من الناحية العلمية يفرز البراديكم الحداثي المتقدم رؤية جديد للتراب ويجب ان تتوافق وتتلاءم تلك الرؤية مع القيم الجديدة للحداثة المتقدمة (إو ما بعد الحداثة). نلخص هذه القيم في كونها نتيجة لتجليات قيم الحداثة كما هي متعارف عليها دوليا الا أنها وبفعل رياح العولمة الثقافية والاقتصادية أصبحت تتسم بخصائص أكثر محلية وأكثر جهوية منها إلى الوطنية والقومية. نذكر على سبيل المثال لا الحصر خاصية القرب التي تلزم الفاعل الترابي بالممارسة البراكماتية والانطلاق مما هو أقرب إليه وبالانفتاح على الأخر وهو ملزم بتلك القيمة. نضيف خاصية السرعة والتقلص الزمنيين والمكانيين إذ أصبح الفرد يحس وكأنه في صراع دائم مع محيطه، هذا على المستوى السيكولوجي. وعلى المستوى السياسي والأيديولوجي فإن الأفراد والجماعات ملزمون بالتخلي عن الأيديولوجيا إذا ما ابتغوا النتائج العملية والناجعة. فلن نغامر و نقول بموت الأيديولوجيا ولكن هناك دعوة شبه صريحة إلى التخلي عنها ولو أن هذا الأمر يبدو شبه مستحيل ذلك ان اقتصاد السوق و المبادرة الحرة في اطار العولمة يطغيان على المسار الاقتصادي و التنموي لشتي المؤسسات. نضيف في هذا الشأن بان" العلمية " تقتضي انطلاق الفاعل الترابي من ما هو كائن في "ألهنا" و"ألان" عوض توخيه لما يريده ان يكون في مستقبل ما ولا يعدو هذا إلا أن يكون نتيجة حتمية لتلك السرعة وذلك التقلص الزمكاني اللذان تطرقنا إليهما أعلاه . وأخيرا على المستوى الثقافي يقتضي الأسلوب العملي المراقبة البراكماتية و الترابية.فنستعمل هنا الثقافة كمرادف لتلك الأيديولوجيات التي تطرقنا اليها سلفا ونلح على الطابع المحلي لتلك الثقافية سواء على المستوى التدبير/الابداع او حتى على مستوى التوجه السياسي؛ إذ أن الخاصية التي تميز الحداثة المتقدمة هي التنوع؟ وهذا طرح استنكاري طبعا.إن المغرب كدولة لم يصادق لا صدفة ولا عبثا سنة 2007 على الميثاق العالمي للتنوع الثقافي التي أصدرته يونسكو سنة 2005 والذي يقتضي الاخذ بالثقافات المتنوعة المحلية منها والجهوية في التدبير المقاولاتي والسياسي والاجتماعي. كخلاصة نؤكدُ ارتباط ما هو عملي و ما هو علمي ونكاد نلخص المقاربة الترابية في كون القرار و المجدي الذي يؤدي إلى تنمية مستدامة يؤخذ من الأسفل إلى الأعلى بقرار من التحت إلى الفوق ؛ يُبنى من المحلي /الجهوي الى الوطني وربما الى العالمي و الكوني، وليس العكس كما كان هو الشأن إبان نشأة الدول – الأمم وإبان الحداثة الكلاسيكية العقلانية التي تهدف الى بناء المؤسسات الوطنية على أنقاض كل ما هو محلي وواقعي . *باحث متخصص في السوسيولوجيا الترابية جامعة القاضي عياض مراكش