصه الفرد سنويا للقراءة لا يتعدى 6 دقائق في السنة!» وهنا يتساءل الحجمري، الذي يشغل مدير مكتب تنسيق التعريب بالرباط، وهو أحد الأجهزة الخارجية التابعة للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (أليكسو)، عن المسؤول عن هذه الوضعية، هل هو النظام التعليمي ومناهج التدريس التي لم تعد تحفز التلميذ والطالب على القراءة؟ هل هي الأسرة التي لم يعد الكتاب يشكل مدار اهتمام بالنسبة إليها؟ هل هو تغير نمط الاستهلاك الثقافي في مجتمع سادت فيه «المعرفة الرقمية» الميسرة وحدّت من متعة الكتاب؟ هل هي المدرسة التي لم تعد تحتفل بحصص القراءة وتحث عليها، وتلزم التلميذ بمحتوى الكتاب المدرسي فقط؟ أم هي المكتبات المدرسية والعمومية ودور الثقافة والشباب؟. ويخلص الحجمري إلى أن المشكلة ليست في التعليم، بل في التربية، مؤكدا أنه لابد من التربية على القراءة وتخفيض تكلفة الكتاب، ومن اهتمام الإعلام بأهمية القراءة من خلال برامج ثقافية يومية مرئية ومسموعة. ويضيف الحجمري «إننا إزاء ظاهرة تتطلب وعيا ومسؤولية يتحمل فيها الجميع مسؤوليته، مربين وخبراء ومؤسسات وطنية وحكومية وغير حكومية، لأن الأمر يتعلق بتكوين المواطن وتجفيف منابع الجهل والأمية ومحاربة الفقر الرمزي. حسن الوزاني لا يمكن أن تخلق وزارة الثقافة لوحدها مجتمعا قارئا وفي استقصاء «المساء» لأهم محتويات المخطط الوطني للكتاب والقراءة العمومية، قال حسن الوزاني، مدير الكتاب بوزارة الثقافة، إن هذا المخطط ينطلق من مجموعة وثائق ودراسات سابقة، ويعتمد مقاربة ومقارنة مع مجموعة من التجارب الدولية كالتجربة الفرنسية وغيرها من التجارب الدولية، مضيفا أن «هذا المخطط ينسجم بالطبع مع التصور الجديد للوزارة، الذي يقوم أولا على أن دعم الكتاب في صيغته الحالية لم يعد له الأثر المرغوب فيه، لأننا لا نتصور أن دعم الناشر يمكن أن يخلق مجتمعا قارئا». وعما إن كان بإمكان الوزارة أن تُنجح هذا المخطط لوحدها دون التفاعل مع مكونات المجتمع الأخرى، قال الوزاني: «لا يمكن أن تخلق وزارة الثقافة لوحدها مجتمعا قارئا، فلابد من إشراك جميع الفاعلين والمعنيين بالقراءة، سواء تعلق الأمر بالمؤسسات الرسمية أو المهنية وكذا المجتمع المدني». وأضاف أن «هذا الإشراك يجب أن يتم في إطار واضح وشفاف. وسنحاول أن نبلور المخطط الوطني للكتاب والقراءة العمومية الذي نشتغل عليه من خلال وصف الوضعية الحالية للقراءة والكتاب، أولا، ومن خلال رزنامة من الإجراءات التي تهم مختلف حلقات صناعة الكتاب بالمغرب، سواء تعلق الأمر بالكاتب أو الناشر أو المطبعي أو الموزع أو القارئ، ثانيا». وأوضح الوزاني أن المخطط الوطني للكتاب والقراءة العمومية جزء من استراتيجية أكبر تسعى وزارة الثقافة إلى بلورتها، وتخص مختلف الصناعات الإبداعية والثقافية. القراءة في المغرب..واقع مأزوم إن الوقع المأزوم للكتاب والقراءة في المغرب ليس بالجديد وليس وليد اللحظة، بل هو أحد الإشكالات الكبرى التي لم تجد بعد حلولا لها، رغم تكرار الحديث عنها كلما جاءت مناسبة ما كمناسبة المعرض الدولي للنشر والكتاب الذي تلتئم فعالياته بمدينة الدار البيضاء من 29 مارس إلى 7 أبريل. ولكن رغم ذلك فإن الوضع يبقى يراوح مكانه وإن تعددت القراءات لتشخيصه، فهناك من يذهب إلى تحديده في تدني مستوى التعليم وانتشار الأمية بين المغاربة، وهناك من يحدد ذلك في ضعف القطاع في حد ذاته وغياب الاحترافية فيه لدرجة تجعله يدار فقط بعقلية ربحية تكرر أنها دائما في أزمة كي تبقى مستفيدة من وضع الضحية هذا. لكن هناك من يربط هذا الوضع بوضعية المجتمع الذي لم يعرف بعد كيف يسوي مشاكله السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية، فالأمر، في رأي المختصين، يبقى مرتبطا بالأساس بكيفية النظر إلى المواطن الذي ينظر إليه فقط كرقم انتخابي وليس طاقة بشرية هائلة يمكن أن تساهم في خلخلة الوضع المتخلف إذا ما تم تكوينه وتأهيله عبر الكتاب. وأمام هذا الوضع وإحساسا بالوضع الخطير الذي بات يسير فيه المغرب ظهرت إلى الوجود مجموعة من فعاليات المجتمع المدني، كما هو الحال مع «عشاق القراءة»، التي قامت بوقفة أمام البرلمان السنة الماضية لقراءة الكتب، تخليدا لليوم العالمي للكتاب الذي يصادف