إن تحليل العمل النقابي من منظور الإسلاميين وليس من منظور الإسلام, متشعب جدا ويحوي مخاطر كبيرة, وهذا راجع بالضرورة إلى تعدد الحركات التي تدعي تمثيلها للإسلام وللدولة الإسلامية المنشودة في غياب نظرية خاصة بالاسلام على غرار ما هو متوفر لعدد كبير من القضايا. إن هذا التعدد الراجع إلى تعدد الحركات الإسلامية وغياب نظرية إسلامية خالصة, يفرض علينا التطرق والبحث في عدد كبير من المراجع ووجهات نظر بعض الحركات والشخصيات الإسلامية وكذا تقييمها ونقدها في قدر المستطاع. ظل العمل النقابي حكرا على اليسار إلى حدود التسعينات, وكانت الحركة الإسلامية المغربية تتعاطي بعداء كبير مع المسألة النقابية، سواء من حيث الخطاب أو الممارسة. وهكذا رفعت شعارات من قبيل: النقابة رجس من عمل الشيطان لا بد أن يجتنب, و النقابة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار... كما اتهمت المناضلين المتعاطين للعمل النقابي بأقدح النعوت وواجهتهم بحد السيف وخصوصا بنقابة الطلبة الاتحاد الوطني لطلبة المغرب التي أطلقت عليه بداية الاتحاد الوثني لملاحدة المغرب في إشارة إلى الفصيل القاعدي ذو التوجه الماركسي الذي كان مهيمنا على المنظمة, وكانت تتهم الطلبة بالخمول والكسل رافعة شعار: المطرود يا بليد, الكلية للمجتهد... وقد كانت هاته المواقف من الحركات الإسلامية تتناغم وتتماشى مع خيارات الدولة التي كانت تستجيب مرغمة للعديد من مطالب العمال والطلبة والفلاحين بفعل قوة تنظيماتهم النقابية وتمرس مناضليهم في ميدان النضال. هكذا, وبعد عقد من الزمن, وبفعل الضربات الموجعة التي تلقتها النقابات داخليا وخارجيا, عرف العمل النقابي جزرا عاما ولم يعد يستطع تحصين ابسط المكتسبات بل الأكثر من ذلك خسر مناضليه ومتعاطفيه بفعل الصراعات الفارغة والهامشية. وفي هاته اللحظة بالذات عمدت الحركات الإسلامية الى تغيير تكتيك العمل في المنظمات النقابية, فعوض العداء المباشر, عمدت إلى سياسة الاختراق والعمل من داخل الإطارات النقابة الموجودة وتحين الفرصة لإعلان تنظيمات خاصة بها, وهذا ما تأتى لها بالفعل في عديد من القطاعات حتى أصبحت الحركات الإسلامية تتوفر على مركزية نقابية ونقابات قطاعية في مختلف قطاعات الإنتاج والعمل. إلا أن السؤال الذي يطرح نفسه مع هاته التنظيمات هو: ما هي فلسفة العمل النقابي لديها, غاياته وعواقبه؟ يجيب الاتحاد الإسلامي الدولي للعمل الذي أسسه حسن البنا, منظر الحركات الاسلامية, عن جزء كبير من التساؤل حيث يرى الاتحاد في نفسه عناصر من القوة والجدة في رسالته، أهمها: أولاً: أن ربط الحركة النقابية بالإسلام يعني ربطها برسالة حضارية عظمى أسهمت في بناء الإنسان، وقدمت نظامًا اجتماعيًّا واقتصاديًّا متكاملاً. ثانيًا: أن هذا الارتباط من شأنه القضاء على الخواء الروحي والنفسي الذي يستشعره العاملون في الحقل النقابي؛ لما في النظام النقابي الحالي من طابع مادي مهني بحت. ثالثًا: أن الاتحاد سيقدم أساسًا للسلام الاجتماعي، وفيصلاً في علاقات العمل يقوم على أرقى ما عُرِف من عدل في الأرض وهو عدل الإسلام. رابعًا: أن استلهام الإسلام سيعيد إلى العمل أخلاقياته، إلا أن هاته التحديدات