أعادت قضية القياديَّين السابقين في حركة التوحيد والإصلاح، مولاي عمر بن حماد وفاطمة النجار، إلى ساحة النقاش موضوع الزواج العرفي أوْ ما يُسمّى ب"زواج الفاتحة"، والذي كانَ مثارَ سجال قويّ بين الحركة النسائية المغربية وبين الحكومة عقبَ تمديد البرلمان أجلَ تسوية عقود الزواج غير الموثّقة لخمس سنوات إضافية بعد انتهاء المدّة التي حدّدتها مدونة الأسرة. من الناحية الشرعية، ثمّة إجماع من لدن علماء المسلمين على أنّ الزواج العرفي جائز، إذا استوفى شروطه الأساسية؛ وهي الشاهدان والصداق والوليّ. وقدْ كانَ هذا النوع من الزواج سائدا في عدد من مناطق المغرب، خاصة النائية، إذْ لم يكن الزواج يوثّق في المحاكم؛ لكنْ، من الناحية القانونية، تترتب عن "الزواج العرفي" مضارّ كثيرة، خاصّة على الزوجة والأطفال. تقول سعيدة الإدريسي، نائبة الرئيس في الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب، إنّ الزواج العرفي ما هو إلا غطاء لعلاقات بدون عقد زواج، وتسميّته تُستعمل لتغطية علاقة رضائية؛ "وهذا لا يُزعج؛ لكن يجب ألا نسمّي هذا زواجا، لأنّ الزواج ميثاق، فيه مسؤولية وحقوق، وتترتب عنه آثار، في حال وُجد أطفال، أو موت الزوج أو الزوجة"، تقول الناشطة الحقوقية. تنصّ المادّة ال16 من مدوّنة الأسرة، التي شُرع في تنزيلها سنة 2004، على أنّ وثيقة عقد الزواج تُعتبر الوسيلة المقبولة لإثبات الزواج. وإذا كان الزواج العرفي جائز شرعا، إذا استوفى الشروط المطلوبة، فإنّ سعيدة الإدريسي ترى أنَّ الزواج يجبُ أنْ يُعالج وفق مقاربة حقوقية محْضة، "من حقّ شخصين بالغيْن أن تكون لهما علاقة رضائية، ولكن حينَ تتحوّل هذه العلاقة إلى زواج، تترتّب عن ذلك مسؤوليات وحقوق". ومن هذه الحقوق، تقول المتحدّثة، حقوق الأطفال، مضيفة "الزواج العرفي لا يضمن أبدا هذه الحقوق. ومن ثم، يجب أن تكون أيّ علاقة زوجيّة مؤطرة بالقانون". بالنسبة إلى هذه الناشطة الحقوقية، التي راكمتْ تجربة في معالجة الملفات المتعلقة بحقوق النساء، فإنَّ الطرف المتضرّر في علاقات الزواج العرفي هو المرأة، "حيتْ الرّاجل يْمكن يْهزّ غْراضو في أيّ لحظة ويْمشي فحالو ويخلّيها"، تقول المتحدثة. وفي هذا السياق، تستحضر الناشطة الحقوقية حالةَ طالبة بمدينة الرباط كانت ضحيّة زواج عرفي ربطها مع زميل لها في الجامعة، ل"عدم اعترافه بوثائق الدولة"، حيث عاشت معه إبّان فترة دراستهما، وبعد حصولهما على الإجازة شرع في البحث عن عمل، وكانت "الزوجة" حاملا، وذات يومٍ غادر الغرفة حيث كانا يُقيمان ولم يعُد بعد ذلك، لتجد الفتاة نفسها أنها صارت أمّا، دون أن تتوفّر على أيّة وثيقة إدارية تُثبتُ أنها متزوّجة أصلا. وتشدّد الإدريسي على أنَّ المرأة لا تقف على حجم الضرر الذي يترتّب عن الزواج العرفي إلا في مثل هذه الحالات؛ فعلى الرغم من أنَّ الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب وفّرتْ لهذه الفتاة محامية، من خلال مركز "نجمة" لمناهضة العنف ضدّ النساء، فإنها عجزتْ عن تقديم أيّ مساعدة لها في الجانب القانوني، في غياب أيّة وثيقة تثبت أنها متزوّجة من الشخص الذي تركها وهي حامل، على الرغم من أنّ زواجهما "العرفي" كان بشهود. الإدريسي تشير إلى أنّ ما يشبه الزواج العرفي يوجد أيضا في فرنسا، حيث توجد علاقات تُثمر أبناء، من دون وجود عقد الزواج؛ لكنّ هذه العلاقات مؤطّرة بالقانون وتضمن الحقوق لطرفيها، من حق في الإرث وغيره وكذا حقوق الأطفال. وهذا ما لا يُتيحه الزواج العرفي الإسلامي، من الناحية القانونية، مضيفة: "نحن لا يمكن أن نحلّل ونحرّم حسب أهوائنا؛ بل يجب أن تكون العلاقات الزوجية خاضعة للقانون، حتى لا يتملّص الرجال من مسؤولياتهم".