يوم 23 أبريل، حيث حمل كل مشارك في الوقفة كتابا في يديه لتصفحه وقراءته مدة 60 دقيقة. وهذا ما يدفع المتتبعين إلى القول بأن المواطن بات يستشعر مدى خطورة الوضع. مشكل الكتاب والقراءة في المغرب يدخل ضمن وضع الثقافة المغربية بالمغرب عموما، وهو مرتبط ببنيات أخرى كالتأليف، والنشر، والكتاب، والتنمية، والتعليم، والاقتصاد، والإنسان. وبالرغم من المناظرات واللقاءات التي تمت لم تفلح الجهات المعنية في زحزحة وإزالة الصدأ عن القطار المتوقف على السكة منذ استقلال المغرب. فقد أشرفت وزارة الثقافة المغربية على مجموعة من الندوات واللقاءات، من أبرزها مناظرة تارودانت حول الثقافة المغربية سنة 1986، وملتقى العيون حول الكتاب وقضاياه سنة 1988، والمناظرة الثانية بفاس حول الثقافة المغربية سنة 1990، ولقاء تطوان حول الثقافة واللامركزية سنة 1993، وملتقى الدارالبيضاء سنة 1994، واللقاء الوطني حول الكتاب والقراءة العمومية بالرباط سنة 2002، واليوم الدراسي حول الكتاب والقراءة العمومية بالرباط سنة 2008. وبالرغم من كل هذا الكم من المناظرات واللقاءات بقي واقع الكتاب والقراءة يراوح مكانه ويدور في حلقة مفرغة. فهل يكون المخطط القادم نقطة الانطلاق الصحيحة التي تحدد مكامن الداء بدقة وتصف الدواء الناجع للواقع المريض؟
الخطة السابقة.. 38 إجراء في غرفة الانتظار
كثيرا ما تساءل المثقفون عن مآل وثيقة «الخطة الوطنية للكتاب والقراءة العمومية»، التي تم التحفظ عليها في عهد وزير الثقافة السابق بنسالم حميش، وكانوا يرون فيها أنها «المنقذ من الضلال «، لكن واقع الحال كان له رأي آخر. فما هي أهم مقترحات تلك الخطة التي ستكون من بين الوثائق التي سيعتمد عليها المخطط الجديد؟ ضمت الخطة السابقة ما يقارب ثمانية وثلاثين إجراء ضمها المشروع ضمن حلول واقتراحات للنهوض بالقراءة العمومية استنادا إلى دراسات معمقة. وكانت الإجراءات قد لفتت الانتباه إلى مجموعة من العناوين الأساسية للإقلاع، من أهمها: جعل القراءة مكونا أساسيا من مكونات المنظومة التربوية، تهيئة مخطط مالي ضمن ميزانية وزارة الثقافة لإحداث بنيات للقراءة العمومية في كل مدينة وجماعة، إحداث وتطوير خدمات القراءة العمومية، إدماج المكتبة في مخططات التهيئة المجالية والعمرانية، إنشاء المجلس الأعلى للقراءة والمكتبات، إنشاء المرصد الوطني للقراءة العمومية، وإنشاء المجلس الأعلى للكتاب. كشفت إحدى الدراسات السابقة أن المغرب لا ينتج سوى ألفيْ كتاب جديد مقابل 60 ألف عنوان في فرنسا. وحسب بعض الإحصائيات المقدمة حول الكتاب الأدبي، والتي شملت كافة العناوين الصادرة، تبرز محدودية الترجمة وبنيات النشر في المغرب (31.91 في المائة إنتاج على نفقة المؤلفين). ويبرز محور البيضاء الرباط من خلال معدل العناوين المنشورة سنويا (تمثل 13 عنوانا). ويلاحظ المتتبع للرسومات البيانية والإحصائيات أن التوزيع الذاتي يظل مهيمنا، وأن ما تخصصه الأسر المغربية لاقتناء الكتب يظل هو 0.3 في المائة. ويلاحظ المهتمون بوضع الكتاب بالمغرب أن إنتاجه أخذ ينحو نحو المردودية التجارية والاستثمار المربح، ومن ثم تحول إلى سلعة تزيل عنه قيمته الثقافية دون اعتبار لأخلاقيات النشر.فقد أصبح الكتاب الأكثر طلبا عند الناشر، عموما، هو ذاك الذي يضمن إما مبيعات مرتفعة تسدد النفقات وتوفر أرباحا يعول عليها في تنمية تجارته، أو دعما ماديا يسعفه في تحمل نفقات الإنتاج (أو الترجمة والإنتاج) وتتكافأ أرباحه مع أرباح الكتاب العادي. وبالرغم من كل ذلك فإن عدد نسخ الكتاب الناجح تبقى متراوحة بين 2000 و3000 نسخة في طبعة أولى، والطبعة الثانية نادرا ما تصدر بعد أقل من سنتين عن الطبعة الأولى. أما عدد نسخ الكتاب العادي فهو محصور بين1500 و2000 نسخة، لأن الكميات المطبوعة لا تسمح بأرباح تجارية مشجعة، وعدم الاتساع واضح في انحسار دور النشر الجديدة، كما هو واضح في هبوط نسبة بيع الكتاب، الذي بلغ في سنة 2008 لدى بعض الدور 20 بالمائة. وذلك ناتج عن تخلي بعض القراء عن الكتاب، وعن تقلص عدد المكتبات المختصة في بيع الكتاب. أمام هذا الوضع الملتبس هل يكون المخطط الوطني للكتاب والقراءة العمومية الوصفة السحرية التي تعيد ما أفسدته سياسات سابقة في هذا المجال؟