والمرتكزات هي وصفية أكثر منها تحليلية ما دامت لم تدخل في عمق العمل النقابي بما هو بالدرجة الأولى عمل مطلبي يستهدف تحسين شروط العمل المادية والمعنوية ويعتمد آليات معينة للضغط على رب العمل والإدارة قصد الرضوخ لهاته المطالب كالإضراب والاعتصام وحمل الشارات إلى العصيان المدني..., فكيف يمكن مثلا تحديد الفاصل بين العدل والسلام الاجتماعي وبين الاستغلال في ظل نظام إسلامي يعترف بالملكية الفردية لوسائل الإنتاج, او في ظل التشكلة الاجتماعية والاقتصادية الحالية. وقد حاول عبد السلام ياسين في كتابه " الإقتصاد بين البواعث الإيمانية والضوابط الشرعية "ان يجيب عن بعض هاته التساؤلات حيث يؤكد بأن النقابة الإسلاميةالجديدة يجب أن تتميز عن النقابة الشيوعية، والنقابة الرأسماية حيث يقول: " يجب أن تقوم النقابة تحت ظل دولة القرآن بغير المهام التي تقوم بها نقابات الشيوعيين من كونها أداة من أدوات الدولة. ويجب أن تسلك أسلوبا غير أسلوب الإضراب والعنف الذي تسلكه نقابات الرأسمالية. يجب أن يستبدل بالإضراب تنسيق ثلاثي بين ممثلي النقابة والدولة وأصحاب الشغل" (ص 185) ويضيف أن من مميزات هذه النقابة الإسلامية أنها " نقابات تفاوض، وضغط معنوي، لا نقابات رفض وإضراب وتخريب " (ص 186) إن هذه التوضيحات تؤزم الموضوع أكثر مما تنيره فهي تتحدث عن النقابات في ظل دولة القرآن والواقع أننا _ كما هو متضمن وراء سطور التصريحات_ لسنا في ظل دولة القرآن, فما هو إذن دور ووسائل عمل النقابات في هذا الوضع الذي يختلف عن وضع المدينة الفاضلة, دولة القرآن, والتي يصفها بأنها نقابات رفض وإضراب وتخريب وأي علاقة تنتظم بين الرفض والإضراب والتخريب ولماذا ينخرط أتباعه في هذا العمل النقابي بل ويقودوا اضرابات واعتصامات ومنع الطلبة من ولوج مدرجات الجامعة, مكان العلم. وحتى في وضع دولة القرآن, ما هو مبرر وجود النقابات أصلا, وإذا حصل لا قدر الله إن فشل التنسيق الثلاثي بين ممثلي النقابة والدولة وأصحاب الشغل, كيف ستتعاطى النقابة مع هذا الوضع مع حرمانها من سلاحها المتمثل في الإضراب. وفي جهة أخرى, هناك تنظيمات إسلامية أسست مركزية نقابية ونقابات قطاعية وشاركوا في نضالات محلية ووطنية, قطاعية ومركزية مع تركيزهم دائما على أن ابغض الحلال إليهم هو الإضراب. لكن هؤلاء أيضا لم يطرحوا ولم يجيبوا عن السؤال الجوهري في العمل النقابي الإسلامي والذي ترتبت عنه بفعل الممارسة انزلاقات خطيرة ومنها: _ القول بان ابغض الحلال هو الإضراب فيه اقتباس وتشويه وتحريف لحديث نبوي يقول بان ابغض الحلال عند الله الطلاق, فالإضراب ليس هو الطلاق _ الحديث عن حزب سياسي إسلامي وعمل نقابي إسلامي في بلد دستوره يؤكد ان الدين الاسلامي دين الدولة, يطرح إشكالية الغير منتمين لهذا الحزب أو هاته النقابة, هل هم مسلمون حسب رأيهم أم لا, وفي حالة تعدد الأحزاب والنقابات الإسلامية, فمن يا ترى يمثل الإسلام ومن يخالف شرعه... _ العمل السياسي والنقابي في كثير من التدافع والنفاق والمصالح والأحلاف, فيه نقاش حول التزوير والديموقراطية, حول الأغلبية والأقلية, حول الصالح والطالح... وإقحام الإسلام في هاته الأشياء الضيقة والصغيرة