ليس بمقدور البرقع ولا اللثام ولا الحجاب ولا البوركيني بفرنسا أن يخفوا على أنظار عالمنا اليوم المكانة المخصصة للمرأة داخل منظومة القيم الإسلامية، شرقا وغربا لئلا تتناكح مع غير المسلمين ويختلط النسل وتتخذ المسلمات أولياء خارج الأمة الإسلامية. لا يمكن للحجابات الإسلامية أن تخفي علينا هذا الآبارتايد وهاته العنصرية الإسلامية. لقد ولدت وترعرعت داخل عائلة مسلمة بشرق المغرب حيث ارتدت أمي الجلباب واللثام المغربيين قبل أن تشيخ لتكتفي بجلباب وحجاب للشعر. ولقد ارتدت جدتي قبل ذلك الحايك واللثام الأبيضين كما كانت تتحجب بهما الجزائريات. وبعد الإستقلال أسعفني الحظ لأعايش خلال الستينات وبداية السبعينات انعتاق بعض الفتيات من جيلي لما حظين مثلي، أنا الرجل، بالتردد على المدرسة العصرية المختلطة واستمتع جزء منهن بحق ارتداء البناطيل والتنورات، القصيرة منها والطويلة، والتخلص في نفس الآن من الجلباب واللثام والحجاب. نعم كانت قد تمكنت بعض المغربيات من فرض الإحترام تجاههن بالمدرسة كشريكات لنا وكمنافسات ذكيات وكذلك احترام أجسادهن بالشارع كتعبير عن جمالهن وليس كعورة. كن قد تحولن إلى شريكات لنا في الحياة العامة على قدم من المساوات ولم يعدن مجبرات على طمس جمالياتهن التي نحبها ونقدرها نحن الرجال بكل بقاع الأرض وليس في الغرب فحسب. لكن ما سمي ب"الثورة الإسلامية" (تلكم المغالطة الكبرى التي خلطت مناهضة أمريكا بالتقدمية) أعادت الفتيات المسلمات إلى حجابهن لتجبرهن من جديد على إخفاء زينتهن ليس بإيران فحسب بل بكثير من بقاع العالم الإسلامي الذي دخل منذ ذلك الحين في معاندة عقيمة للغرب ولقيمه المحررة للمرأة داخل العائلة وخارجها. وما زال كثير من المسلمين لحد الآن يتقاتلون فيما بينهم ليعلموا من منهم يرفع ويردد أقسى الشعارات ضد أمريكا، شعارات لم تجلب سوى الخراب والذل لدول عديدة منها، على سبيل المثال، أول دولة إسلامية نووية : باكستان. منذ تلك "الثورة الإسلامية" والجالية الإسلامية بأوروبا تحاول فرض نظرتها لأجساد بناتها ونساءها كعورة وتعتبر نفسها كضحية ل "الإسلاموفوبيا". وفي حقيقة الأمر تود هاته الجالية الإسلامية أن تخفي عدم احترامها لقيم الغرب المبنية - منذ غابر الأزمان - على تواجد المرأة وتحركها بحرية مع عرض جمالها داخل العائلة وخارجها. وما تود هاته الجالية إخفاءه في آخر المطاف هو أن الإسلام (بمعنى تعاليم القرآن ومحمد) يحرم على المسلمة أن تتزوج باليهودي أو المسيحي أو غير المسلم. تحاول الجاليات المسلمة إخفاء آبارتايد الإسلام الذي تغلغل إلى ضواحي وشواطئ الدول الغربية التي تحل للنساء وللرجال أن يتزوجوا بمن يحبون بغض النظر عن إيمانهم أو عدم إيمانهم. إن كان لحجب أجساد المرأة معنى خاصا بالعالم الإسلامي، فما معناه يا ترى بالبلدان الغربية التي نعلم أنها تقدر العراء وتخصص له صفحات ومجلات وأفلاما وصورا في غاية الروعة والتي يتلهف المسلمون، كبقية البشرية، للإستمتاع بجمالياتها ؟ نعلم أن العراء جزء لا يتجزء من الثقافة الغربية، الإغريقية واللاتينية الأصول. ونعلم كذلك أن هاته الحضارة الغربية أنتجت تماثيل من الرخام والبرونز تمثل الرجال والنساء بأجمل حلة خلقوا عليها : عارون كل العراء. إن كان تواجد الحجاب الإسلامي ببيئة غربية يدلنا على شيء فإنما يدلنا على تناقض وصدام للثقافة الدينية الإسلامية بالثقافة الغربية التي تخلصت من قيود الدين الإبراهمي الذي ورثه اليهود والمسيحيون ثم المسلمون لتنبعث الثقافة الإغريقية-الرومانية من جديد وهذا ما يعرف باسم renaissance. بمعنى "الميلاد من جديد لم يعد بمقدور الحجابات الإسلامية المختلفة والمتنوعة الكتان الألوان، الزاهية منها والكئيبة، أن تحجب عن أنظارنا الآبارتايد الإسلامي الذ يحرم على المسلمة أن يدخل الحب قلبها وفراشها لغير المسلمين ؟ لربما نجحت لفات ومراوغات ومناورات وتواطئات في حجب هاته الحقيقة بعض الشيء، لكن الفرنسيين والأوروبيين بدأوا يستيقظون من سباتهم وظهرت من بينهم أحزاب وشخصيات مرموقة تجرأت على تسمية الأشياء باسمها وأقرت في برامجها بوضوح تام أن الإسلام لا ينتمي لأوروبا وأنه لا يمكن لقيمه أن تتماشى أو أن تتلاءم مع قيم أوروبا (راجع في هذا الصدد برنامج "حزب البديل لألمانيا" الذي ترجمته لموقع هسبريس). صدام الثقافات وتعارضها حقيقة ملموسة لا يمكن لأي حجاب ديني كان أن يخفيها عن بصيرتنا. أفلا تفقهون ولا تبصرون أم على أفئدتكم غشاوة ؟