شهدت مدينة خريبكة، خلال تسعينيات القرن الماضي، ازدهارا لافتا مطردا في قطاع العقار داخل مجالها الحضري، مقارنة مع مجموعة من الحواضر القريبة منها؛ وذلك نتيجة هجرة أعداد مهمة من أبناء مدن خريبكة ووادي زم والفقيه بن صالح إلى الديار الأوربية، واستثمار أموالهم في بيع وشراء البقع الأرضية والمحلات التجارية والشقق والعمارات في عاصمة الفوسفاط. وبعد مرحلة الازدهار، دخل العقار في دوامة من المشاكل التي ساهمت في تراجعه وكساده. فقدان الثقة لدى الزبناء في المستثمرين العقاريين يعدّ واحدا من المشاكل التي أدّت إلى تراجع العقار في السنوات الأخيرة، وساهمت في شلّ حركته بمدينة خريبكة. عبد الغني بختى، الذي قضى حوالي 22 سنة يتنقل بين المغرب والديار الأوربية من أجل استثمار مدّخراته في الميدان العقاري، كشف أن "عمليات النصب التي تعرّض لها مواطنون ضمن مجموعة من الوداديات بالمدينة أفقدت السكان الثقة في المستثمرين". وأضاف المتحدث ذاته، في تصريح لهسبريس، أن "المستثمرين جهّزوا بقعا أرضية وبنوا شققا سكنية عديدة بمدينة خريبكة؛ لكنها بقيت على حالها طيلة سنوات، حيث لا يُقبل عليها أحد من الراغبين في اقتناء مسكنه، خوفا من تعرضه لعمليات نصب واحتيال، على غرار ضحايا عدد من المشاريع السابقة التي لم تجد بعد طريقها إلى الحل إلى حدود الساعة". وأوضح بختى أن سوق العقار بمدينة خريبكة يقع بين أيدي من وصفهم ب"لوبي"، حيث "يتحكمون في أسعار البقع الأرضية والمباني السكنية، من أجل إغلاق الطريق في وجه المستثمرين الجدد". وأشار المستثمر العقاري أن هذا "اللوبي" المتحكم يتوخى "دفع المستثمرين الجدد إما إلى الانخراط في اللعبة والدخول في دوامة المتحكمين في القطاع، أو تكبّد خسائر كبيرة في مشاريعهم الاستثمارية". من جهته، قال عبد الرحمان جوبير، الذي يشتغل في قطاع الإنعاش العقاري، إن تراجع هذا القطاع بمدينة خريبكة مرتبط بأسباب عديدة ومتداخلة؛ من بينها الأزمة التي ضربت البلدان الأوربية، وأثرت سلبا على الجالية المغربية المقيمة بالخارج؛ وهو ما دفع العديد منهم إلى وقف مشاريعه الاستثمارية بالمنطقة، وإغلاق مبانيه السكنية بالمدينة، في انتظار تحسن الأوضاع. وأضاف المتحدث ذاته، في تصريح لهسبريس، أن العقار في مدينة خريبكة يعيش في الآونة الأخيرة وضعا متأزما، والراغبون في اقتناء بقع أرضية من أجل بناء مساكنهم يصطدمون بعدة عراقيل؛ من بينها تأخير تصميم التهيئة واستغراقه بين 6 و7 سنوات، إضافة إلى مشاكل مرتبطة بعملية نشر البحث العلني وإجراءات الوكالة الحضرية وما إلى ذلك من مساطر معقدة. وختم المنعش العقاري تصريحه للجريدة بالتأكيد على أن مدينة خريبكة تضم حوالي 34 ودادية سكنية، وتعمل على توفير بقع أرضية بأثمنة مناسبة، تتراوح بين 15 و20 مليون سنتيم؛ لكن أغلب تلك الوداديات تعيش ما يُشبه الحصار من لدن السلطات، بهدف تشجيع بعض المشاريع، ودفع الراغبين في امتلاك بقعة أرضية إلى اقتنائها بالحيّ السكني الزيتونة، على سبيل المثال. نور الدين العرشي، النائب الثالث لرئيس المجلس الجماعي لخريبكة، أكد أن وضعية العقار في المدينة لا تختلف عن نظيراتها في المغرب بصفة عامة، سواء تعلق الأمر الشق المرتبط بانكماش الأسعار والتأثر سلبا بالأزمة الاقتصادية والمالية العالمية أو تعلق ببعض المشاكل المتعلقة بخصوصيات مدينة خريبكة. وأضاف العرشي أن العقار يتأرجح بين مرحلة الارتفاع التدريجي في الأسعار إلى درجة التضخم وبين مرحلة التراجع والركود؛ وهي المرحلة التي تعيشها عاصمة الفوسفاط منذ سنة 2008 تقريبا إلى حدود اليوم. وأضاف المتحدث، في تصريح لهسبريس، أن العقار تأثر أيضا بالوضعية السياسية الراهنة، وعدم اهتمام الحكومة بالإنفاق في مجال الاستثمار ضمن القطاعات الكبرى. وفي هذا السياق، أشار النائب الثالث لرئيس المجلس الجماعي لخريبكة إلى أن المدينة لا تتوفر على مشاريع كبرى في العقار مثل باقي المدن، حيث تعتمد فقط على مبادرات المستثمرين المحليين، إلى مؤسسة العمران التي تشتغل على الأوعية العقارية ذات التكلفة المنخفضة كالأراضي السلالية على سبيل المثال؛ غير أن مشاريعها توقفت منذ سنوات بسبب مشاكل مع ذوي الحقوق. وأورد العرشي أن المستثمرين والمنعشين العقاري، سواء من داخل المدينة أو القادمين من دول المهجر، يعانون من توقف مجموعة من المشاريع العقارية، بسبب الإجراءات الإدارية والقانونية المرتبطة بإعداد وثيقة التعمير ومشاكل أخرى تتعلق بغياب التوسّع المجالي والعمراني بشكل متناسق ويستجيب لإكراهات المدينة ويلبي طموحات المستثمرين. وأكد المتحدث ذاته أن وثيقة التعمير صارت عائقا وحجر عثرة أمام الإقلاع الاقتصادي والعمراني، بسبب تأخرها؛ وهو ما أسفر عن تعليق عدة ملفات تهم حوالي 1000 هكتار.