إشكالية التصويت الانتخاباتي الانتخابات المغربية ؛ وعلى جميع الأصعدة السياسية ؛ عرفت فيما مضى نقاشا حادا ، وتساؤلات حول مدى صدقيتها وتمثيلها لكل الأطياف المغربية . وقد تعرضت ولا زالت وزارة الداخلية ؛ الجهاز الإداري المكلف بتنظيم الانتخابات ؛ في العديد من المحطات الاستحقاقاتية ؛ إلى انتقادات شديدة من قبل المجتمع المدني وبعض الأحزاب السياسية بوصفها المسؤول الأول عن كذا من الخروقات التي شابت عمليات هذه الانتخابات ، وتعاطيها للتحكم في خارطتها ومقاساتها ؛ حتى إن بعض الفاعلين السياسيين نادوا جهارا بإلغاء هذه الانتخابات ، مادامت تشكيلتها معروفة سلفا .. بيد أن ضعف أداء النخب السياسية ووجود ما يشبه برنامجا يملى على الحكومة في الخفاء ؛ بعيدا في توجهاته عن برامج الحملات الانتخابية ولد بالكاد لدى الرأي العام عدم الثقة في منتخبيه ، أفضت فيما بعد إلى عزوف ملحوظ عن الاقتراع ، وهجر الصناديق الانتخابية ، ومن ثم السياسة عامة ! نسب التصويت ولكنها مجهولة الهوية كل البلاغات والتصريحات الرسمية المعلنة عقب كل محطة انتخابية ، كانت تؤشر في أرقامها على نسب مئوية تصل أحيانا إلى 80% من إقبال الناخبين المسجلين في اللوائح الانتخابية على صناديق الاقتراع ، وإن كانت هذه النسب تراجعت في العشر سنوات الأخيرة إلى ما بين 50% و 53% . وحتى الآن ؛ ومنذ بداية تعاطي السلطات المغربية مع الانتخابات ؛ لم تفرج يوما هذه الأخيرة عن فئات الناخبين وهوياتهم المهنية والوظيفية لإمكانية إجراء دراسة وبحث في الميكانيزمات التي تحكم العلاقة بين الناخب وصندوق الاقتراع (المنتخب) ، بل تكتفي ؛ في أحسن الحالات ؛ بترسيمات بيانية بمؤشرات : جامعي ؛ أستاذ ؛ مهندس ؛ فلاح ؛ مزارع ؛ ذكور ؛ إناث ... تخص فقط "الفائزين" في الاقتراع . نسب التصويت في الدول الديمقراطية سبق لإنجلترا ؛ في انتخابات تشريعية لها ؛ أن فاجأتها الصناديق بإقبال جماهيري محدود لم يتجاوز عتبة 34% من المسجلين ، فحلت على السلطات البريطانية والهيئات السياسية بمثابة صاعقة ؛ زلزلت كل توقعاتها ، فسارعت ؛ في حينه ؛ إلى إنشاء خلية بحث وتدبير أزمة " الثقة " في الأداء الحكومي ، أرغمتها على مراجعة حساباتها وتغيير نظرتها التقليدية إلى مكونات مجتمعها المدني وطبقاتها السياسية ، وبالتالي دراسة اختلالات الدولة .. ومواطن ضعف أدائها ؛ سعيا إلى استعادة ثقة الشعب البريطاني بأجهزته السياسية . هوية الذين " لا يصوتون " لا نجانب الواقع السياسي في المغرب إذا ما أكدنا على حقيقة أن العزوف السياسي عندنا صار شبيها بظاهرة تصحر تهدد ؛ كل موسم انتخابي ؛ قطاعا واسعا من جمهور الناخبين . أما الذين لا يصوتون فيمكن تقسيمهم إلى فئتين رئيستين ؛ فئة غير مسجلة أصلا في اللوائح .. وفئة ثانية مسجلة ولكنها لا تصوت . الفئة الأولى يمكن أن تضم الأغنياء ورجال المال والأعمال ، فليس لديهم "وقت للتسجيل" ، اللهم إذا كانت مصالحهم في حاجة إلى دعم ، إذاك يمنح الضوء الأخضر لعمال منشآتهم أو زبناء قطاعاتهم الحيوية بالتحرك ، والتصويت لصالح x بدلا من y . أما الفئة الثانية ممن " لا يصوتون " فقد تضم : لا مبالين ولا مهتمين بالشأن السياسي المغربي ؛ غير واثقين بنوايا المنتخبين والحكومة عموما ؛ يائسين من حدوث تغيير ما لصالحهم ؛ ثلة من الأساتذة والأكاديميين الذين يختصرون لعبة السياسة في المغرب في جملة " حسن التأثيث ولا تغيير " ؛ المكتوون بنيران الزيادات المعيشية ؛ المرضى والمعطوبين ؛ بعض أفراد الجالية المغربية بالخارج لشعورهم بالإحباط كلما أرادوا قضاء مصلحة بالقنصليات المغربية . هل يمكن لهؤلاء الذين " لا يصوتون " أن يعودوا للتصويت ؟ بالنظر إلى ثقل الأوزار التي ينوء بها كاهل الشعب المغربي ؛ في ظل الحكومة الحالية ؛ كمسلسل الزيادات في الأسعار ، وضعف جهاز المراقبة ، وتفشي الفساد بجميع أشكاله وأنواعه ، وتغول ظاهرة الإجرام أمام الانفلاتات الأمنية ، وتصاعد نسب الفقر والهشاشة ... أمام كل هذا وغيره لا يمكن بحال أن يكون هناك إقبال على صناديق الاقتراع إلا بنسب جد هزيلة ، بالرغم من تجنيد السلطات المغربية لوسائل لوجيستيكية ضخمة ، فضلا عن الكرم الحاتمي الذي أغدقته على رؤساء الجهات والأجهزة الأمنية ... فقط في حالة واحدة يمكن لمؤشر الإقبال على صناديق الاقتراع أن يعرف ارتفاعا ملحوظا : وهي إيجاد ضمانات رسمية في صيغة إقدام الدولة على إبرام تعاقد اجتماعي ، وفق برنامج متعدد التوجهات ، وبشراكة ممثلي الأحزاب والهيئة القضائية ، وبعض مكونات المجتمع المدني .