اللهم اجعل حركة 20 فبراير كالأفعى إلى أفئدة الظالمين تسعى " فإذا هي تلقف ما يفكون فوقع الحق وبطل ما كانوا يعملون "... لابد لكل نظام استبدادي متجبر من أعوان أو أسناد يتكيء عليهم ، وهم الذين يقومون بعملية غسيل الدماغ بناء على أسس تحوير الأفكار والإقناع الخفي ، لقد قيل : اكذب ثم اكذب ثم اكذب وسوف تصدق الكذبة ! وهو المبدأ المتبع في الصراع الإعلامي بين الظلمة وخصومهم ، وهذا المبدأ يجليه بوضوح دعاوى إنكار وجود معتقل تمارة ! إنه نفس المبدأ الفرعوني في الإنكار وحجب الحقائق ، "ما علمت لكم من إله غيري" يجري مبدأ على لسان الظلم : ما علمت لكم من معتقل غير معتقلاتنا المسماة ، والخطاب موجه إلى المتحررين الثائرين ضد الظلم. في عصر موسى وفرعون الذي "علا في الأرض وجعل أهلها شيعا " كان السحر يلعب ما يلعبه الإعلام الرسمي اليوم من إعادة بناء للأفكار والقناعات في إطار غسل الأدمغة ، فكما كان في السحر سر بقاء نظام فرعون كذلك في الإعلام سر بقاء من خلفه في جبروته وتألهه ، فكلاهما سحر "أعين الناس واسترهبوهم" وكلاهما جاء بخداع عظيم ، لايهمنا هنا تمظهر مبدأ تحوير الأفكار وضرب القتاعات أو المحافظة على قناعات تخدم الطاغية فرعون أو من خلفه ، بقدر ما يهمنا المبدأ نفسه الذي يخضع في تمظهراته للأوضاع المتحركة للتاريخ ولوسائل العصر في تفعيل غسيل الدماغ . إن التاريخ ، الحتمية التاريخية أو السننية التاريخية ، أثبت أن هذا المبدأ باطل زهوق لايصمد أمام الحق وإن بدت قوته المتوهمة من طول جشمه ، لقد ألقى موسى عصاه ليبدد سحر فرعون بالرغم من أن جنس عمل موسى قد يبدو من جنس عمل السحرة أي السحر ، وهذه إشارة ولفتة إلى أن بيان تهافت أطروحة النظام الجبري المتجبر ودعاياته التي تصل أحيانا إلى كذب صراح أو بهتان سقط ضحيته برئ وراح ، إنما يكون من جنس عمل النظام في هدم قناعات وبناء أخرى أي الإعلام والإتصال، لذا تجد أن من خصوصيات الأنظمة الإستبدادية دون غيرها أنها تخصص وزارة للإعلام والإتصال كما "أبدع" أدولف هتلرمن أجل فرض رقابة وإطار عمل محدد سلفا لتقويض حرية الرأي وإلجام الإعلام عن الكلام ، فوسائل الإعلام والإتصال هي بمثابة العصي التي ألقاها السحرة في عصر فرعون ليسحروا أعين الناس، إنها سلطة رابعة وكلت لها مهمة رقابة الحكومات ، إنها أعين الشعب فكيف تفقأ بهذه البشاعة ، لكن وسائل الإعلام الرسمية المستسلمة للسلطة الأولى لا يعدو أن تكون كعصي السحرة التي تلقى أفاعي مزيفة إفكية سرعانما تهاوت أمام تلقف الحقيقة ! إن الفرعونيات اليوم تعتمد على الإعلام والإتصال باعتبارهما قناتي تصريف الأفكار وإعطاء جرعات متوالية من معلومات مغلوطة قائمة على التضليل واستغلال الأحداث، لنأخذ حدث تفجير أركانة ومن قبله 16 ماي فترة تصاعد قوة الإسلاميين - التي ارتعدت منها فرائص البعض قبل أن يصيب هذه القوة وهن قد ينخر العظم بسبب الإنقطاع عن نبض الشارع والإحتكام لقواعد داخلية انفصالا عن الحركية أهي موصولة أم مفصولة أو الإغترار بالمنامات والرؤى - فبصرف النظر عمن وراءه والذي لا يزال مجهولا وبصرف النظر عن المستفيدين الحقيقيين منه ، نجد الحدث فرصة مواتية في ظل الحراك المجتمعي في المغرب في ظل حركة 20 فبراير التي شكلت إدانة للجميع ونفضا للوجه من ماكياج التجمل الديمقراطي ومساحيق التبرج المؤسساتي التي تخفي وجها آخر من البشاعة بمكان – 20 فبراير "عصا موسى" – لصرف التفكير وتحريف المجرى بما يشوش على قناعات ويبدد آمالا ، ولاشك أن الحدث يخدم أغراضا معينة ، والتعاطي الإعلامي الرسمي معه لا يبارح ما نحن