استصغار للإسلام وتوظيف له في أمور دنيوية تافهة. وما وقع مؤخرا في الاتحاد الوطني للشغل يؤكد بجلاء هاته الحقيقة المرة, فأن يصرح مسؤول نقابة معينة بشيء أو أن ينكر شيئا آخر, يدخل ضمن صراع المواقع والمصالح والتيارات, لكن حين يحدث ذلك في حزب أو نقابة تقول عن نفسها إنها إسلامية, فهذا تمريغ للدين الإسلامي ومعه ملايين المسلمين في التراب, وهذا ما حدث بالضبط حين انعقاد مؤتمر استثنائي للاتحاد الوطني للشغل المركزية التابعة لحزب المصباح العدالة والتنمية حيث تلى ذلك تبادل للتهم وتصريحات متناقضة, وفيما يلي مقتطفات من تبادل التهم بين طرفي الصراع الإسلاميين والمنتميين لنقابة إسلامية والذي تناقلتها عدة جرائد كجريدة المساء والتجديد: _ جناح المعطي اتهم جناح يتيم بتوجيه المؤتمر والتآمر عليه، لإسقاطه من رئاسة الجامعة لصالح شخص آخر ينتمي إلى حركة التوحيد والإصلاح، الذي يعتبر يتيم عضوا فيها، الأمر الذي دفع عددا من المؤتمرين إلى الاحتجاج أمام مقر انعقاد المؤتمر في سلا، تنديدا بما اعتبروه تزويرا لنتائجه، _ اعتبر محمد يتيم أن المؤتمر الاستثنائي الذي عقد في المحمدية غير شرعي وغير قانوني ولاأساس له، _ بخصوص الخلاف داخل الجامعة الوطنية لموظفي التعليم، بعد مؤتمر ماي الماضي، قال يتيم: «مؤتمر الجامعة حُسِم أمره، وإذا كان لديهم شيء تجاه النتائج فعليهم اللجوء إلى القضاء». _ وقال عبد السلام المعطي، إن انعقاد المؤتمر الاستثنائي جاء بناء على العديد من الأصوات التي ارتفعت داخل الاتحاد مطالِبةً بالتصحيح، بسبب الخروقات والتزوير في المحاضر والانحراف عن المبادئ الأولى، وخاصة مبدأ الاستقلالية، مشيرا إلى أن «هناك من يتدخل على الخط»، في إشارة غير مباشرة إلى حزب العدالة والتنمية. _ أكد محمد يتيم الكاتب العام للاتحاد الوطني للشغل بالمغرب أن الوضع التنظيمي للاتحاد عادي ومستقر ولا يوجد أي انشقاق كما راج في بعض الصحف،.... مبرزا أن الأمر يتعلق بمجموعة من الأشخاص الراسبين في امتحان الديمقراطية الداخلية خلال المؤتمر الوطني الرابع للجامعة الوطنية لموظفي التعليم المنعقد يومي 12و13 ماي 2010 هؤلاء بعد أن فشلوا في السطو على قيادة المنظمة سعوا إلى افتعال واصطناع وجود خلاف في الاتحاد الوطني للشغل ... أكد الكاتب العام للاتحاد أن الراسبين في الامتحان الديمقراطي أصبحوا يبحثون عن أية ذريعة وتبرير وأكاذيب... يقول يتيم: الأوضاع التنظيمية داخل الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب مستقرة وعادية وكل الجامعات القطاعية والنقابات الوطنية والاتحادات الجهوية قد عبرت عن استغرابها واستنكارها وشجبها للحركة المسرحية السخيفة المسماة مؤتمر وطني استثنائي وأكدت تمسكها بالشرعية المنبثقة عن المؤتمر الوطني الخامس التي لا تقبل الجدل ولم يسبق لأي فرد أو مجموعة أن شكك فيها بما في ذلك المجموعة التي تسعى أن تقرصن المنظمة بدعم من أيادي خفية وظاهرة أحيانا، وتصريحات عبد السلام المعطي نفسه عقب المؤتمر شاهدة على ذلك ، والقول بوجود حركة تصحيحية داخل الاتحاد كذب في واضحة النهار . _ ويضيف: يمكن أن ترجعوا لبيان مجلس التنسيق الوطني للاتحاد لتتأكدوا من الموقف الموحد لجميع التنظيمات القطاعية والمجالية ورفضهم لمنطق الزاوية والشيخ الذي يفرض عليهم أن يكونوا أتباعا، واختاروا منطق المؤسسة الذي يصبح فيه القرار بيد المناضلين والمناضلات، ... وهؤلاء يعتمدون نظرية اكذب اكذب حتي يصدقك الناس وهم في قرارة أنفسهم يعلمون أنهم يسيرون في طريق مسدود وبعضهم قد صرح بذلك وبعضهم يصرح أن ذلك أسلوب من أساليب الضغط كي ينالوا ما لم ينالوه عن طريق المساومة . _ وددت لو أنه كان بإمكان القراء مشاهدة مسرحية ما سمي بالمؤتمر الاستثنائي في التسجيل الذي وضعه حواريو المعطي على موقع اليوتوب ولكن سرعان ما سحبوه لما تبين لهم أنه يثبت المهزلة، ويقارنوا بينه وبين المؤتمر الوطني الخامس للاتحاد الوطني للشغل بالمغرب للوقوف على حجم المهزلة. _ ... هذه مسرحية سخيفة حيث عقد اجتماع جمع فيه بعض حواري هؤلاء وأغلبهم لا علاقة له بالاتحاد، وفي عدة دقائق أعلن القائمون عليه في حركات بهلوانية ما سموه قرارات للمؤتمر الاستثنائي. _ هؤلاء قاموا بسرقة موصوفة فاشلة في واضحة النهار لإرادة ما يقرب من ألف مؤتمر يمثلون عشرين جامعة ونقابة قطاعية ومناديب منتخبين في 52 مؤتمرا إقليميا وتوصيات 16 جمعا عاما جهويا لمندوبي المؤتمر الوطني. هذه جريمة أمام التاريخ، وأمام الضمير النضالي الحر جريمة تزوير فاحش لا ينبغي السكوت عنها، لأنها تهدد جميع قواعد العمل الجماعي والحد الأدنى من الاحترام لذكاء المناضلين والرأي العام الوطني. ولو تم السكوت على هذا السلوك لأصبح كل فاشل أو متآمر داخل التنظيمات الحزبية والنقابية الوطنية مؤهلا كي يعلن في كل يوم عن مؤتمر استثنائي ويتخذ القرارات بإسم الهيئات المقررة والأجهزة التنظيمية وهو لا يمثل إلا نفسه. _ ... التناقض اليوم هو بين فئة قليلة أرادت بسط هيمنتها على النقابة مستغلة عبد السلام المعطي ودافعة به نحو الواجهة وتريد التسلط ضدا على قواعد العمل الديمقراطي والمؤسساتي والشرعية الديمقراطية. التناقض بين هذه الفئة المكونة من أربع أو خمس عناصر لها سوابق سيأتي زمن كشفها وبين التوجه العام لمناضلي الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب الذين لا علاقة لهم من حيث الانتماء بالحركة أو الحزب ممن يريدون عملا نقابيا مؤسساتيا ديمقراطيا لا عملا سلطويا يقوم على تقديس الأشخاص والتملق لهم وعلى الزبونية و تبادل المنافع الشخصية. _ بطبيعة الحال سنلجأ إلى كل الوسائل القانونية والنضالية لحماية مكاسب منظمتنا ورصيدها النضالي والأخلاقي، بما فيها المتابعة القضائية في مواجهة القرصنة التي سعى إليها هؤلاء وانتحالهم لصفات ليست لهم وكذبهم على مؤسسات الاتحاد واعتدائهم على صلاحياتهم واستخفافهم بالمناضلين وبالمؤتمرين وأعضاء المجلس الوطني والجامعات القطاعية والهيئات المجالية. سنلجأ إلى كل الوسائل القانونية والنضالية لحمل السلطات المعنية على الكف عن التدخل في الشؤون الداخلية للاتحاد ومحاولة استغلال هؤلاء الضعفاء الساقطين في امتحان الديمقراطية للتشويش على المسيرة النضالية للاتحاد الوطني للشغل بالمغرب . _ 13 أبريل 2010 عبدالسلام المعطي يصرح عقب انتهاء المؤتمر ليومية التجديد ويؤكد على أن المؤتمر الوطني الخامس مر في أجواء ديمقراطية وشفافة، ...