بصدد الحديث عنه ، تحييد - neutralisation- الحدث من الظرفية الراهنة ليسهل الحكم عليه بما يخدم المصلحة ، الإعلام يتعاطى مع الأحداث بمنهجية اختزالية : تضخيم وعرض لحقائق وطمس لأخرى ، تيه أو تتويه مفهومي وتغذية العقول باصطلاحات كاذبة تجعل الناس في فتنة فكرية يدركون الواقع بوهم الإعلام ، ولقد نال خصوم النظام أكبر حصة من هذا التتويه المفهومي والفتنة الإصطلاحية لخدمة أغراض أمنية ، فالإعلام خلق للناس "سلفية جهادية" و"الفكر الجهادي" على المستوى النظري وعلى مستوى الواقع لا أحد تساءل عن الأسباب الكامنة وراء ظاهرة الإرهاب التي يضخمها الإعلام رغم محدوديتها والتي يقف النظام المستبد بمنهجيته وراءه وفي التعامل مع الإيديولوجيين كتعامل فرعون في جعل الناس شيعا تتناحر وتتقاتل ، إنه ضرب الإسلام بالعلمانية والعلمانية بالإسلام و الإسلاميين باليساريين واليساريين بالإسلاميين والصوفية بالسلفية والعروبيين بالمزوغيين وهكذا...! ثم انظر للتصريح الذي بين فيه وزير الداخلية أن الأمر يتعلق بشاب تعلم من الأنترنت كيف يفجر مقهى أركانة . و متى ؟ في ظل حركة احتجاجية وحركة تصحيحية تطالب بإسقاط رموز الفساد . فسحروا أعين الناس واسترهبوهم ! يبدو أن الحركة التصحيحية لم تقتنع ألبتة ب "بيان" وزير الداخلية الذي ألقاه "فجاء بسحر عظيم" ، ثم جاء الإفساد في زي الإصلاح ليكمم الأفواه ويهدد ويكسرالضلوع ويقدد ، جاء إعلامنا ليبث برنامجه المعهود : برنامج التجهيل. إن الحركة كالحية الأفعى إلى الظالمين والفاسدين تسعى ، وعليها أن تلقف ما يفكون تماما كعصا موسى التي بينت الحق من الباطل وبينت الحقيقة من الوهم والقناعة العلمية المشهودة من الخداع..لقد غفل فرعون عن حقيقة مخلوقيته ونسبية قدرته وعاش على وهم كونه إلاها من دون الله يستعبد الناس بالرغم من أنه مثلهم يتغوط ويتبول يأكل ويمرض ويموت، وهو مفتقر إليهم في معيشته وإصلاح أحواله وشؤونه ، ولم يستفق من وهمه ولم يتطهر من جنابة غفلته إلا حين أخذ يغرق فعلم حينئذ أن سكرة الموت جاءت بالحق وهو ماكان منه يحيد ، كذلك كانت سنة الله في الذين خلوا من قبل ولم نجد لنسته سبحانه تبديلا في خلفه بن علي زين الهاربين و قبحي مبارك ومن بعده من لا يزال ينتظر من الطغاة ، هو ذاك أمر النفس وحركتها مع ما يجري ، وليس من السهل على النفس أن تنزل من عالم التجبر والتأله إلى عالم الحقيقة والنسبية والمخلوقية والعبودية لله رب العالمين والتصرف بمقتضاها ، لقد علم سحرة فرعون لما رأو ا بينة موسى ومعجزته أنهم وإن كان بإمكانهم خداع الناس لا يمكنهم خداع خالق الناس وربهم الذي يعلم الجهر وأخفى ، لذلك آمنوا بالحقيقة الناصعة التي جاءت بها الأفعى ونادت ، ولو آمن معهم فرعون ما كان حتفه إلا غرق ذليل وندم لم يعد ينفع ! بينات العصر الحديث تأخذ شكلا آخر وتصويرا يلائم ثقافة العصر ومحيطه لكن الثابت يبقى أبد الدهر ، الثابت المرتبط باللامتغير من الإنسان الذي به يبقى إنسانا : إنه الثابت في القلوب ، فكما أن فرعون إنما عاش بوهمه على خوف الناس منه كذلك الطغاة اليوم يعيشون على خوف الشعوب منهم والتي لا تفتأ تنافق وتزعم ما لا يقبله منطق أو عقل من حب وولاء وهم تحت قهر وحقر وفقر ، جاء الربيع العربي كما جاء موسى ليخلص الناس من الخوف من الوهم الذي ظل جاشما على صدروهم كاتما على أنفاسهم عاتما على قلوبهم ، وكما كان للأنبياء جميعا أتباع لدعواتهم ومناوئين كذلك الحال بالنسبة لكل الدعوات ولا راد لقضاء الله سبحانه . [email protected] www.anrmis.blogspot.com facebook : hafid elmeskoauy