عبر كل مؤتمر عن وجهة نظره بكل حرية من النقد إلى التجريح الخفيف ثم التداول الحقيقي المبني على معطيات وتقديرات معينة، وقد تم الحسم في انتخاب الكاتب الوطني وفق مسطرة متفق عليها مسبقا، إذ تم التصويت السري في كل المراحل في صناديق زجاجية أعدت لهذا الغرض. _ واتهم المعطي محمد يتيم بالتزييف والتزوير في المحاضر الرسمية "بسرية تامة"، وبالانفراد في اتخاذ القرارات، والانحراف عن مبادئ المنظمة، خاصة مبدأ الاستقلالية، عبر "الدخول القوي لحركة التوحيد والإصلاح على الخط، بتوجيه رسائل تهديد مكتوبة، انتهت بقرارات الطرد لعدد من المناضلين". _ وقال المعطي "عن طريق الصدفة، ضبطنا اختلالات مالية، إذ وقع سحب ما يناهز 13 مليون سنتيم من رصيد المنظمة، خلال يوليوز، الذي يعتبر فترة عطلة، ولا ينظم أي نوع من الأنشطة، وهذا تبذير للمال العام"، مشيرا إلى أن "بعض النقابات، المنضوية تحت لواء الاتحاد، تستفيد بسخاء من مالية المنظمة، في حين، تحرم أخرى من هذا العطاء، مثل نقابيتي التعليم والصحة، المغضوب عليهما". وأفاد المعطي أنهم سيلجأون إلى المجلس الأعلى للحسابات، من أجل التحقيق في هذه "الاختلالات"، وفي الأرقام المالية، التي "سحبت من مالية المنظمة في فترة العطلة". _ ... وأضاف مندريس أنه جرى "كل أساليب التزوير والكولسة، للوصول إلى الهدف المرسوم، ما جعل عددا من الغيورين على مستقبل النقابة ينتفضون ضد سياسة يتيم داخل الاتحاد، الذي أصبح يتصرف فيه كمملكة خاصة به، يتصرف في أموالها دون حسيب ولا رقيب، متسلحا بالموافقة غير المشروطة، التي يمنحها له أنصاره من الحركة". ... ان ما استعمل في هذا الصراع من أوصاف ومصطلحات واتهامات (التزوير, الكولسة, الاختلالات المالية, تبذير للمال العام, تزييف وتزوير في المحاضر الرسمية, رسائل تهديد مكتوبة, انتحال الصفة, التملق, الزبونية, تبادل المنافع الشخصية, سرقة موصوفة, التآمر, الانحراف, ذريعة, تبرير, أكاذيب, نظرية أكذب أكذب حتى يصدقك الناس...), لها انعكاسات خطيرة خصوصا إذا ارتبطت بطرفي صراع من داخل نقابة إسلامية تعتبر نفسها المثال الذي يحتدى به بل وتربط وجودها بالمجتمع الإسلامي المنشود؟؟!!! ان هذا التمييع الذي أصبح الإسلام عرضة له عبر إدخاله في متاهات سياسية ونقابية ضيقة من طرف الحركات الإسلامية, قد تناوله ذ فريد الأنصاري في كتابه الأخطاء الستة للحركات الإسلامية. وقد افتتح الكتاب بآية قرآنية تعبر على واقع الحركة الإسلامية بالمغرب: {وجاوزنا ببني اسرائيل البحر فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم. قالوا يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة. قال إنكم قوم تجهلون. إن هؤلاء متبر ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون} (الأعراف، 138-139) ان اكبر خطأ سقطت فيه الحركة الإسلامية المغربية _والذي تشير اليه الاية القرآنية التي استدل بها الأنصاري_ هو خطأ الاستصنام أي أن الحركة الإسلامية المغربية اتخذت أصناما تعبدها من دون الله. وتتجلى الأخطاء الستة للحركات الإسلامية حسب الانصاري في: الخطأ الأول: استصنام الخيار الحزبي. الخطأ الثاني: استصنام الخيار النقابي. الخطأ الثالث: استصنام الشخصانية المزاجية. الخطأ الرابع: استصنام التنظيم الميكانيكي. الخطأ الخامس: استصنام العقلية المطيعية. الخطأ السادس: استصنام المذهبية الحنبلية في التيار السلفي وسنكتفي بالخطأين الأولين والذين لهما ارتباط وثيق بالموضوع الذي نحن بصدده. الخطأ الأول: استصنام الخيار الحزبي: إن أكبر خطيئة وقعت فيها الحركة الإسلامية بالمغرب في نظر الأنصاري، هو اتخاذ "حزب سياسي"، أي حزب "العدالة والتنمية", حيث يقول: "لقد صار الإسلاميون يشتغلون في الشك، وقد كانوا - من قبل - يشتغلون في اليقين! وكانوا إلى الإخلاص في الأعمال أقرب، ثم صاروا إلى خلط مبين! فانتقلوا بذلك من مقاصد العبادات إلى مقاصد العادات، ألهاهم التلميع والتسميع، وانخرط كثير منهم في الحزب على حرف، تماما ك (من يعبد الله علَى حرف فإن أصابه خير اطمأن بِه وإن أصابته فتنة انقَلَب علَى وجهِه خسر الدنيا والآخرة ذَلك هو الخسران المبِين)، إن اتخاذ "الحزب" في العمل الإسلامي هو أشبه ما يكون ب "اتخاذ العجل" في قصة بني إسرائيل". ويرى الأنصاري أن الإسلاميين انخرطوا في بناء خطاب مادي بالدرجة الأولى، يحلل الأزمات الاقتصادية ومشكلات البطالة، والرد السياسي على الهجوم الإلهائي، الذي يصدر عن بعض متعصبي اليهود والنصارى، أو عن بعض زنادقة المسلمين، فيُخرِجون المظاهرات، وينظمون المسيرات، ثم يئوبون في المساء إلى مواقعهم سالمين، مطمئنين إلى أنهم قد أنجزوا من "النضال" ما يشفع لهم عند الله يوم القيامة. الخطأ الثاني: استصنام الخيار النقابي: حيث يرى المؤلِّف أن الحركة الإسلامية دخلت التجربة النقابية بلا تروٍّ، ولا تأصيل، وأنها قامرت برصيدها الأخلاقي والديني، بخوض غمار عمل ما يزال مشبعا بلغة الصراع الطبقي، والمقولات الماركسية في الفكر الاقتصادي، والنظريات الاشتراكية في قضايا العمل والعمال. وأن الحركات الإسلامية تورطت في تأجيج إضرابات عن العمل - على طريقة التنظيمات الماركسية والأحزاب الانتهازية - للضغط السياسي على إدارات معينة، من أجل تمرير ملفات أخرى لا علاقة لها بمصالح العمل والعمال، لا من قريب ولا من بعيد، فأسهمت بذلك - من حيث تدري أو لا تدري - في تربية أبناء الحركة على الكذب والخداع، وسوء الأخلاق في المناظرة والحوار، وما كان ينبغي أن نسابق اليسار نحو الهاوية. وان الخيار النقابي للحركة الإسلامية كان على حساب رصيدها الأخلاقي والدعوي لأن الحركة الإسلامية في عملها النقابي لم ترب أبناءها إلا على الكذب والخداع... لقد تبين من تحليلنا السابق ومن وجهة نظر ذ فريد الانصاري الذي كان عنصرا فاعلا داخل الحركة الاسلامية المغربية, ان اقحام الدين في السياسة والنقابة يأتي على الجميع كما تأتي النار على الهشيم فلا يتبقى لا دين ولا سياسة ولا نقابة وانما الرماد لوحده ما يتبقى. ولهذا, لا تنفك اصوات كثيرة ترتفع من كل أطراف هذا البلد العزيز, بل والعالم أجمع, وتنادي بممارسة السياسة والنقابة بأساليب السياسة والنقابة وعدم إقحام طهارة الدين في دنس النقابة والسياسة الدنيوية والمصلحية. موظف بوزارة العدل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في الاقتصاد